الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى الخمسين للثورة الكوبية-ثورة تحيا من جديد

فنزويلا الاشتراكية

2009 / 3 / 2
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بعد خمسين عام، وبعد أن بدأنا بالقرن الواحد والعشرين، لا تزال الثورة التاريخية التي جرت في كوبا قبل نصف قرن بالنسبة لملايين حول العالم تشكل نقطة انطلاقة جديدة، ولا تزال أصوات الكثيرين تتغنى بها، ولا تزال ذكراها متغلغلة في عمق الإنسان وعمق الحاضر الذي يحمل من ثمار الثورة كثيرا بما يكفي لفرض أحلامها كواقع معاصر يتجدد كل يوم. ورغم مضي خمسون عاما، لا تزال الثورة مستمرة في المد الذي افتتحته طريقاً لثورات أخرى تنطلق بذات الحلم وتتطور لتواكب متغيرات الحياة والظروف المختلفة كما يحدث في فنزويلا الذي قال رئيسها هوغو تشافيز في ذكرى الثورة الكوبية "الثورة الكوبية هي أم كل حركات التحرر في أمريكا اللاتينية وطليعة سعي الشعوب إلى الكرامة في هذه القارة."

في الأول من كانون الثاني عام 1959، قام حاكم كوبا المحاصر فولجنسيو باتيستا، الموالي للولايات المتحدة، بمغادرة هافانا بعد أن أدرك أن حكومته لن تستطع مواصلة أي مقاومة لقوات الثورة التي انطلقت بقيادة فيدل كاسترو ورفاقه من أجل تحرير كوبا والقضاء على الحكم الديكتاتوري الظالم الذي طبقه باتيستا فيها. وبدأت القصة منذ أن حطت مجموعة من الثوار في 2 كانون الأول/ ديسمبر عام 1956 في شرق كوبا وتم تفريقهم من قبل القوات الحكومية وإصرارا منهم على خط التحرير وإنهاء الظلم في البلاد، واصلوا ثورتهم بقيادة كاسترو وكاميليو سنفويغوز وآرنستو تشي جيفارا وآخرين. فأعادوا تجهيز وتسليح أنفسهم وبدؤوا بحملة واسعة ضد قوات باتيستا العسكرية. وفي نهاية عام 1958 كان الثوار قد تقدموا إلى غرب كوبا حيث بدأ جنود الحكومة بالاستسلام دون قتال.

دخل محررو كوبا إلى العاصمة هافانا في 2 كانون الثاني/ يناير من عام 1959 ووقف قائد الثورة فيدل كاسترو ليعلن انتصار الثورة وبدء العهد الجديد. ومن هنا بدأ الانتصار بالظهور على شكل تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية في كيان الدولة وبدأت كوبا بانطلاقتها المليئة بالتجارب المختلفة وكانت هذه الانطلاقة بداية لثورة التغيير لا فقط في كوبا بل أيضا في القارة اللاتينية التي انعكست عليها آثار الثورة الكوبية بإطلاق ثورات مختلفة بمتغيرات مختلفة ولكن بنفس الحماسة ونفس المثابرة ونفس الصمود وبالتالي نفس الانتصار.

في 2 كانون الثاني/يناير 2009 احتفل الشعب الكوبي بذكرى تحرير بلاده قبل 50 عام وبالانجازات التي شهدتها كوبا. وقد تحدث في الحفل الرئيس الكوبي الحالي راؤول كاسترو، شقيق قائد الثورة فيدل، والذي تولى عنه الحكم عام 2008. على نفس الشرفة التي وقف عليها فيدل كاسترو قبل خمسين عام ليعلن انتصار الثورة، وقف راؤول عام 2009 في احتفالية ذكرى الثورة أمام الحشود المجتمعة المحتفلة من الشعب الكوبي ليؤكد مواصلة السير على خطى الثورة المنتصرة. قال راؤول "نحن لا نتوهم عندما نحتفل بنصف قرن من الانتصارات، يجب أن نفكر بالمستقبل بالسنوات الخمسين المقبلة التي ستكون نضالا مستمرا" معتبرا أن كوبا ستشهد مراحل "أكثر صعوبة على الأرجح".

ولم يتسبب غياب قائد الثورة فيدل كاسترو، لأسباب صحية، عن احتفالات الذكرى الخمسين بالتقليل من فرحة وإيمان الكوبيين بالنصر. ومن هذا المنطلق أرسل لهم فيدل رسالة بسيطة نشرتها جريدة الغرانما التابعة للحزب الشيوعي الكوبي تهنئة بذكرى الثورة وتوجه إليهم بصفتهم "شعبنا البطل".

وعلى الرغم من عدم حضور مسؤولين من أمريكا اللاتينية إلى احتفاليات الثورة التي أقيمت في كوبا، باستثناء وزير الخارجية الفنزويلي نيكولا مادورو، إلا أن شعوب القارة أو الأحرار منها كانوا محتفلين بهذه الثورة. كيف لا وهم يحتفلون بها كل يوم من خلال الاحتفال بإنجازاتهم الجديدة وانطلاقاتهم الجديدة التي كانت ثورة كوبا أمّاً لها.

في فنزويلا أقيم حفل كامل لاستذكار نصر الثورة الكوبية كما أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز من كاركاس أنه وبمناسبة الذكرى الخمسين للثورة الكوبية سيرفع العلم الكوبي بشكل دائم خارج قلعة القائد بوليفار الفنزويلية. وقال الرئيس تشافيز في ذكرى الثورة "كوبا جزء من هذا الوطن... من أجل كوبا نغضب ومن أجل كوبا نقاتل ومن أجل كوبا نحن مستعدون للقتال حتى الموت"

أما في بوليفيا، فقد قال الرئيس إيفو موراليس في مؤتمر صحفي إن الشعب الكوبي قد حرر نفسه قبل خمسين عاما من الاحتلال الأمريكي لبلاده مما ساهم في انطلاق حركات تحرير الشعوب في العالم كله.

في الإكوادور، شارك الرئيس رافاييل كوريا باحتفالات الثورة التي أقيمت هناك ملقيا خطابه الاستثنائي بذكرى الثورة مستذكرا كل إنجازات الثورة وموجها تحية النضال لشهداء الثورة وكل أبطال أمريكا اللاتينية الذين فدوا الأوطان بدمائهم ولا سيما رفاق الإكوادور ممن شاركوا في الثورة الكوبية.

قال الرئيس كوريا واصفاً الثورة الكوبية بأنها حرية كوبا والمعلم الأبرز في تاريخ أمريكا اللاتينية في القرن العشرين ومثالا ناجحا للعالم بأكمله، قال "هذا الشعب العظيم، الشعب الكوبي، الشعب البطل، قد علّم العالم أن الثورة لها مصير وأنها عملية من روح الإنسان وأنها إذا بدأت فليس هناك قوة تستطيع أن توقفها مهما كانت." وأضاف "اليوم، لا تتبع أمريكا اللاتينية إلى أي إمبراطورية. وإننا نحن ورثة الأبطال والثوار الذين ضحوا في سبيل القارة، لا نؤمن بأي شكل تفكير منفرد، لأن هويتنا فيها وجه لكل واحد منا."

واستذكر الرئيس كوريا من خطاب قائد الثورة في يوم النصر قبل خمسين عام ما قاله عن أهم سمة يجب أن يتحلى بها الثوري. فقد قال فيدل كاسترو يوم الانتصار "أنا أؤمن بأن هذه اللحظة هي لحظة حاسمة في تاريخنا، فقد هُزِمَت الديكتاتورية وإن البهجة كبيرة. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب أن نفعله. دعونا لا نخدع أنفسنا بالقول إن كل شيء سيكون أسهل من الآن فصاعدا، بل ربما سيكون المستقبل أكثر صعوبة." وأضاف "قول الحقيقة هو واجب الثوري الأول. وإن خديعة الشعب وتأليف أوهام خادعة سيأتي دائما بأسوأ النتائج وأنا أؤمن بأننا يجب أن نحذّر الشعب من التفاؤل المفرط. كيف انتصر جيش الثوار بالحرب؟ بقول الحقيقة. وكيف خسرتها الديكتاتورية؟ بالكذب على الجنود."

قال الرئيس كوريا عن هذه الكلمات "لقد سمح هذا التوجه الأخلاقي الذي يمثل الولاء الأعظم للتطلعات الشرعية في قلوب شعب كوبا وأمريكا اللاتينية، سمح لهذه الثورة أن تبقى قوية بفخر وكرامة في الدفاع عن المعاني الأكثر أهمية لدى الشعب: الحرية والسيادة."

وأنهى كوريا خطابه قائلاً "بالنسبة لنا، نحن اشتراكيو العقل والقلب، لن تكون الثورة حزينة أبدا، ستكون دائما عيدا لنا لأنها ستكون احتفالا بالمساواة بين الرجل والمرأة، لأنها ستكون عملا تضامنيا بين الإنسان والأرض."

إذا كانت شعوب أمريكا اللاتينية ترى في ثورة كوبا كل هذه القيمة والإنجاز، فكيف يراها الكوبيون؟ لا يحتفل الكوبيون فقط بذكرى لهذه الثورة، بل يحتفلون ويعيشون الكثير من إنجازاتها وانعكاساتها على حياتهم اليومية. ولعل أبرز القطاعات في كوبا التي شهدت تغيرا جذريا منذ انتصار الثورة هو القطاع العلمي.

فقد قال الرئيس كاسترو عام 1960 بعد عام من انتصار الثورة "لا بد أن يكون مستقبل وطننا مستقبلا لأصحاب العلم، أصحاب الأفكار."
ولا يمكن إغفال ما تم إنجازه في هذا القطاع منذ أن تحررت كوبا. فقد كرست الثورة الكثير من أجل تقدم مختلف العلوم التي تعود بالفائدة على الشعب الكوبي. وقد بدا ذلك واضحا في عدد المعاهد التي افتتحت بعد الثورة لهذه الغايات وحجم الإنجاز الذي ظهر في ازدياد عدد الأطباء والعلماء في كوبا. حتى في الوقت التي كانت فيه كوبا تعاني أسوأ الأوضاع نتيجة للحصار وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت الحكومة الكوبية حريصة على المحافظة على المعاهد العلمية ومواصلة تطويرها.

في سياق آخر، لا يمكن إنكار بعض الأخطاء أو السلبيات التي جلبتها الثورة كأول حركة تحرر في أمريكا اللاتينية، إلا أننا لا يمكن أن نسميها سلبيات، لأنها ايجابيات جداً. فقد منحت هذه الأخطاء فرصة للثورات الوريثة التي انطلقت من بعدها أن تتعلم منها وأن تتجنب ما قد أدى لبعض الخلل في ثورة كوبا. لذا هي أم الثورات ولا يمكن اعتبار أخطائها فشل أو نقمة لأن كل تلك الأخطاء كانت فرصة كل حركات التحرر ونقطة انطلاقة جديدة عبر درس يتعلمه الثوار.

ويمكننا مشاهدة هذا النموذج في العلاقة التي تربط بين الثورة الاشتراكية في كوبا والثورة الاشتراكية في فنزويلا. فعلى الرغم من الاختلافات الجذرية بينهما في الأسلوب المتبع في تحقيق الاشتراكية ما بين كوبا التي انتصرت بثورة عسكرية واتبعت حكومتها أساليب فرض الحلول الاجتماعية الأفضل، وهو الأسلوب الذي كان له بعض المنتقدين خاصة بين منظمات حقوق الإنسان، وبين فنزويلا التي اتبعت حكومتها طابعا أكثر ديمقراطية وشهدت المنظمات العالمية لها بأنها من أكثر الأنظمة ديمقراطية، على الرغم من كل ذلك، لا يزال الرئيس تشافيز يقول إن فيدل كاسترو هو أب له وإن الثورة الكوبية هي أم لكل حركات التحرر في القارة.

فعلى سبيل المثال، قام فيديل بنفي معارضيه من الطبقة الثرية من خلال السياسة التي اتبعها بحقهم، أَو بالأحرى كان لدى واشنطن سياسة لاستيراد هؤلاء المعارضين للثورة. وبالطبع خارج كوبا، يمكن للمنفيين الكوبيين أن يصعدوا بحملاتهم فقط وهو ما فعلوه لمدة خمسين عام لكنهم لا يستطيعوا أن يتصدوا للتغير الذي ينفذه الثوريون الكوبيون داخل البلاد.

أما الرئيس تشافيز فليس لديه خيار نفي المعارضين للقيم الاشتراكية، لأنه عزم على منح الاشتراكية شرعية شعبية بطريقة ديمقراطية، كما أن الولايات المتحدة لن تعود للتتبع سياسة استيراد معارضي الثورة. فالرئيس تشافيز يمتلك دعما قويا في أوساط الفقراء وخاصة في أكثر الفئات وعيا من الطبقة العاملة الفنزويلية، كما أن الرئيس تشافيز ومنذ نجاح الاستفتاء الدستوري الأخير بات هو المرشح الأوفر حظاً ومنذ الآن ليبقى رئيسا حتى عام 2019. وبقدر ما يحترم ويقدر كاسترو، لن يتبع الرئيس تشافيز النموذج الاقتصادي في كوبا. فالاشتراكية في فنزويلا تجنبت النموذج السوفييتي وانطلقت بمخططاتها الجديدة.

على الرغم من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا منذ عام 1962 وحتى الآن، لن تكون ذكرى الثورة الكوبية، في نفس التاريخ من كل عام، احتفالا بنصر قديم، بل ستكون في كل مرة انطلاقة جديدة ويوم جديد من أيام الثورة ذاتها التي حصلت قبل خمسين عام، وذلك لأن هذه الثورة هي ثورة دائمة تحيا وتعود من جديد مع كل حركة تحرر تحدث في أمريكا اللاتينية بل مع كل إنجاز اجتماعي أو علمي أو ثقافي تحدثه أي من ثورات اشتراكيي القرن الواحد والعشرين في القارة الحمراء.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حادث مفاجئ جعله رئيساً مؤقتاً لإيران.. من هو محمد مخبر؟ | ال


.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني في تبريز| الأخبار




.. نتانياهو -يرفض باشمئزاز- طلب مدعي الجنائية الدولية إصدار مذك


.. مقتل الرئيس الإيراني: هل تتغيّر علاقات طهران بدول الخليج وال




.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس -إبادة جماعية- نحن نرفض ذلك