الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية العرب هل هي كرها أم طواعية

فاطمه قاسم

2009 / 3 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ديمقراطية العرب
هل هي كرها أم طواعية؟

لماذا تبدو الهياكل السياسية العربية ،الرسمية أو الأهلية ،حكومات أو معارضين ،بل حتى على مستوى هيئات المجتمع المدني،والجمعيات الخيرية ،أو حتى منظمات حقوق الإنسان ،لماذا تبدو ضعيفة الحراك والتأثير وكأنها تعيش خارج زمانها ،تشبه إلى حد كبير تلك المعرشات الصيفية على شاطئ البحر حين يداهمها الشتاء ،كما يقول احد الكتاب العرب ،؟

الكثيرون يقولون أن السبب الرئيسي وراء ذلك كله ،هو غياب الديمقراطية في العالم العربي،وإنها حين تتم ممارسة أشكال من هذه الديمقراطية ،فإنها تكون ممارسة شكلية أو سطحية وغير حقيقية ،لأنها غالبا ما تكون استجابة لضغط من الخارج وليس تلبية لاحتياج ملح ،ديمقراطية العلب الفارغة ،الخالية من كل مضمون ،أشبه بالاحتفالات التقليدية الباردة ،التي تقام في المناسبات ،ويساق إليها الناس كرها تحت سياط الترغيب أو سياط الترهيب.

ففي ثقافتنا العربية كساميين ،فان صورة الملك الاله عميقة الجذور ،وبما أن الملك هو الاله في آن واحد ،فلا يجوز أن ينتقد ،ولا يجوز أن يتغير ،ولا يجوز أن نفرض عليه احتياجاتنا بل هو الذي يفرض علينا إرادته،وعندما تغرقنا المشاكل الكبيرة ،فهذا مرده لان إيماننا المطلق بما هو قائم قد اعتراه الضعف،وليس لان الملك الاله قد قصر أو خانه فهم ما يجري ،أو انه لم يستخدم الأدوات الملائمة .

فالديمقراطية تنطلق في الأساس من ثقافة عميقة مؤداها أن الناس سواء كانوا شعبا في دولة ،أو مجموعة صغيرة في مؤسسة أو جمعية ،هم لهم الحق في اختيار من يدير حياتهم بطريقة أفضل ،لتعود عليهم بالمنفعة ،مهما كان شكل هذه المنفعة ،سواء الرخاء الاقتصادي ،أو الأمن الداخلي والخارجي ،أو حرية الاعتقاد والتفكير ،أو الحرية الفردية ،وحرية السوق ،أو تحقيق الطموحات القومية ....الخ

وتتم عملية الاختيار لمن يديرون حياة الناس عن طريق المنافسة المفتوحة أمام الجميع ،ومن خلال إتاحة الفرص لكي يعرض كل طرف طريقته التي يراها الأمثل في إدارة حياة الناس .

هذه الفكرة الجوهرية ،فكرة البحث عن الأفضل في إدارة حياة الناس ،ولكنها الفكرة الغائبة في العالم العربي ،لان الحاكم في بلادنا ،سواء كان ملك أو رئيس أو شيخ قبيلة أو رئيس حزب أو حتى رئيس جمعية صغيرة ،ينطلق من فكرة معاكسة تماما ،وهي انه ليس المدير بل هو المالك ،وبعد ذلك يأتي بالمسوغات التي تجعله مالكا بامتياز ،ابتداء من استعارة بعض الصفات المقدسة ،مثل :”ظل الله على الأرض ،وثوب الحكم الذي البسه الله له ،والولي الفقيه المعصوم من كل خطا ،والدماء التي تسري في عروقه دماء عريقة ،والعائلة والعرق "...والخ


ولذلك فان هذه الثقافة العميقة الجذور ،تظهر بأشكال وتجليات عدة ،نجدها لدى الأب على رأس عائلته الصغيرة وصولا إلى الحاكم الأول على رأس شعب أو امة كبيرة ،وهذه الثقافة تعيد إنتاج نفسها ولكن بأشكال عصرية مخادعة ،كما شاهدناها في الحالات التي يورث فيها رئيس الجمهورية الحكم لابنه ،أو حين يتم استصدار قرار من الهيئات التشريعية بان هذا الحاكم أو الرئيس يحق له أن يبقى على رأس الحكم حتى الموت ،أو حين يعطى هذا الحاكم الحق في اختيار الهيئة التشريعية التي يستمد منها حكمه الدائم ،أو حين تعلو مصلحة حزب فوق مصلحة الشعب ،وطبقا لذلك القانون فان مصلحة رئيس الحزب تعلو على مصلحة الحزب نفسه ،وهكذا دواليك.

والمشكلة الطارئة والإضافية :

إن الضغوط التي تمارس من قبل هذا المركز الدولي أو ذاك من اجل ممارسة الديمقراطية في العالم العربي ،هي ضغوط تستند إلى معاير وشروط خارجية ،طارئة ،ليست ملتصقة بمصالح أغلبية الناس ،بالعكس فهي تحمل معايير مزدوجة في اغلب الأحيان ،ولعل الولايات المتحدة هي النموذج الأوضح في سياساتها الرامية إلى فرض الديمقراطية ،لذا نراها تستخدم معايير مزدوجة في هذا الخصوص ،فتحارب الطائفية هنا وتناصرها هناك ،أو تستخدم الحافز الديني في بلد وتحاربه في بلد آخر ،أو تحارب الفساد في مكان وتغض النظر عنه في مكان آخر ما دام أهل الفساد ينفذون سياساتها .

ولذلك فان تجارب فرض الديمقراطية قسرا أتت لنا في عالمنا العربي على وجه الخصوص بنتائج مشوهة ،تزيد من قهر الناس ،وفي اغلب الأحيان أفقدتهم الإيمان بالديمقراطية نفسها .

ولكني اعتقد : أن المثقفين في بلادنا ،يمكن أن يقوموا بدور هام جدا ،في عملية تأسيس ،لخلق ثقافة ديمقراطية صحيحة ،وخاصة عندما يبتعدوا عن الصفقات السياسية ،ويقدمون عبر تسليط الضوء بشكل مسئول ووعي عميق الإطارات التي تصلح أن تدير حياتهم كنموذج للديمقراطية التي يدعون إليها ،أقول هذا وأنا استشعر الصعوبات الكبرى التي يمكن أن يواجهونها ،وخاصة عندما يجدون أنفسهم أمام تلك الدوائر المغلقة من أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية ،والدينية ،والذين يتحالفون مع بعضهم في كثير من الأحيان ،ومن ثم يضيقون الخناق على الثقافة والمثقفين .


ولكن وفي النهاية :

يجب أن نتذكر ،انه رغم خصوصياتنا العربية ،فان ما نعاني منه على صعيد ضمور الثقافة الديمقراطية ،فقد عانى منه الآخرون من قبلنا في الغرب ،وفي أوروبا على وجه التحديد .حين كانت السلالات الحاكمة تستند إلى المؤسسات الدينية في تكريس سلطة الحكم المطلق ،وان المثقفين هم أول من طرحوا الأسئلة ،وأول من طرق الأبواب المغلقة ،وبداوا عصر التنوير الديني والسياسي والاقتصادي والثقافي ،واعتقد انه ليس في حياة المثقفين العرب قضية تتقدم على قضية الديمقراطية ،فقد ثبت انه حتى في قضايا التحرر الوطني ،والاستقلال ،فانه ليس لها من باب واسع تتقدم منه سوى باب الديمقراطية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم ولكن
مختار ( 2009 / 3 / 4 - 13:07 )
أنت محق في كل ما طرحته. صحيح أن المثقفين يتحملون دورا هاما في نشر الثقافة الديمقراطية عبر نقدهم الدائم لكل العراقيل التي تقف حجر عثرة في وجهها. ولكن لا أعتقد أن المسؤولية محصورة في المثقفين وحدهم. فتاريخ الأمم التي نجحت في ترسيخ الديمقراطية كأداة فعالة لإدارة مجتمعاتها يبين لنا أن هناك طبقات أخرى لبعت دورا كبيرا، لعله الأكبر، في إلحاق الهزيمة بقوى الماضي المعادية للديمقراطية، وخاصة دور البرجوازية المركزي في الإطاحة بهيمنة الإقطاع والكنيسة في أوربا مثلا . ولهذا يجب علينا أن نبتعد عن كل انغلاق إيديولوجي ونعمل على إقامة تحالف واسع يتألف من قوى الإنتاج والعمل والفكر وتوجيهه بحزم ضد أعداء الديمقراطية. وأقصد هنا أنه يجب أن ندفع مجتمعاتنا نحو مزيد اللبرالية في الاقتصاد والسياسة والفكر والدين كحل أثبت جدارته بينما فشلت التجارب الأيديولوجية الأخرى في ذلك سواء كانت علمانية أو دينية.
شكرا على هذه الفرصة

اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