الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأكثرية الصامتة في الانتخابات.. بدء مرحلة جديدة

سمير عادل

2009 / 3 / 1
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لابد لأي امرؤ يمتلك ذرة من الضمير والامانة ان يعترف بأن النظام الديمقراطي المزعوم هو اكثر الأنظمة السياسية زيفا ونفاقا وفسادا. فليس مهم عدد المقترعين او عدد المشاركين في الانتخابات، لكن المهم هناك نفر يذهب الى صناديق الاقتراع ليعلن بعدها نجاح الانتخابات.
تصريحات المالكي ونفاق ممثل الامم المتحدة في العراق ودعايات الاعلام المأجور، تأكد شيئا واحدا بأن انتخابات مجالس المحافظة هي نقطة حاسمة ومنعطف كبير بالنسبة للمجتمع العراقي. والادارة الامريكية تشيد بالانتخابات و(الديمقراطية) التي سوقتها اذا لم نقل فرضتها على جماهير العراق. وابعد من ذلك يصرح المالكي بان العراقيين لم يختاروا في هذه الانتخابات، القائمة الطائفية، او بعبارة اخرى تخلصوا من العبء الطائفي. اما المتوهمون من الليبراليين والعلمانيين وبعض اطياف اليسار استنتجوا من ان هذه الانتخابات قوضت مكانة الإسلام السياسي، ولم يقولوا لنا في السلطة او في المجتمع! وفي الحقيقة وبالرغم من انها مرة فان كل تلك الاستنتاجات والدعايات ليس الا خليط يمتزج فيه ضرب من الاوهام والنفاق السياسي وذر الرماد في العيون وتشويه الحقائق!
اولا: ان قائمة المالكي التي سميت بدولة القانون هي قائمة طائفية لا تختلف عن قائمة الائتلاف الشيعي التي عرفت بالائتلاف العراقي الموحد. وان قائمة المالكي استثني منها جماعة الصدر والمجلس الأعلى كان تكتيكاً سياسيا نأى المالكي بنفسه عن الجماعتين التي عرفا عنهما في المجتمع بالتطهير الطائفي. ويضاف الى كل ذلك، بأن قائمة المالكي لم تفوز في المناطق التي عرفت او صنفت بالسنية. وهذا يعني ان ما يدعيه المالكي بأن المقترعين اختاروا (الهوية الوطنية) ليس الا هراء ولن يعدو اكثر من دعاية سياسية لقائمته الطائفية وطمس ماهية الانتخابات ونتائجها التي لم تختلف عن سابقاتها.

ثانيا: ما يحاول ان يسوقه المتوهمين من ثلة من المثقفين الليبراليين، بأن جماعة الاسلام السياسي تقوض مكانته من خلال نتائج الانتخابات، هذا التصور يشبه تصرف النعامة في دفن رأسها بالوحل عندما يداهمها خطر ما. فمن ينظر الى نتائج الانتخابات فيدرك دون اي عناء بأن قائمة الاسلام السياسي الشيعي اعادت انتاج نفسها وقوت من قبضتها على السلطة. فقائمة المالكي المعروف بقائمة حزب الدعوة وقائمة المجلس الاعلى والصدريين هم الذين سجلوا المراكز الاولى في اغلبية المحافظات كما كان الحال في الانتخابات الفائتة. وان خسارة المجلس الاعلى لبعض نفوذه في الانتخابات لم تكن امام التيار اليساري والعلماني او القوى القومية بل كان أمام منافسه وهو قائمة حزب الدعوة.

ثالثا: في هذه الانتخابات وبعكس ما يحاول ان يصوره اولئك الذين قالوا ان المجتمع العراقي يمقت اليوم الإسلاميين بسبب جرائمهم وفسادهم الإداري، فأتوماتيكيا سيعتلي التيار العلماني السلطة ويفوز في الانتخابات، فأن اكثر الشخصيات التي عرف بنفسه وقائمته على انها علمانية هو اياد علاوي والقائمة العراقية، نقشت على احدى بوستراته الدعائية صورة لاياد علاوي وهو يقبل القرآن، وبعد ذلك ذهب لزيارة السيستاني ليحصل على مباركته وهي رسالة واضحة الى الذين سينتخبونه او الذين سيعقد التحالفات معه. اي كان يدرك جيدا ان من يشترك في هذه الانتخابات ليس الجماهير او القاعدة العلمانية التي ضجرت ممارسات الجماعات الاسلامية والتي سأتحدث عنها في النقطة اللاحقة. والجدير بالذكر ان قائمة علاوي حصلت على المركز الثاني في المناطق التي فيها نفوذ للقوميين وللبعثيين. اما المناطق التي كان قد راهن عليها بوطنيته وغير طائفيته، فسجلت لصالح قوائم الإسلام السياسي الشيعي والسني.

