الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//5- ظهور اقطاع الزوايا .

بلكميمي محمد

2009 / 2 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ان الحرب الاهلية التي دارت في سهول المغرب ، بين الاقطاع المريني – الوطاسي الناشئ وبين الفلاحين والرعاة الاحرار ، والتي انتهت بانهزام هؤلاء ، قد احدثت تحولا عميقا في البنية الاجتماعية المغربية ، ولقد كانت ابرز مظاهر ذلك التحول ، هي ، من جهة ، انقسام المجتمع في السهول الى طبقتين اجتماعيتين : واحدة اقطاعية تتكون من الاسر البربرية – الوطاسية الحاكمة ومن اسر زعماء الحرب العرب ، والاخرى من الفلاحين المنهزمين الخاضعين للاقطاع . ومن جهة اخرى ، انسحاب الجزء الاخر من الفلاحين والرعاة البربر والعرب ، الفارين الى السهول الساحلية الجنوبية وجبال الاطلس والريف .
ان ظاهرة الزوايا التي برزت بالضبط في هذه المرحلة التاريخية الكبرى ، انما تعبر في العمق عن انقسام المجتمع المغربي الى طبقات ، وتمثل بالتالي رد فعل ايديولوجي للفلاحين والرعاة الاحرار الذين انتزعت منهم اراضيهم بالعنف ، والمضطرين الى التراجع الى المناطق الطرقية في الجبال وتخوم الصحراء . فليس صدفة اذن ، ان تكون جميع الزوايا التاريخية ، التي سيكون لها دور اساسي بالغ الاهمية ، قد تاسست بالتحديد في تلك المناطق الطرقية، فالزاوية السملالية انطلقت من سوس وتافلالت ، وكانت عاصمتها ايليغ . والزاوية الدلالية انطلقت من الاطلس المتوسط ، وكانت عاصمتها خنيفرة ، والزاوية الوزانية تاسست في الريف حول ضريح زعيمها الروحي عبد السلام بن مشيش .
ان الزاوية في واقعها التاسيسي ، هي عبارة عن اندماج بين نخبة دينية شريفة ( واذن بالضرورة عربية ، على الاقل من الناحية النظرية ، بسبب انتمائها الى بيت الرسول وبين قاعدة جماهيرية بربرية في غالبيتها ) .
ان مفهوم الشريف ليس نسبا عائليا فقط ، بل هو اساسا علاقة اجتماعية من طبيعة مزدوجة : فهو من جهة يطرح نفسه كموقع اجتماعي مقابل اجتماعي اخر .. موقع العربي المتحالف مع جماهير البربر الكادحة ، مقابل العربي الاخر المتحالف مع الطبقة الاقطاعية البربرية ، ان الشريف بالتالي في الاصل هو : الارستقراطي العربي ، الذي لامكان له داخل طبقة الاقطاع البربرية – العربية .
ومن جهة اخرى ، ان مفهوم الشريف هو علاقة اجتماعية بين النخبة الارستقراطية ، وبين الجماهير التي لاتملك ، ولا يمكن لها ان تملك ، امتيازات النسب الارستقراطية . لذلك فان الزاوية ، رغم انها ، تاريخيا ، قامت اصلا كتعبير ايديولوجي عن تطلعات الفلاحين والرعاة الى التحرر من قبضة الاقطاع الصاعد ، الا انها حملت معها ، منذ نشاتها ، تناقضا بنيويا لايمكن الا ان يتطور ويتعمق مع الزمن ، ان اساس هذا التناقض هو انقسام الزاوية والتابعين لها ، الى شرفاء وغير شرفاء .
فالامتياز الذي كان في البداية مجرد امتياز يتعلق بالنسب . سيصبح مع التطور امتيازا ماديا قويا . والشرفاء الذين ظهروا اصلا كاعداء لذوذين للاقطاع . سيتحولون هم انفسهم الى اقطاعيين جدد . والزاوية التي تاسست في البدء كاداة لتحرير الفلاحين ، ستصبح اداة استغلالهم .
ان جميع الزوايا التاريخية الكبرى ، قد خضعت في تطورها لهذه الصيرورة المكونة من ثلاث مراحل :
المرحلة الاولى : مرحلة التاسيس ، وتتميز اساسا باهتمام الصالح ( شيخ الزاوية ) بادئ الامر بنسخ روابط الولاء والتبعية . لذلك فهو ملتزم موقف الحياد تجاه الجماعات القبلية المتنازعة ، لاستقطاب اكبر قدر ممكن من التاييد ، في هذه المرحلة تنحصر مهمة الزاوية في القيام ببعض الخدمات الاجتماعية مثل : نشر التعليم ، ايواء ابناء السبيل واطعام الطعام .. كما ان وظيفة الشيخ تتحدد في (المعجزات) التي يظهرها لمعالجة بعض الظواهر الاجتماعية والطبيعية ، بذلك يتم جمع تبرعات متواضعة في شكل هدايا وفتوحات تمنح للزاوية .
المرحلة الثانية : يترسخ فيها الموقع الاجتماعي ، المادي للزاوية . فمداخيل الزاوية التي كانت محدودة وظرفية ، وكانت عبارة عن هدايا وفتوحات طوعية فانها تتوسع وتتعاظم وتصبح اكثر تاسيسا وانتظاما بعد تطور نفوذها وتزايد الاعتراف بكرامات الشيخ هكذا يتم فرض انتزاع الزكوات بانتظام ، ويصبح اعشار جميع انواع الغلات مسالة قارة ، كما ان المقدمين التابعين للزاوية ، المكلفين بجمع الزيارات ، يصبحون ، من حيث طريقة طوفانهم على القبائل يشبهون ولاة الاقاليم في جمعهم للجبايات . اضافة الى ذلك ، فان المداخيل في شكل ضرائب ، التي تجنيها الزاوية من انعقاد الاسواق والمواسم الدورية في المناطق التي توجد تحت حرمتها .
