الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة 8 آذار عيد المرأة العالمي ... نساء في قلب الوطن

ناهده محمد علي

2009 / 3 / 4
ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع


قادتني قدماي الى أحد شوارع بغداد , كان حلماً قديماً وأصبح حلماً معاصراً , إسترعى إنتباهي كثرة النساء اللواتي يحملن أطفالهن للتسوق أو للعمل , قلت في نفسي لا زال العراق ينجب أطفالاً علّهُ هذه المرة يُنجبهم لأجل الحياة لا الموت .
إستضافتني عائلة قريبة جداً , وجدت في باديء الأمر بعض المسافة ما بيني وبين المرأة الأُم , كانت تقضي معظم الوقت في المطبخ وقررت أن أعلم المزيد عنها . كانت تهتم بنظافة المنزل والأطفال بشكل جيد , وكان فتيات المنزل , الكبرى في كلية الهندسة والصغرى في معهد المعلمات أما الصغيرة فقد كانت كالفراشة الملونة دائمة الحركة والتنقل والضحك , أعجبتني أناقة الفتيات ورقة أُسلوبهن بالحديث وحبهن للدراسة . كنت أعتقد أن نساء بلادي قد أصبحن عنيفات جداً بسبب العُنف الوحشي الذي مررن به , إلا أني وجدتهن لا زلن طيبات يتميزن برقة الطباع والإرتباط العائلي الوثيق , كانت الأم تستيقظ الساعة الخامسة لتصلي الفجر ثم لتجهز الفطور , أشعر أنها متعبة طوال الوقت ولا تجلس إلا لتقوم بعمل ما , ومع إنشغالها الدائم كانت تسألني عن إحتياجاتي والطعام المفضل لدي , وكانت تُخجلني بكثرة رعايتها وإهتمامها . ذات يوم فاجأتني الإبنة الكبرى بوردة وهدية جميلة ثم إعتذرت لي لأن الوردة كانت صناعية , قالت : لا يوجد ورد طبيعي في السوق فقلت : ربما ستزدهر الحدائق ثانية بالزهور الملونة . إقتربت أكثر من قريبتي ومن بناتها فوجدت نقاط إلتقاء كثيرة , وكنت أظن إن سنوات الغربة الطويلة قد قطّعت ما بيني وبينهم .
بعد أيام خرجت صباحاً لقضاء بعض الأعمال الرسمية في أحد المراكز العلمية , دخلت البناية وأنا ألتفت يميناً ويساراً علَّني أجد أحداً أعرفه أو صديقاً قديماً أستنجد به , إستخدمت المصعد الكهربائي القديم , كان يهتز ويرتجف ثم وصلت الى الطابق المطلوب , لم أسأل عن أحد لأني لا أعرف أحداً , توقفت أمام غرفة أحد المدراء , قالوا لي : إنتظري قليلاً ثم قيل تفضلي , فوجئت بأن المدير كان إمرأة وفاجأني أكثر أنها لطيفة جداً , قالت : ( ماطلبك ) فإحترت من أين أبدأ ثم قلت , أتذكرين واحدة من أشهر أغاني الأطفال لدينا , قالت : ماهي قلت : ( الثعلب فات فات ) قالت : تذكرتها , قلت : لقد درت سبع ( لفات ) والثعلب ورائي , ما قولك ؟ إبتسمت بعمق وقالت لي سأقطع لكِ ذيله , كل شيء سيكون على ما يرام . جئت في اليوم التالي مبكرة ولم أُصدق عيني , راقبتها عن بُعد كانت تتحدث مع متسول وتتلاطف معه ثم قلت لها صباح الخير , إستقبلتني بحرارة على باب المركز العلمي ذاب معها الثلج الأوربي الذي أحمله على ظهري , وقلت لها ما مشكلة هذا المتسول , قالت : لديه إبنة مصابة بالسرطان وأُحاول مساعدته قدر الإمكان ثم رددت بحزن المشكلة أن عدد النساء المصابات بهذا المرض يزداد بسرعة كبيرة ومعظمهن ينتمين الى الشرائح الفقيرة من المجتمع أحسست بالعمق الإنساني لشخصية هذه السيدة فهي بالإظافة الى درجتها العلمية تكشف شخصيتها عن مستوى ثقافي عالي , قلت لها أنت بدون سيارة وبدون .... , ألا تخشين العُنف قالت : أُنظري الى رسائل التهديد التي تأتيني كل يوم على ( الموبايل ) لكني وببساطة لا أخاف . ناقشتني بمواضيع الطلاب ومشاكلهم حيث تتفاقم هذه المشاكل ما بين العُنف والمخدرات والفشل الدراسي والبطالة . خرجت من المركز وأنا أشعر بأن هذه السيدة ستبقى في ذاكرتي دائماً , وسأحمل ملامح شخصيتها المميزة أينما ذهبت , وحدثت نفسي لو أن الوطن يرتكز على أمثالها من الرجال والنساء لأصبح مرتكزه صُلباً نقياً .
عدت الى البيت مساءً فوجدت قريبتي حزينة , قالت : تشاجرت معي الزميلات في موقع العمل بسبب ( سُلفة الجمعية ) التي شاركت بها منذ بداية السنة لكنهم قطعوها بدون أن أحصل على نصيبي , قلت لها طالبي بحقك قالت : هؤلاء النسوة يمكن أن يعملن أي شيء لأجل المال , أنا أخافهن , قلت : إقنعي النسوة بالحجة والمنطق ولا تتركي حقوقك قالت : أنا متعبة وأخاف على أطفالي , وقتها أحسست بأني أقف في حيز ضيق ما بين النور والظلام , وفظلت أن أدير وجهي نحو مناطق النور لأني وببساطة لا أجيد السير في العتمة , وفظلت أن تبقى في ذاكرتي الصورة الجميلة للمرأة العراقية التي تتساقط دموعها خوفاً وفرحاً لأي طفل يعبر الطريق نحو المجهول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو