الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسطورة.. العقل المقصي و النسق المنسي

نورالدين علاك الاسفي

2009 / 3 / 2
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



انتهى قلم الأستاذ محمد الساسي إلى أن يشملنا في موضوع ينشغل بتساؤل حارق لا قبل لنا لتجاوزه.. عما إذا كنا اليوم كمجتمع مغربي، ورغم وجودنا في القرن الواحد والعشرين، وارتفاع معدلات التمدرس وإيقاعات التحديث التقني، نحمل حاجة إلى إنتاج الأساطير..حيث رأى أسس اندلاقها على ثلاث معتقدات:
-الأساس الأول: الاعتقاد بوجود أشخاص استثنائيين بيننا قادرين على صنع المعجزات، بطرق لا يدركها العقل.
-الأساس الثاني: انتظار حصول المعجزات، باقتناع أنها ستحل أعقد المشاكل فتغير وضعاً وتقوم عوجا و تعالج عطلاً.
-الأساس الثالث: الاستناد في التسليم باستثنائية الأشخاص وتحقق المعجزات إلى مستند ديني وتفسير مغترف من ثقافتنا الإسلامية.
وتساؤل بسيط ينطرح بقليل من إعمال الفكر.. هل هذه الأسس كافية وحدها لتتآلف مجتمعة لتثمر زخما أسطوريا يقلب الطاولة على المتلقي لينتهي به المقام إلى حد معاداة العلم والعقل والمنطق..؟
كثيرة هي الاجتهادات التي قاربت مفهوم الأسطورة ..كيف تصنع..؟ من هم صانعوها.؟ وسائلهم في تكريسها .؟غاياتهم في تفريخها..؟؟
قد نستطيع الوقوف عند كل الدراسات التي عنيت بالعلاقة بين الأسطورة والأبعاد السياسية والاجتماعية قديماً وحديثاً بداية من أرسطو حتى الآن.. بل لا نجد حرجا.. فنقول بداية من الحضارات القديمة إلى الآن، ولكن ما نطمئن إليه هو أن هناك علاقة بين الأسطورة والعلم وبينها وبين السياسة والتاريخ.
ففي كتاب الأسطورة والسياسة لمؤلفيه تركي علي الربيعو و فاضل الربيعي؛ حيث ابرزا استناداً إلى مقولة لشتراوس : لاشيء يشبه الفكر الأسطوري أكثر من الإيديولوجية السياسية.. حيث حلت هذه الأخيرة محل الأولى ضمن مجتمعاتنا المعاصرة.‏ كما أفاد منها سياسيون عديدون قديماً وحديثاً في تلفيق التاريخ والأحداث والوقائع السياسية والتاريخية، وضحية التلفيق هذا في كل حقبة زمنية البسطاء والمهمشون والمسطحون فكرياً.
وهذا الزخم الذي يطلع علينا مالئا الأجواء في مجتمعاتنا سوى جديد الأساطير الحديثة التي ترعاها وسائل الإعلام و تجد في إنتاجها فتمتزج فيها قدرة الفاعل على الخداع مع قدرة النصوص على إغراء المتلقي و خداعه.. مزودة بتقنيات سردية تتضمن كل ما يلزم من التلاعب بالمتلقي وتشكيل وعيه للعالم والأحداث وذلك ما يدلل عليه تصوير العراق- الآن إيران- طوال سنوات عدة وعبر وسائل إعلام أميركية وأوروبية فرضت سيطرتها على الخيال الغربي بصورة مطلقة في هيئة قوة شريرة تستعد لمهاجمة معقل الحضارة الغربية.
لقد صنع الغرب أساطيره عن الشرق وجعلها إيديولوجيا تقوده.. ودفع بها إلى الأمام إلى أن تحولت إلى دم ونار واحتلال. وما زالت ماكينة إسرائيل محصنة في شرانق أسطورية تعلمها في المدارس.. كل من حاول المس بها اتهمته بمعاداة السامية و لنا في كتاب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية للمفكر الفرنسي روجي غارودي المثال الصارخ.
و مجتمعاتنا العربية أليست هي مثل السواد الأعظم من الشعوب، تخترق كياناتها العديد من أنساق الاعتقاد: فهناك مجموعة متنافرة من الممارسات الطقوسية السابقة على التوحيد، واديان سماوية واحترام للعلم الحديث..التنافر، بل و التناقض حاصل.ومع ذلك فإن هذه المعتقدات المتعدِّدة تحتاج إلى كثير الجهد كي ينفي بعضها بعضا.
إن الأساطير والمعتقدات تُنتعش باستمرار في علاقة نسق بآخر، تتحول و تتآكل، ثم تولد من جديد.. .بحبل سري واصل مع أحوال و مضامين اللاوعي الجمعي التي هي نفسها في كل مكان و عند كل إنسان.
إن نسق الأساطير والمعتقدات قائم على التلفيقية.. احترام المتواجدة منها والتعايش معه قبل التحالف أو التنافس. و ذاك هو منطق سياسة الغايات التي تبررها الوسائل. فالسياسة في نظر ميشيل فوكو عند المبتدأ و الخبر القدرة على تحديد سلوك الآخرين و التحكم به.
و مقام الحال في مجتمعنا آنا لا يستثنينا ..من هذه القرية الصغيرة. فمن سؤال الأساطير المؤسسة إلى شخصنة الأساطير والمؤسسات.. تجدد لعبة الأمم حياكة خيوطها.
----------------
- محمد الساسي: المغاربة اليوم والحاجة إلى الأسطورة. المساء-العدد 752 الجمعة 20 فبراير 2009
- بول باسكون:الأساطير والمعتقدات بالمغرب.
- ميشيل فوكو: المفرد و الجمع. نحو نقد العقل السياسي.
-Foreign Policy. The Israel myth -May-Jun-2008.Gershom Goreberg. Israel.
كارل غوستاف يونغ: النماذج الأصلية و اللاوعي الجمعي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم


.. الحرب في أوكرانيا.. خطة زيلينسكي للسلام




.. مراسل الجزيرة مؤمن الشرافي يرصد آخر الأوضاع في مدينة رفح


.. كيف هي الأجواء من صعيد عرفات؟




.. مراسل الجزيرة يرصد أراء الحجاج من صعيد عرفات