الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الخوف

رضا الشوك

2009 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


تبدأ ثقافة الخوف في نشر بذورها بين اوساط الناس ، ويتم رعايتها ودعمها بمختلف الوسائل المتاحة لدى الحاكم المستبد من خلال زرع الرعب والعنف وفقدان الامن والاستقرار في الحياة الاجتماعية حتى تترسخ جذورها وتتحول مع الزمن الى عرف يألفه الناس ويتعايشون معه في حياتهم اليومية ،وهذا النوع من السلاح الفتاك ليس غريبا في حياة الشعوب وانما كان يمارس منذ الازمان الغابرة بشتى الوانه بهدف احكام السيطرة على مرافق الحياة التي يتواجد فيها الانسان ، ولكن القوانين المتواجدة في المجتمع كما في الطبيعة التي تعمل خارج عن ارادة الانسان ويكون مفعولها ظاهراً بعد فترة تاريخية تطول او تقصر حسب الظروف الموضوعية والذاتية التي تستجد في هذا البلد او ذاك ،هذه القوانين وعوامل اخرى ، منها فقدان السيطرة تدريجياً على ادارة دفة الحكم وازدياد العوز والنقص لابسط متطلبات الحياة ، انتشار الجريمة دون معالجة جدية لها ، عدم احترام القوانين المرعية في البلاد ...الخ كل ذلك يساهم في خلق الوعي الاجتماعي بين افراد الشعب مما يمكنهم ان يلعبوا دوراً هاماً في قلب المعادلة ليس لصالح الحاكم المستبد وتؤهلهم من شن حرباً ضروساً ضد ظاهرة الخوف وتداعياتها ،ولنا في الحالة العراقية مثالا ساطعاً على ذلك .
من المعروف ان الكائن الحي يستحيل عليه المضي في حياته دون ان تتوفر لديه إجابات على اسئلة يفرضها وجوده وتفاعله مع المحيط الذي يعيش فيه . وفي مقدمة هذه التساؤلات ، كيفية الحفاظ علئ قدسية منظومة القيم الاجتماعية وتحصنها ضد اختراق قوى الشر التي تعيث في البلاد فساداً لتجعل حياة الناس اشبه بالجحيم ،ولان المجتمع العراقي يرتهن في تنظيم حياته الاجتماعية الى مجموعة قوانين عرفية لاتقل قوة في نفاذها عن مجموعة القوانين النافذة ، وهذه المجموعة العرفية من القوانين تستمد قوتها من خلال حفاظها على مفاهيم الشرف والكرامة والمرؤة وان الاساءة اليها ستكون بمثابة الشرارة التي اذا انطلقت فانها ستمتد بكل الاتجاهات وتحول العراق الى ساحة معارك وقودها بشر من كلا الطراف .
وليس ثمة وسيلة لاطفاء الشرارة في مهدها سوى اعادة قراءة تاريخ العراق ، وفي مقدمة الاشياءالتي تجلب انتباه المتتبع الفطين هي انتشار ظاهرة الخوف التي اصبحت سائدة في المجتمع العراقي ، ولم ثقافة الخوف شيئاً طارئاًعلى حياة العراقيين بل كانت حصيلة تراكم وارث للمراحل التاريخية السابقة ، وعند دراسة الوعي الاجتماعي وتجلياته لابد من التوكيد والوقوف على طبيعة وماهية المرحلة التاريخية لان الوعي يختلف باختلاف مرحلة التطور ، ففي مرحلة الاقطاع كما هو الحال في العراق حالياً يكون الوعي ذو طبيعة دينية لاهوتية ، ولو تابعنا تطور المجتمع العراقي الذي كانت تسوده القيم البدوية بكلا جانبيها السلبي والايجابي المتلاحقة مع البذور الحضارية التي نشأة في رحم المدن وخاصة الكبيرة منها مطلع القرن الماضي حيث كان يتعايش فيها ازدواجية من القيم الاجتماعية البدوية والحضرية وما بينها من صراع الاضداد ، ولهاذا فان ماآلت اليه الحضارة العراقية يرجع الى جملة من العوامل المعقدة والمتشابكة نذكر منها موقع الفرد في العائلة ، فهو تارة قوي وظالم واخرى مهزوز ومظلوم حسب ما تمليه التقاليد ، فعلى سبيل المثال يمارس الاب هيمنته المطلقة على سائر الاسرة ويطغي الولد الذكر على اختة ، وعلى هذه الوتيرة فان ما يصدر عن العائلة من قرارات فأنها متأثرة بالجو التسلطي السائد ، وعندما نخرج من ساحة العائلة الى فضاء القبيلة فأن الامر لا يختلف ابداً حيث تسود مفاهيم تلغي دور الموقف العقلاني المتحضر في العلاقات الانسانية ، وتحل محلها العصبية وفض النزعة الدكتاتورية ، كما ان الدول في اكثر الاحيان تلعب دوراً هاماً في بعث الوان الخوف وغرسا في البنية الاجتماعية بدلا من خلق برامج لتحديث المسيرة الاجتماعية وضمان عدم التخلف عن الركب الحضاري ، فالدولة في العالم العربي ومنها العراق تتحرك باتجاه المحافظة على سلطة الحاكم من خلال شل المؤسسات المدنية وانشاء مؤسسات قمعية تقلص الحريات العامة وبهذا الشكل تكون ثقافة الخوف هي النسيج الرابط لعلاقة الفرد بالاسرة والمحيط الخارجي ، وما نلمسه من انكسارات في مجتمعنا هو حصيلة تصدعات واهتزازات نفسية الانسان العراقي في ماضيه وحاضره ، وتمثل الحالة العراقية على وجه الخصوص مثالاً صارخاً من حيث الممارسات لاسيما ابان الحكم الزائل عن حدود المعقول مع الارث التارخي والطائفي البغيض للمجتمع ، وعلى ضوء ما تقدم يتحمل المسؤلين في الحكم والمعنيون عن عملية التغير الافضل والمفكرون ذوي الضمائر الحية مسؤلية اعداد الفرد العراقي وتنمية قدراته النفسية واستئصال عقد الخوف وبناء علاقات متوازنة في المجتمع من مستوياته الدنيا حتى مستوى الدولة .
ان الخسارة الفادحة الناتجة عن تهميش دور الانسان العراقي في الحياة الاجتماعية نتيجة للسياسة الهوجاء التي مارسها النظام الشمولي اثناء اضطلاعه بالحكم لاكثر من ثلاث عقود ونيف أدت الى فقدان الهوية الشخصية للفرد العراقي حتى اصبح لايشعر بالذنب تجاه ما يقترفه من تسلكات ومواقف لاتتناسب مع التقاليد والقيم الانسانية التي كانت لها جذور راسخية في المجتمع العراقي يوما ما ،ولهذا نشيد بتوجيه الذين ينضحون عرقاً ودماً في صنع الخير لابناء جلدتهم حيث تقع على عاتقهم مسؤلية تاريخية في العمل على ارجاع العراق من جديد الى سكة الحضارة الانسانية ليأخذ دوره التاريخي المنشود .
ان التوجه نحو بناء مجتمع ديمقراطي في العراق يرد العافية لابنائه الذين ذاقوا مرارة الثعسف والخوف والاضطهاد خلال العقود العجاف من الحكم الزائل يعتبر من اولى مهام القوى الوطنية النيرة ، وان المساهمة الواسعة لمختلف الشرائح الاجتماعية في انتخاب مجالس المحافظات بينت بجلاء ان نقلة نوعية قد حصلت في الوعي الاجتماعي للسواد الاعظم من الناس تمنحهم القوة في تحدي الخوف وبعث الثقة بالنفس لتغير الاوضاع الشاذة وتصحيحها لصالحهم . وان توافد المواطنين المكثف على صناديق الاقتراع بشكل ابهر المراقبين الدوليين من عرب واجانب يمثلون منظمات دولية اعطى درساً هاماً لاؤلئك الذين في نفوسهم مرض وعلى ابصارهم غشاوة فأصبح امامهم خيار واحد لاغير هو ترك العراق واهله فهي الوسيلة الوحيدة لبقائهم على قيد الحياة ، واذا اصروا على بقائهم ومزاولة اعمالهم الارهابية فان مصيرهم مثل الذين سبقوهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها