الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحكي والحكاية
احمد الحاج علي
2009 / 3 / 3الادب والفن
الحكاية مصدرها الفعل "حكى" ويبدأ هذا الفعل بالحرف حاء، والحرف حاء في اللغة العربية يدل على الحياة، مثلا حكى . حرَ ( وحرَ بمعنى حرك ) حبَ . حرث . حرك . حور . وكل هذه الأفعال تفيد فعل العطاء و الحركة ، والحركة ضد السكون ، ولذلك قالت العرب قديما " الحركة ولود والسكون عاقر"
إذن دعونا ندغدغ الفعل حكى الولود مثل المرأة التي تعطينا مخلوقا جديدا يشبه أقرانه من المواليد لكنه يملك بصمته الخاصة به، وجيناته الخاصة، وعقله الخاص الذي يميزه عن كل المخلوقات البشرية
، لكن هل تشبيه فعل حكى بالمرأة الولود تشبيها صحيحا ؟ دعونا نرى .
أعتقد أننا في الشرق المنكوب بداء الصمت والتخلف نفتقر إلى فعل الحكي ، قد يقول قائل : لا يوجد أمة في الكون أشطر من أمتنا في الحكي ، وأنا أقول له . صح . لا أحد اشطر منا في الحكي إلا أن الحكي الذي نحكيه مثل فرقعة السوط الذي يجلد الهواء يعطي صوتا بلا فعل ، وحكينا حكي بلا فعل يعني حكينا يمثل رغوة الفعل وليس الفعل أورغوة اللغة حسب تعبيرالالسني الفرنسي بارت أو مثل علكة "بالون" تنتفخ هواء ثم تفرقع.
للخروج من حال الغيبوبة، نحن بحاجة إلى فعل الحكي الولود، فهو وحده القادر على ضخ الدماء في عروقنا لانتشالنا من شللنا وعجزنا وذكوريتنا الغبية، والحكي يستطيع تنفيس الورم المتوضع في عقولنا وكروشنا -أعيذكم ممن شحمه ورم - وتحويلنا إلى بشر أسوياء لا يدعون الألوهية ولا يعتقدون أنهم ولدوا من أمام وباقي المخلوقات ولدت من الخلف. وللتدليل على القوة التغيرية الكامنة في الحكي سوف اضرب هذا المثال : في حكايات الف ليلة وليلة الملك شهريار المنفوخ بداء العظمة الخادعة الذي يملك مخا محشوا بخراء الأسود تحول إلى وحش قاتل لنصف البشرية، ذلك النصف الجميل. البهي. الرقيق. المتناسق. الولود. المبهر. المسكر. المدهش. لم يردعه عن مهنة القتل، ولم يروضه إلا فعل الحكي الذي قامت به شهرزاد، لم ترتد حزاما ناسفا لتفجر نفسها، ولا حملت مسدسا حربيا ، ولم تحمل خنجرا، ولم تتآمر عليه، حملت لسانها. ورقتها .وجمالها. وإنسانيتها. وخبرتها. وحكيها الولود. لتبدأ من خلال فعل الحكي ترويض القاتل الوحش، وإبهاره، وإدهاشه، وخر بطة منظومة عقله المريض، وإعادة بناءه سليما معافى، وبفعلها انتصر الحكي، وانتصر الحوار، وانتصر الحب، وانتصرت الحياة، وانهزم الموت.
إذن الحكي. فن الحكي . الحكي المتبل بخيال حكايات الشرق القديمة، والحكي المبهر بحكايات الحاضر المسخم بالسخام قادر على كشف وتعرية وفضح الشهريارات التي تكاثرت بيننا تبغي مضغنا، والتهامنا، وفصفصة لحمنا مع عظمنا، وصنعنا على قد مقاساتها، وبلاهاتها ، ونحن في حالة شلل وعجز لا نملك إلا ألسنتنا علينا أن نحكي، ولو همسا، وفعل الحكي وحده قادر على إدهاش الشهريارات، وترويضها وتحويلها إلى كائنات بشرية ، الحكي وحده قادر على تحويل الوحش إلى كائن بشري ثم إلى إنسان مؤنسن وديع. شفاف. مفعم بالرقة والحب، وعندئذ فقط نستطيع أن نقول بأننا خطونا الخطوة الأولى باتجاه الحضارة .
نعود الى الحكي الذي نحكيه الآن ، فهو مثل رغوة الصابون، أو مثل الزبد الذي يذهب جفاء فهو مخلوط بالنفاق والكذب والتمثيل، والأمثلة لا تعد ولا تحصى .
مثلا نحن نتكلم عن الدين ليل نهار، على المنابر. وفي المدارس.والشوارع. والقهاوي. والدوائر. والساحات العامة،ومع ذالك غالبيتنا لا دين له، أو دينه المال أو النفاق .
نحكي في الأخلاق كل ساعة ولا يخلو حديث من تقريظ الأخلاق، ومع ذالك فالأخلاق تكاد مفقودة بيننا.
نحكي عن الحرية ونمارس القمع نمارسه في البيت، والمدرسة، والدائرة، والمؤسسة، والشارع
نحكي عن الصدق ونروي " مفتخرين" الأحاديث النبوية والكذب والنفاق معشش ومقيم بيننا كالطاعون.
نحكي عن الأمانة واللصوص بيننا، ويسكنون على بعد خطوة منا ، تآلفنا معهم، وصرنا نحترمهم ونبرر لهم، ونقول عنهم حلال على الشاطر.
نحكي عن التحديث والإصلاح والحال يمشي إلى أسوأ حال.
لماذا ؟لأن الحكي عندنا رغوة . زبد . علك صوف . اجترار . إعادة المعاد . وحكي المحكي،
ولأن حكينا معاد ومكرور وكله رغوة، فحالنا حال المريض الواقع في الغيبوبة ، لا هو مع الأحياء ولا هو بين الأموات .
ترى أي الفئات نروي حكاياتها وكل فرد فينا حكاية كل منزل مشبع بالحكايات الحارات متخمة بالحكايات الأرياف والحقول تفيض بالحكايات.
المدن العربية خزان حكايات لا ينضب تنتظر من يلتقطها ويحكيها فهي متخمة بالفاسدين يسرحون ويمرحون كجرذان المجار ير ، متخمة بالمنافقين والقتلة . تجار أشرار . سياسيون حمقى .مهنيون كاذبون .عاهرات يتعهرن على ذكور بلهاء .وسطاء يبيعون أمهم مقابل مصالحهم . شهود زور يبلعون المصحف لقاء قبضة من المال .لصوص وطنيون . رجال دين بلا دين .مؤسسات تؤسس للفساد والنفاق أطفال مشردون، مراهقون حالمون، نساء يهدهدن القهر والغربة .
وحدها الحكاية وعبر الحكي تضعك في قلب الحلم، وتنقلك عبره إلى عوالم الغرابة والدهشة، تنقلك إلى مكان حيث (لا طير يطير ولا وحش يسير )
كيف يمكن للمرء أن يسكن السكون، ويتلاءم مع البلاهة. بدون حكي بدون حلم. بدون ضوء؟. كيف يمكم للمرء أن يهدهد الحلم، ويروضه وهو العصي على الترويض والاعتقال؟ وهو الطائر المحلق فوق الزمان والمكان يتخطى التعاليم وحراسها ليصعد حتى السماء السابعة.
كيف لمنفلت من القيد أن يعود إلى القيد؟ كيف لطائر أن يدخل القفص بإرادته ؟
في الشرق المتشردق في تخلفه،الحكي و الفعل في حال الغيبوبة، والأحلام مؤجلة لقرن آخر فهذا الزمن زمن البلهاء والسفهاء واللصوص .
لكن أيضا وأيضا هذا زمن الحكي الولود .
10-2-2009
ادلب
[email protected]
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فكرة جميلة علشان الجماهير تروح الملاعب وتشجيع فرق كرة القدم
.. الفنان السوري فارس الحلو: أرفض حكم العسكر
.. مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
.. لحظة وصول الفنانة بدرية طلبة إلى عزاء زوجها بدار مناسبات الم
.. كيف عبر الفنانون السوريون عن مواقفهم بعد رحيل الأسد؟