الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسوية الممكنة

سالم العوكلي

2009 / 3 / 4
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


(لولا ديانات التوحيد والموحدين الجادة ، ولا نقول المتهوسة بالتوحيد والوحدانية ، لما قدر للاتجاه العقلاني التنويري أن يرى النور) عبر هذه الرؤية للتراكم المعرفي بكل حقوله التأملية ، يحاول المفكر ارنست غيلنر أن يجابه التقسيمات المثنوية الضدية المتناحرة ، عبر الإمكانية التي يراها لتقبل نوع من التسوية بينها ، ولهذا المغزى يطرح كتاب غيلنر (ما بعد الحداثة والعقل والدين) صيغة جديدة لتقسيم مشهدنا المعاصر ، الذي لم يعد ثنائي القطب ، إلى ثلاث أيديولوجيات متنافسة على كسب الولاء المعرفي للحظة التاريخية ، ويختصر هذه التسميات في : الأصولية الدينية ، التي تحظى بقوة نافذة في العالم الإسلامي ، والنسبية التأويلية التي تمثلها حركة ما بعد الحداثة في العالم الغربي ، والعقلانية التنويرية التي يوصي غيلنر باتباعها ، وهي التي ـ حسب ما يرى ـ ستكون كفيلة بصهر الصراع الضدي العنيف في بوتقة الحوار المنبثق من تفاعل كل هذه المكونات التي يجمعها شئ من الورع تجاه فكرة الحقيقة ، والتي يضعها جميعاً في إطار نقده لبعض التشوهات التي طالتها ، وانزاحت بها إلى منطقة التعصب ذات الميول الأصولية الرافضة لما عداها ، حيث يعتبر النسق الفكري الأول المتعلق بالإسلام بطئ التغيير لعدة عوامل داخلية تتعلق ببنيته الاجتماعية والسياسية فيما بعد ، وعوامل خارجية تتعلق بمترتبات الصدام الحضاري على مر التاريخ ، منحازا في هذا الشأن إلى توضيح فريدريك أنجلز(في حين كانت لغة الصراع السياسي دينية في المسيحية والإسلام معاً ، إلا أنها أدت في المسيحية إلى تغيير حقيقي ، بينما لم تؤدِ في الإسلام إلا إلى تكرار وتعاقب الأشخاص في نظام اجتماعي ثابت لا متغير) مشيرا في أماكن أخرى من الكتاب المثير للجدل إلى العديد من الأنماط العبادية المختلفة فيما يخص الإسلام النخبوي الذي يمثله العلماء والفقهاء في المراكز الحضارية ، وإسلام العامة أو الإسلام القاعدي الشعبي الذي يستخدم الدين لأغراض السحر وليس كأداة للعلم والثقافة ،
وفي الخيار الثاني ـ النسبية ـ التي كما يرى يمثلها الغرب في حركة ما بعد الحداثة ، فإنه في صدد نقده له يقدم العديد من الدلائل على أن هذا النسق قد غاص في الذاتانية المفرطة كصيغة انسحابية ملائمة من شأنها التكفير عن خطايا الكولونيالية ، وأن المطالب الملحة التي رافقت هذه الحقبة فيما يخص الموضوعية كغاية مثالية كانت مجرد مراوغة براغماتية تسعى من خلال فكرة الاستحواذ المنهجي إلى الهيمنة وبسط السيطرة، وبالتالي سيكون الخيار الثالث الذي ينطلق من فكرة واحدية الحقيقة التي لم نبلغها حتى الآن ، معتمدا صياغة بعض القواعد الإجرائية للعقلانية التنويرية التي تحل محل الإيمان الاعتقادي الجوهري ، كقاعدة تؤسس للخيارين الآخرين ، وهذا ما يجعله متفائلاً بشأن افتراض وجود تسوية داخلية ذات حلول وسط ، الأمر الذي سيجعله يرحب (بأولئك المؤمنين الأصوليين الذين يستخدمون توقهم المتلهف للحوار لتوصيل استعدادهم لتقبل الحل الوسط) ومن هذا المنطلق كان من المفترض أن يكون كتابه هذا نصف كتاب يكمل جزأه الآخر البروفسور(أكبر أحمد) المسلم الورع الملتزم بدينه اعتقاداً وممارسة ، كما يقول في مقدمته للكتاب (نتيجة للاهتمام المشترك بيننا بالتنظيم القبلي في الإسلام ، ثم أتت الدعوة إلى مشروع الكتاب منه وصادق عليه الناشرون ، بعد أن أنجز وفقاً لمتطلبات عقد يشمل تصوراً مركباً لمثل هذا المؤلف المركب) وهذا التصور المركب الذي يجئ في إطار تكتيكي حاذق من قبل غيلنر سيجعل أطروحته بصدد النسبية التي تتلبس جملة متنوعة من الصيغ ، وتنكر فكرة الحقيقة الواحدة أكثر إبهاراً وإقناعاً أمام إظهار فكرة مجاورة للأصولية التي تؤمن بواحدية الحقيقة و تعتقد بأنها تملكها ، مثل ما تطرح القوى الإمبريالية الجديدة مشروعها الليبرالي في حالة مقارنة غير موضوعية مع منظومات التطرف والاستبداد في مجتمعاتنا .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنت ترفع الرأس
متابع ليبي ( 2009 / 3 / 4 - 10:36 )
أنتظر مقالاتك بشوق وأتابعها حرف حرف, هنيئاً لأسلوبك وأفكارك التي لم أتمنى أن تصبح ظاهرة لدى المثقفين الليبيين, واصل أبداعك فنحن نتابعك بأعجاب حتى ولو لم تسمح لنا سرعة الأتصال بالنت على ترك تعليق لك

اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس