الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اي مستقبل لاسرائيل واي هوية؟

ماجد الشيخ

2009 / 3 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مهما تكن تركيبة الحكومة الإسرائيلية القادمة، فإنّها في مطلق الأحوال ونظرا لغلبة الطابع اليميني عليها، ستكون أكثر فاشيّة وأشدّ تطرّفا. وهذا ما كان قد "قرّره" زعماء الأحزاب والقوائم الانتخابيّة؛ كما كانت قد "قرّرته" حرب غزّة ومن قبلها حرب لبنان الثّانية، قبل أن "يقرّر" النّاخب الإسرائيلي ذلك. وهدف الجميع هو محاولة إضفاء طابع "سياسي إجماعي" إزاء الإقرار بعدم التّنازل عن أيّ حقّ للفلسطينيين، وتقديم "السّلام مقابل السّلام" طبقا دائما على طاولة المفاوضات، بغض النّظر عن القائم بـ "العمليّة" من الجانب الإسرائيلي.

وهكذا تكون "المقدّمات الحربيّة" التي سبقت الحملات الانتخابيّة، وحتى نتائج تلك الانتخابات؛ قد مهّدت لعودة الكاهانيّة (نسبة إلى المقبور مائير كاهانا مؤسّس حركة كاخ الفاشيّة)، ذلك أنّ إفلاس الأحزاب العلمانويّة، يعود في جوهره إلى الفشل السّياسي والعسكري على حدّ سواء؛ في كل المعارك التي خاضتها إسرائيل حتّى الآن، ومعه انكشاف وزيف علمانيّة كيان استيطاني كولونيالي، تقوم عقيدته الدّينيّة – كما السّياسيّة والعسكريّة – على القتل والإبادة ومحاولة إفناء الحرث والنّسل، كلّما أمكن ذلك وتيسّر، في ظلّ وضع دولي وعربي متفرّج أو لا مبال إلاّ قليلا، يشهد على الجرائم دون أن يجرؤ أحيانا على إدانتها أو طلب الاقتصاص من القائمين بها. ويشهد على التطرف الإسلاموي دون أن يعمل على التخفيف من غلوائه؛ إن لم يكن التخلص منه، كونه الضرر الموازي للضرر الذي تلحقه العنصرية الصهيونية بقضايا شعوبنا الوطنية في هذه المنطقة من العالم.

وعودة الكاهانيّة يجسّدها اليوم هذا "الصّعود الصّاروخي" لحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة الوريث الجديد لكاهانا، الفاشي أفيغدور ليبرمان الّذي دعا ويدعو بشكل صريح، إلى التخلص من فلسطينيي الجليل والمثلّث والنّقب، و"الإبقاء على من لديهم ولاء للدولة" (إسرائيل). وهذا ما يفسّر تقارب شعارات الأحزاب الدّينيّة وبعض تلك العلمانوية وإن بشكل نسبي، واتّفاقها على "مبدأ واحد" أساسه العداء لفلسطينيي الدّاخل، بهدف التّخلّص منهم، والالتفات فيما بعد لكل فلسطيني يعيش في نطاق ما يسمونه "أرض التّوراة". وإلاّ ما معنى اعتبار نتانياهو وإعلانه أنّه لا يختلف مع ليبرمان حول شعار اشتراط "الولاء للدّولة" من أجل الحصول على المواطنة، وهو ما يعني أداء الخدمة العسكريّة أو الخدمة المدنيّة، علاوة على التّماثل مع رموز الدّولة؛ مثل النّشيد والعلم والاعتراف بوثيقة الاستقلال، وهذا تحديدا موجّه لفلسطينيي الجليل والمثلّث والنّقب أساسا؛ كشرط لمعاملتهم كمواطنين! في دولة يهودية نقيّة نسبيا، تنفي معها إمكانيّة قيام دولتين، أو دولة جميع مواطنيها، أو دولة ديمقراطية علمانية، أو دولة ثنائيّة القومية.. إلخ من صيغ قيام "الدّول" على أرض فلسطين التاريخية الواحدة.

عنصريّة التّجمّع الاستيطاني الصّهيوني في فلسطين، لا تقتصر على عنصريين يشهد لهم مدى إيمانهم العميق بالتّمييز العنصري؛ استنادا إلى فكر ديني أو قومي متطرّف، بل إنّ العنصريّة تتفشّى، أو هي بالأساس تعشعش بين صفوف من يدّعون أنّهم علمانيّون، فأيّ علمانيّة هي تلك التي تماهي بين القوميّة والدّين، أو هي التي جعلت الدّين يلعب الدّور الرّيادي في تأسيس الكيان وبناء الدّولة؟ هي قوميّة دينيّة خاصّة تلموديّة وتوراتيّة لا مثيل لها في تاريخ ونشأة القوميّات والأمم، رغم ذلك هي كيان علمانوي خاص لا يمكن تكرار نشأته ووجوده بأيّ صيغة مشابهة للصورة التي صارتها إسرائيل اليوم، حيث خمسة أحزاب يمينيّة متطرّفة، بينها حزبان دينيّان متزمّتان، يشكّلون تكتّلا مساندا لزعيم الليكود بنيامين نتانياهو، إذا ما احتاج لهذه الأحزاب لدعم تكتّله الحكومي، في حال لم يستطع تشكيل حكومة ائتلافيّة موسّعة، رغم أنّه وحسب مقربين منه؛ ليس معنيا بتشكيل حكومة يمينية متطرفة، بل إنه يحرص على أن تكون مقبولة من واشنطن ومن المجتمع الدّولي.

ويبدو أنّ "إسرائيل بيتنا" بزعامة الفاشي السافر أفيغدور ليبرمان سيحلّ محل "شاس" كونه "بيضة قبّان" التنافس على تشكيل الحكومة، ولهذا يخطب ودّه الآن، كما أثناء الحملة الإنتخابية، اليمين (نتانياهو) والوسط (ليفني)، حيث كان الأول قد أعلن أنّه سيسند لليبرمان منصبا وزاريّا هامّا في حكومته، بينما لم تستبعد ليفني ضم ليبرمان إلى حكومة برئاستها، على أن يكون ذلك على قاعدة الخطوط الأساسيّة للحكومة.

ماذا يعني تصاعد قوّة ليبرمان؟ أهي الكراهية تجاه المواطنين الفلسطينيين في الجليل والمثّلّث والنّقب؟ على هذا يجيب رون غارليتس (معاريف 4/2) بأن "ليبرمان لم يخترع سياسة الكراهيّة، إنّما قام باستيرادها، فقد سبقه زعماء يمينيّون كثيرون من المتطرّفين في العالم، وقد انتهى ذلك إلى نتائج وخيمة في الأماكن والأزمان التي نجحت فيها هذه الدّعاية بتجنيد تأييد سياسي كبير، بل إلى نتائج وخيمة جدّا في بعض الحالات، ربّما ما زال الوقت غير متأخّر لأن ينظر كلّ منّا إلى الشّباب من حوله الّذين يفكّرون بالتّصويت لليبرمان، فيحاول أن يطرح أنّ إضرام الكراهية تجاه نحو خمس مواطني الدّولة؛ هو وصفة أكيدة لانهيار المجتمع الإسرائيلي والدّولة الإسرائيليّة".

ولهذا يلاحظ الكاتب جدعون سامت، وهو دبلوماسي سابق، أنّ تعاظم قوّة حزب ليبرمان يصبغ الحياة السّياسيّة في إسرائيل بالصّبغة الفاشيّة، وذلك حين يبدي المجتمع الإسرائيلي تسامحا إزاء الأفكار الفاشيّة، وليبرمان هو النّسخة المصغّرة للفاشيّة الإسرائيليّة، واحتمال أن تواصل هذه النّسخة التّعاظم كبير جدّا، إلاّ إذا تبيّن أنّ المضار التي يسبّبها ليبرمان كبيرة جدّا للحلبة السّياسيّة والنّخب الإسرائيليّة، خصوصا في ظل رئيس أميركي مختلف في البيت الأبيض.

ولذلك وكما رأى حاييم هنغنبي فإنّه "إذا بقيت إسرائيل دولة كولونياليّة بطابعها، فإنّها لن تصمد، ففي نهاية المطاف ستكون المنطقة أقوى منها، والمظالم القائمة بالأساس ستكون أقوى منها، وكلّ من يأمل العيش على حدّ السّيف سيجد نهايته بالسّيف". كما ولذلك أيضا، فقد أدّى شعور إسرائيل بإطباق الجدران عليها إلى ردّ فعل عنيف في حربها ضدّ قطاع غزّة، نظرا إلى الوقائع الجديدة، لن يكون مفاجئا إذا أعقب ذلك مزيد من الانفجارات القويّة وفق بني موريس.

في كلّ الأحوال يبدو أنّ المعركة الانتخابيّة التي أعقبت حربا وحشيّة شرسة ضدّ قطاع غزّة؛ هي التّعبير الأعمق عن أزمة مستقبل إسرائيل ومشروعها الكولونيالي، ومأزق هويّة لم ولن تكتمل طالما أنّ التّجميع الصهيوني الاستيطاني لمواطني البلدان العربيّة والغربيّة من اليهود؛ سيبقى ينذر بفتح صراع هويّات قوميّة مختلفة، يخطّ الواقع العنصري الأكثر شبها بجنوب إفريقيا العنصريّة، وتمييزه حتّى بين يهود تلك البلدان داخل ما يفترض أنّها "دولتهم"، طريقا واسعة لخلق تناقضات؛ قد تستفحل، إلى الحدّ الّذي لا يعود فيه ممكنا السّيطرة على تداعياتها، وعلى حد تعبير إبراهام بورغ الرّئيس الأسبق للكنيست، فإنّه لا يمكن استمرار دولة تفتقر للعدالة، لقد بدأ الكثير من الإسرائيليين في استيعاب ذلك، وهم يسألون أبناءهم أين تتوقّعون الحياة بعد خمسة وعشرين عاما؟" وهل لهذا السّبب أو الأسباب المعقّدة لتنامي الفاشيّة ما قاد ويقود إسرائيل اليوم للارتماء في أحضان اليمين القومي والدّيني المتطرّف؟ في محاولة "ديمقراطيّة" عبر صناديق الانتخاب للحفاظ على الطابع العنصري لإسرائيل التمييز العنصري، والهويّة المصطبغة بالتعارضات القابلة للتحوّل إلى تناقضات مختلفة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس تعليقاً
المنسي القانع ( 2009 / 2 / 28 - 23:04 )
السيد ماجد
عبرت بنظري على المقال بسرعة عندما عرفت أنه يتكلم عن التركيبة الحاكمة في إسرائيل , ولكوني أعلم جيداً بأننا كعرب لم ولا ولن نرقى للمستوى الذي يجعلنا أهل لمناقشة مثل هذا الموضوع , حيث اننا نحاول بعنترية غبية أن نظهر لأنفسنا بأن إسرائيل تتخبط ولا تعرف كيف تسير سياستها وإنها وبسبب هذا التخبط مصيرها الى زوال ! وفي ذات الوقت نحلل ونتكتب وبنفس العنترية وإدعاء الفهم بأن إسرائيل ÷ي التي تسير أمريكا والغرب كله بل العالم برمته . ولا أريد الاطالة إنما أكتفي بسؤال صغير هو : ألا يعني هذا التناقض شيئاً , وعلى ماذا يدل؟؟؟؟؟؟؟؟
وإذا كان استنكارك للإحتلال والإستيطان بإسم الدين فماذا تسمي الفتوحات (! ) الإسلامية؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وإذا كان (ثانية) إستنكارك لقيام أحزاب قومية عندهم فعندنا منها عشرات نتافخر بها, أوأحزاب دينية فعندنا العديد منها وبمختلف العناوين , أما إذا كنت تستنكر وجود أحزاب إرهابية لديهم مثل مائير كاهانا فنحن نتفوق عليهم ببن لادن والزرقاوي والجهاد وحماس ودعاة للإرهاب من اشكال القوارض والزغاليل وغيرهم كثير . وبالمناسبة أنا أشد إستنكاراً ورفضاً لكل هذه التخريبات ( لاأجرؤ على تسميتها تنظيمات كما يجرؤ البعض) .
ولو نظر الناس إلى عيبهم ------ ما عاب إنسان على الناسِ
تحيات


2 - المنسي القانع
المعلم الثاني ( 2009 / 3 / 1 - 11:24 )
ردك البليغ عبر عن كل ما جال بخاطري عند قراءة هذا المقال ....شكرا


3 - لا بد للإرهاب من أن يدمر نفسه
مُعترِض ( 2009 / 3 / 1 - 19:35 )
مقال جيد جدا ومفيد، يحوي دراسة تاريخية لتطور الحكم في إسرائيل معروض بطريقة بحثية علمية محترمة، لمن يريد أن يفهم. أما من يسير وراء المنتصر ، فلا يري في نفسه الثقة الكافية ليكون له رأي شخصي متحضر فلن يستطيع أن يفهم أو يتعامل مع هذا المقال. الإرهاب في ذاته عمل مدمر بغض النظر عمن يقوم به سواء كان عربيا متأسلما أو صهيونيا أو أمريكيا أو نازيا هتلريا أوتتاريا أو مغوليا.

الإرهاب يُحدِث أضرارا بالغة بالمجتمع الإنساني، لكن من المؤكد أنه ينتهي بتخريب نفسه مهما بلغ من القوة والعتو، فهو عمل ضد الوجود لحساب الفناء والخراب، بينما الوجود قد كان ليستمر لا ليفنى. وكل من حاول أن يلعب لعبة الإرهاب والعنصرية انتهى بالخراب والضياع مهما طال به الزمان. هتلر كان يملك أقوى قوة في العالم وفي التاريخ حتى زمانه، وكان قادرا بقواته على غزو العالم وتدميره ولم تكن هناك قوة على الأرض تستطيع أن تقف أما بطشه وجرائمه. هتلر ضاع وضيع معه العالم بعد أن قتل ما يقرب من ستين مليونا. لكنه في النهاية قضى على نسه وعلى نازيته لأنه كان إرهابيا، وكل عمل إرهابي لا يحترم وجود الإنسان هو عمل ضد التحضر وضد التاريخ ومآله حتما لزوال.

لماذا سقطت الشيوعية في روسيا بدون سبب واضح بعد سبعين عاما؟ وبعد أن ثبتت أقدامها بكل قوة ع

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل