الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة جس النبض

جمال الدين بوزيان

2009 / 2 / 27
الصحافة والاعلام


لا تختلف القنوات الفضائية العربية كثيرا عن الأنظمة العربية الحاكمة، بل هي تشبهها كثيرا و تحاكيها جيدا في بعض طرق تعاملها مع الشعوب و الجماهير العربية.
تلتقي تلك القنوات مع تلك الأنظمة و تتفق معها و بدون قصد حول انتهاج سياسة جس النبض، فللشارع العربي نبض يجب أن يقيسه الحكام قبل إصدار القوانين الجديدة، و تغيير الدساتير و تغيير نوع الحكم، كما للتحرر العربي نبض يجب أن تقيسه الفضائيات قبل عرض أي مادة جديدة تحوي تحررا جسديا غير معتاد لدى الجماهير العربية.
ما فعلته أنظمتنا و تفعله منذ بدء وجودها الأبدي، هو تماما ما قامت و تقوم به فضائياتنا منذ ظهورها في سنوات التسعينات، فقد اعتدنا مثلا بالجزائر أن نسمع الإشاعات المختلفة تنتشر هنا و هناك عن أمور سياسية و اقتصادية و اجتماعية، عن قانون جديد يتعلق بسياسة الشغل، أو نظام التأمين و الضمان الاجتماعي، أو النظام الصحي، عن احتمالات تولي الشخص الفلاني لمنصب وزاري، عن عودة ذلك السياسي الغائب إلى الأضواء قريبا.
هذه الإشاعات هي تحضير نفسي جيد لأفراد الشعب لتقبل تلك القوانين عند صدورها، و هي بمثابة جس النبض لهم، و قياس مدى تقبلهم لذلك التغيير.
أما القنوات الفضائية و لكي تقوم بجس نبض الجماهير اتجاه التحرر الجسدي فهي لا تعتمد على الإشاعات، و إنما تتبع سياسة الجرعات الخفيفة الأولية، لأن جرعة التحرر الكبيرة و المفاجئة قد تسبب لجمهور المشاهدين حساسية، و ردة فعل عنيفة و رافضة لما يبث من أمور مختلفة عن المعتاد.
الجرعات الخفيفة من مناظر العري و القبل و الأحضان و الرقص، تمنع ظهور رفض كلي لتلك البرامج و المواد الإعلامية، و تضمن استمرارها، مع زيادة نسبة الجرعات تدريجيا و عبر سنوات إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن.
فالتنورة العربية التي كانت تبدو في سنوات التسعينات فوق الركبة أصبحت الآن "مايوه" لا يغطي من جسد من ترتديه إلا المناطق الحساسة جدا، و لا ندري هل سيحين دورها هي أيضا للظهور في الكليبات الغنائية و البرامج التلفزيونية.
في سنوات التسعينات، عند ظهور "دي دي" الأغنية الضاربة و الناجحة لمغني الراي العالمي الجزائري الشاب خالد، عزفت كثير من التلفزيونات العربية عن عرضها بحجة تنافيها مع عاداتنا و أخلاقنا، و بسبب التحرر الجسدي الذي يحويه كليب الأغنية، و القنوات التي عرضته في ذلك الوقت، قامت بالتصرف في صوره و حذف بعضها و تثبيت الأخرى، و كأننا أمام فيلم جنسي و ليس كليب غنائي.
اليوم، نفس تلك القنوات التي رفضت أغنية "دي دي" و حذفت لقطات منها، تقوم بعرض مسلسلات جريئة و أغاني إيحائية صريحة لشبه مغنيات يلبسن كما يقول عادل إمام "من غير هدوم".
المسلسلات التركية عند ظهورها العام الماضي، لم تكن بنفس التحرر الذي هي عليه الآن، دائما أول مرة تكون عبارة عن جس نبض، حيث يتم حذف بعض المشاهد لتخفيف جرعة التحرر الجسدي الموجود بالمسلسل، فالأحضان و الملامسات و المداعبات الجسدية الموجودة الآن بمسلسل "و تمضي الأيام" غير متوفرة بنفس تلك الكثافة بمسلسل "نور" الذي عرض قبل عام.
نفس الشيء حدث مع برنامج تلفزيون الواقع "ستار أكاديمي"، في الأول كان ممنوعا على التلاميذ الذكور الدخول لغرف نوم البنات، هذا في "ستار أكاديمي 1"، الآن في ستار أكاديمي 5 و 6، نرى تلميذات الأكاديمية يسبحن بالبيكيني.
سياسة جس النبض تخلق الألفة لدى المشاهد لأمور يرفضها لو جاءت مباشرة، و يحضنها لو دخلت عليه تدريجيا، المشكلة كلها تتعلق بالتعود، عندما يتعود الشعب أو الجمهور على فكرة معينة، يصبح قابلا لها و متعايشا معها، و لو كانت تلك الفكرة عبارة عن قانون ظالم أو مادة إعلامية إباحية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل سيؤدي تعليق شحنة الأسلحة الأمريكية لإسرائيل للضغط على نتن


.. الشرطة الهولندية تفض اعتصام طلاب مؤيدين لغزة بجامعة أمستردام




.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا


.. طالبة تلاحق رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق وتطالبها بالاستقا




.. بايدن يقول إنه لن يزود إسرائيل بأسلحة لاجتياح رفح.. ما دلالة