الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة أولية في توصيات مؤتمر المصالحة في أربيل

عزيز الحاج

2004 / 3 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إن انعقاد مؤتمر للمصالحة الوطنية هو بحد ذاته أمر وحدث إيجابيان.غير أنه يبدو لي، وبرأيي المتواضع، أن مؤتمر أربيل انطلق من مفهوم خاطئ للمصالحة الوطنية وكأنها لا تعني غير المصالحة مع البعثيين وكيفما كان!

صحيح أن بين توصيات المؤتمر عددا من التوصيات الهامة ضد الطائفية، وعمليات الثأر، وضد المحسوبية في الوظائف، وطلب إعادة النظر في الوزارات، والعناية بالأهوار، وغيرها من توصيات حكيمة وبناءة وهي تسهم دون شك في العمل ضد موجة الأفكار والممارسات الطائفية والظلامية التي راحت تنتشر حتى في الجامعات بفعل الإسلاميين المتعصبين مذهبيا [ بعض الكليات في بغداد تتحول إلى حسينيات، ولبس الملابس السود مفروض حتى على المسيحيات!!!].

غير أن ما استوقفتني بوجه خاص توصيتان أعتبرهما خطرا على أمن العراقيين ومسيرتهم نحو الديمقراطية، وأعني طلب إلغاء قرار اجتثاث البعث، والمطالبة بإطلاق "جميع المعتقلين والمعتقلات من السجون."

إن القرار الخاص باجتثاث البعث كان محددا وواضحا في المقصودين منه، وهم كوادر حزب البعث، والمتهمين منهم بالجرائم ضد المواطنين، وقلع أفكار البعث العنصرية والعدوانية. وقد بين مجلس الحكم مرارا وكذلك اللجنة المختصة أن القرار لا يعني محاربة كل بعثي ولا منع الجميع من التوظيف بدليل أن معظم المناصب الدبلوماسية لا يزال البعثيون شاغليها. كما أدان المسؤولون كل عملية ثأر وكل انتهاك للقانون. فالمتهم تجب محاكمته قانونيا لتثبت براءته أو ارتكابه للفعل الإجرامي. وفي التصريحات الأخيرة للمدير العام للهيئة الوطنية المختصة أوضع أنهم كانوا قد شخصوا حوالي 60 ألف من البعثيين المتقدمين حزبيا، وعزلوا حوالي النصف، وأن المجال في الوقت نفسه مفتوح لمعظمهم .كما أكد أن دعوة المصالحة مع البعثيين "سذاجة سياسية يرفضها الشارع العراقي."[ عن إيلاف عدد 26 مارس الجاري]

لقد جرى التأكيد مئات المرات أن الآلاف من البعثيين كانوا مضطرين للانتماء الحزبي تحت الضغوط وبحثا عن مجال التوظف ودخول الكليات، أو إيمانا بفكر تبين بطلانه وخطره من ممارسات صدام ونظامه. ولا يمكن اعتبار مئات الآلاف ممن سجلوا في ذلك الحزب مجرمين ويجب حرمانهم من حقوقهم المدنية والعيش الكريم. وقد كانت عمليات القتل المجاني في الشوارع والبيوت لبعثيين سابقين في البصرة ومناطق أخرى على أيدي المتطرفين الطائفيين جرائم شنعاء وعدوانا على سيادة القانون وحقوق الإنسان. غير أن على البعثي غير الصدامي الإقرار بما ألحقه حزبه وقيادته من كوارث لمجموع الشعب ، وأن يبرهن على استيعابه لتلك التجربة الديكتاتورية العنصرية والطائفية والدموية.

إن التوصية المذكورة لمؤتمر أربيل، والتوصية الداعية لإطلاق سراح كل المعتقلين والمعتقلات لدى قوات التحالف، لا تتناسبان مع خطر الإرهاب وعمليات التدمير والتفجير المستمرة، ومع واقع تعاون الصداميين وتنسيقهم المسلح والدموي مع مجرمي القاعدة وأنصار الإسلام للمضي في نشر الموت والفوضى الأمنية. لقد كان الواجب هو طلب الإسراع بمحاكمة صدام وشركائه المعتقلين معه، وكذلك محاكمة البقية أيضا. وبدون محاكمات عاجلة وقانونية، فإن إطلاق السراح المجاني للمئات من المتهمين بالقتل وعمليات التفجير ومساعدة الإرهابيين سيكون على حساب أمن المواطنين واعتداء على عائلات الضحايا، وغفرانا أفلاطونيا لمن اعتقلوا بتهمة نسف المنشات الكهربائية وأنابيب النفط والماء، والعدوان المسلح على مقرات بعثة الأمم المتحدة والصليب الأحمر وقوات التحالف الصديقة، وعلى مقرات الأحزاب الوطنية ومنها جرائم أربيل نفسها في العيد، وقتل الشخصيات الدينية والسياسية وموظفي الخدمات وغيرهم من المواطنين. كما كان من الضروري المطالبة بإلغاء قرار إلغاء عقوبة الإعدام. فهل اعتقلت قوات التحالف المئات بعد عمليات التفجير عن عبث أو استهتار بحقوق الإنسان أم كان لكل اعتقال ظروفه ومبرراته؟. ولربما كان بين المعتقلين أبرياء مما يستوجب المحاكمات العادلة والسريعة. والحقيقة أن خطأ قوات التحالف هو في الاعتقال ثم في إطلاق السراح مجانا وقبل أية محاكمة عراقية.

وإضافة لكل هذا، فإن من الغريب عدم الإشارة لما تعانيه المرأة من عدوان عليها حتى في الكليات والجامعات، وفرض الحجاب قسرا حتى على المسيحيات والأجنبيات كما يجري في البصرة مثلا، حيث طغيان الأحزاب والجماعات الدينية، وحيث نجد من بين الشرطة الجديدة نفسها من يطلبون من الأجنبيات لبس الحجاب كما أكدت التقارير الأخيرة. ولا أدري هل توقف المؤتمر عند المنشورات الدينية المتطرفة التي توزع في جامعات بغداد واللافتات التي تعتبر السفور "فجورا"، وهل عالج ظاهرة اضطهاد المسيحيين وقتل عدد منهم، ومنع المطاعم في بعض مناطق الجنوب من بث الأغاني وتدمير محلات بيع الخمور، أم أن المؤتمر يتجاوز كل هذه الانتهاكات باسم المصالحة والتوفيقية؟

إن الصمت المطبق لمجلس الحكم وتوصيات المؤتمر عن انتهاكات كهذه ليس مصالحة وطنية ولا تسامحا إنسانيا، فالتسامح مع أعداء التسامح خطأ كبير.

ولي عودة للموضوع بعد الاطلاع على تفاصيل أوفى عن مناقشات المؤتمر وتفاصيل توصياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستارمر يتولى رئاسة وزراء بريطاينا بعد 14 عاما من حكم المحافظ


.. اشتعال النيران في منزل بكريات شمونة شمال إسرائيل إثر سقوط صو




.. ما دلالات تقدم المرشح الإصلاحي بزشكيان على منافسه المحافظ جل


.. هل يرغب نتيناهو بالتوصل لاتفاق بشأن وقف الحرب على غزة؟




.. ما الضغوط التي تمارسها أمريكا لدفع إسرائيل لقبول الصفقة؟