رابعا: لقد طبل كثيرا حول نزاهة الانتخابات وشفافيتها التي لم تكن لا شفافة ولا نزيهة الى ابعد الحدود. وبلغت عمليات التزوير الى اقصى مدياتها بدء من فقدان صناديق الاقتراع بعد الانتخابات وعدم وجود الآلاف من الأسماء الذين لهم حق الاقتراع وتمرير صناديق فارغة وملئها بالأوراق الانتخابية وتهريب صناديق اخرى وتغيير نتائج انتخابات المراكز الانتخابية… الخ من البلاوي التي حصلت في الانتخابات، ومع هذا لن تغير نتائج الانتخابات وكيفية إجراءاتها القراءة السياسية لنا. فالأموال التي بذخها الاطراف التي تشارك في السلطة على الدعاية الانتخابية وشراء الاصوات بشكل فاضح لم يسبق لها مثيل في العالم، كان لها ان تصرف على الخدمات الاجتماعية والمستشفيات وتصليح مياه الصرف وتنظيف المدن من النفايات...اي بعبارة اخرى كان لها ان تنفق على مجتمع يأن كل زواياه من مرض وألم وفقر وجوع وخراب.

وكي لا تنطلي علينا النسب التي اعلنتها المفوضية العليا غير المستقلة بأن عدد الذين شاركوا في الانتخابات 51% بما فيها عمليات التزوير، لنأخذ بغداد كمعيار لتقييم الانتخابات على مستوى العراق. فبغداد تعتبر النموذج الامثل لتقييم تلك الانتخابات، حيث ما زال هناك العديد من المناطق تحت سيطرة ونفوذ مليشيات طائفية وكذلك وجود مناطق يسكنها اطياف متنوعة وقوميات متنوعة واناس من مختلف العقائد. اي يمكن ان نأخذ مدينة بغداد كصورة للعراق المصغر. فحسب النسبة التي اعلنتها المفوضية فأن عدد المقترعين في بغداد لم يبلغوا اكثر من 40%. واذا طرحنا 5% وليس اكثر من ذلك الرقم ( وهي نسبة عمليات التزوير) حتى لا نظلم المفوضية العليا ولا نسقط نحن في كمين المبالغة يصبح لدينا النسبة 35% من الذين شاركوا في الانتخابات التي هلل لها جوقة الحكومة. اي ان 65% من الذين يمتلكون حق الاقتراع لم يذهبوا الى صناديق الاقتراع. بعبارة اخرى ان الاغلبية الكبيرة قاطعت الانتخابات. بيد ان الاضواء سلطت على 35% من الذين شاركوا في مهزلة الانتخابات. وهذا ما قلنا في بداية مقالنا، فأنه ليس مهم النسبة التي اشتركت في الانتخابات، لكن المهم ان صناديق الاقتراع لم تعد فارغة الى أدراجها وهو سر نجاح النظام الديمقراطي في (العراق الجديد).

خامسا: ان 65% من الذين لم يذهبوا الى صناديق الاقتراع هم النسبة الحقيقية التي تقول كلمة الفصل. وفي الحقيقة ان النسبة المذكورة التي شاركت في مهزلة الانتخابات هي نفسها التي شاركت في جميع الانتخابات التي نظمت مهزلتها خلال السنوات المنصرمة في (العراق الجديد). ولكن لنعترف اولا ان الاعلام لعب دوره في تزييف حقيقة الصورة التي حجبت في تلك الانتخابات. وعلاوة على ذلك ان المسألة لن تنحصر عند هذه الحدود بل تعميم صورة اليأس وترسيخ حالة الاحباط في عدم تغيير الاوضاع. وهذا هو المهم في التقييم الاخير بالنسبة لبرامج الاحتلال والمجموعات الطائفية والعرقية التي تريد ان تمسك بزمام السلطة بشكل ابدي. وايضا تعميم تصور في المجتمع بأن الاغلبية هي من تريد القوى الاسلامية ( الاغلبية: تعني من شارك في الانتخابات وليس من لم يذهب) وعليه ان التيار العلماني لا حول له ولا قوة. وعليه اما ان يسكت ويقبل الواقع او ينصاع الى القوى الاسلامية ويشارك في مهزلة الانتخابات ويعطيهم الشرعية ليقبل بفوزهم اخيرا.

ولا بد لنا كقوى تحررية وثورية في المجتمع ان نقلب هذا التصور. فهذه ليست كل الحقيقة، وليست هذه كل الصورة. ان من يريد ان يغير الواقع فعليه ان يعول على 65% من الذين قاطعوا الانتخابات وهم القاعدة العلمانية والمحتجة ضد الاوضاع القائمة والتي قالت كلمة الفصل حين قاطعت الانتخابات. وان هذه الاكثرية التي لم تسلط الاضواء عليها بشكل مقصود لم تجد من يَفَعّل دورها. ان الانتخابات التي جرت كشفت مسألة واحدة وهي ان الصراع بين التيار الاسلامي وبين التيار الذي يريد ان يطوي صفحة كل من تسبب بالقتل والدم ووسع من رقعة البؤس في العراق، قد اصبح اكثر شفافية وستشتد رحى هذا الصراع في المرحلة القادمة*. الى جانب ان الصورة اصبحت اكثر وضوحا الآن وبدء عملية الفرز الحقيقية التي كانت مشوشة وغير واضحة طوال الفترة المنصرمة.
 
 
*وهذا بحد ذاته يكشف سعي جماعة الصدر في تأسيس مجموعة سميت بالممهدين وتتصدر أولوياتها محاربة العلمانيين من خلال فتح الدورات التعليمية والتدريسية في الفقه والتاريخ والدين..لمن يتم الاختيار عليهم وتضمهم في صفوفها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