ان النتيجة المترتبة عن ذلك ، هي اذن تراكم الثروة لدى الزاوية ، وتراكم الثروة يدفع بدوره الى البحث عن مصادر جديدة للثروة . هكذا تتوصل الزاوية بشتى الاساليب والوسائل الى الاستيلاء على الاراضي والمنابع المائية ، كالعيون والسواقي والخطارات . وبتمركز الاراضي في قطب ، وتحول الفلاحين الى خاضعين ، لايملكون حق التصرف في فائض انتاجهم او فائض عملهم في القطب المقابل ، يحصل بذلك انقسام اجتماعي الى طبقة اقطاعية بزعامة الزوايا والى طبقة الفلاحين الخاضعين الى الاستغلال ، من طرف ذلك الاقطاع .
المرحلة الثالثة : ان تحول الزاوية الى طبقة اقطاعية ، بعد تمكنها من بناء قاعدة اقتصادية صلبة ، يولد لديها بالضرورة الحاجة الى التوسع الاقتصادي خارج نطاق منطقتها الاصلية ، وهي كلما تقدمت في التوسع واخضاع مناطق جديدة لنفوذها ، كلما تعزز ، بالتالي ، لديها نزوع التحول الى اقطاع محلي ، اقليمي ، الى اقطاع مركزي . وذلك عن طريق تاسيس دولة اقطاعية مركزية ، ان تجربتي السعديين والعلويين الناجحتين ، وتجارب الزوايا الاخرى ، وخاصة منها السملالية والدلالية الفاشلة ، ليست شيئا اخر سوى التعبير السياسي ، الاقتصادي عن حركة الانتقال من لحظة الزاوية الى لحظة الدولة .. من لحظة الاقطاع المحلي الى لحظة الاقطاع المركزي .
فبالنسبة للسعديين استطاعوا اسقاط دولة الوطاسيين وتاسيس دولة جديدة بفضل وجودهم على راس تحالف بين زاويتين جزولتين انطلقتا من منطقة سوس وواحات درعة ، حتى تمكنتا من الاستيلاء على سلطة الدولة .
وبالنسبة للعلويين : قد انطلقوا من تافلالت ، الا انهم اصطدموا منذ البداية مع الزاوية السملالية المجاورة ، التي كانت تسيطر على سوس ، ولان المنطقة لا تتسع لقوتين اقطاعيتين متنافستين . فبالتالي كان لابد ان ينفجر الصراع بينهما ، حيث سينتهي بانهزام العلويين وانسحابهم مؤقتا الى الصحراء ، قبل ان يتوجهوا الى الشرق للاستناد على زاوية تازة .
وبالنسبة للزاوية السملالية ، فبعد ان تمكنت من بناء قاعدتها الاقطاعية في سهول سوس ، وواحات درعة ، اخذت تتجه في اتجاه سهول عبدة ودكالة بالحوز ، ثم انها بعد ان تحكمت في تجارة الصحراء ، ستجد نفسها في تناقض مباشر مع البرتغاليين الذين كانوا يحتلون بعض الثغور الساحلية الاطلسية ، مما جعلها تخوض ضدهم حربا مكنتها من تحرير ميناء اكادير وميناء ازمور .
وبالنسبة للزاوية الدلائية . فبعد ان تاسست قاعدتها الاقطاعية في جبال الاطلس المتوسط . نزلت من هناك للتوسع في سهول تادلة ، ثم لتتقدم بعد ذلك نحو سهول الغرب ، فمناطق فاس ومكناس ، ثم احتلالها لمدينة سلا ، وسيطرتها على ارباح التجارة والقرصنة لذلك الميناء النشيط في ذلك الوقت .
هكذا اذن ، بعد انفجار ازمة الاقطاع المركزي لدولة السعديين ستبرز في الساحة السياسية ثلاث قوى متنافسة ، تنتمي للاقطاع المحلي : هي الزاوية الدلائية والزاوية السملالية ، والعلويين ، حيث سينشب بينها صراع مرير من اجل الاستيلاء على دولة السعديين المنهارة .
ان هذا الصراع سينتهي بانتصار العلويين بزعامة المولى رشيد ، مما سيمكنهم بعد ذلك من سحق وتدمير الزاويتين الاخيرتين اللتين كانتا تنافسهما على السلطة المركزية .
ان مانريد التاكيد عليه مما سبق ، هو الصراعات التي عرفها المغرب منذ القرن السابع عشر ، لم تكن صراعات بين بلاد المخزن وبلاد السيبة سببها رفض اداء الضرائب ، بل كانت اساسا عبارة عن صراع طبقي بين اقطاع مركزي تمثله دولة المخزن واقطاع محلي اقليمي تمثله الزاويا . وكلما اخذ الاقطاع المركزي يضعف ويتقهقر / كلما اخذ بالتالي الاقطاع المحلي يتوسع على حسابه ، الى ان تتمكن زاوية قوية من الانقضاض عليه وهزمه ، وبالتالي تحول الاقطاع المحلي بدوره الى اقطاع مركزي وتحولت الزاوية الى مخزن .

في الحلقة المقبلة ، ظهور اقطاع القرنين التاسع عشر والعشرين .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة