الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام الميداني و إرادة التغيير

محمد قاسم الصالحي

2009 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



نشأ الإعلام كوسيلة إتصال جماعي مع نشأة الجماعات الأولى وبدء الحياة الإجتماعية للإنسان وظهور الحاجة الى نقل المعلومات وتبادلها وقد تعددت أشكاله ووسائله بمرور الزمن بتطور وتنوع المجتمعات, الى أن جاءت الصحافة في نهاية القرن السادس عشر على أثر إكتشاف المطبعة لتشكل إضافة مهمة الى وسائل الإعلام ومن ثم البث الإذاعي والسينمائي والتلفزيوني وما أعقبه من ثورة الأقمار الصناعية حيث أضافت القنوات الفضائية بعدا آخر في مجال الإتصال الجماهيري وشكلت مع الحاسوب الآلي بتطبيقاته الواسعة وشبكة الإنترنت بشكل خاص نهضة عالمية كبرى أثرت على جُلً حقول المعرفة وخاصة الحقل الإعلامي الذي شهد ثورة غير مسبوقة في تكنلوجيا الاتصالات أدت الى إنبثاق وتدفق هائل ودائم ومتجدد للمعلومات والفكر والآراء والخبرات العابرة للمجتمعات والتي لايمكن بأي حال من الأحوال حجبها أو إيقاف تدفقها. لذلك لم يعد الإعلام النافذة التي يرى من خلالها الفردُ العالم وحسبْ, بل أداة فعالة قد تؤثر إيجابا في نشر المثل والقيم السامية وتثقيف الفرد وتنوير المجتمع بأن تجعل منهما مدركـَينْ لسماتهما الروحية والمادية والفكرية والشعورية, أو سلبا بنشر الرذيلة والإبتذال وتسويق مفاهيم تشوه الحقيقة وطرح رموز ودلالات سلبية تؤدي الى غرس أسس التفكير الخاطئ لدى الفرد وبالتالي ممارسة التجهيل والتدجيل بإعتماد التشويق والإثارة أو تبني سياسة صناعة الخوف والإحباط. ويعتمد السلب والإيجاب في الموضوع على مصدر إستقاء المعلومة التي تشكل الأساس المعرفي الذي يحدد أفراد المجتمع من خلاله الرؤية السليمة للعالم.

يمثل الإعلام في هذه المرحلة بوسائله المتنوعة والمتاحة قوة كبرى في بناء وتطور المجتمعات إذا ماتم توظيفها بشكل إيجابي. ففي العراق كما في غيره من البلدان تلعب وسائل الإتصال الجماهيرية بكافة أشكالها دوراً مهماً في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتتداخل مع كل أشكال وأنواع العلاقات الإنسانية، وتعد المحرك الأساسي للرأي العام والعلاقات العامة داخل المجتمع الذي يشكل أفراده الوسيلة والغاية الى ومن عملية التنمية الشاملة. لذلك فمن الضروري التعرف على عوامل تكوين وتنشيط الرأي العام، والوسائل المؤثرة فيه، وكيفية توجيهه وتصحيح مساراته بشكل دائم ومستمر بما يتلائم مع التغيير المنشود. ومن تجربة المرحلة السابقة لمجالس المحافظات يتضح لنا بأن الحكومات المحلية في المدن العراقية لم تولي أي أهمية لوسائل الإعلام ولم تشمل وسائل الإتصال الجماهيري في الحدود الإدارية لمدنها بالرعاية اللازمة, بل على العكس غالبا مانرى إهمال واضح لهذا المجال أدى بالنتيجة الى إعلان المقاطعة من قبل النقابات والتجمعات الإعلامية ووسائل الإتصال الجماهيرية الأخرى لأعمال هذه الحكومات وعدم تغطية جلساتها لأكثر من مرة وفي أكثر من مكان, كما لم تتوفر لهذه الحكومات (إلا ماندر) وسائل إعلامية سواء مواقع الكترونية فعالة على شبكة الإنترنت يتم تحديث محتوياتها بشكل يومي أو نشرات دورية تصل المواطن بكل مايعنيه في المجالات التي تتصل بإهتماته وتضعه أمام مسؤولياته في الحفاظ على المنجز والإسهام فيما يراد إنجازه, كما لم تنجح في توفير وسائل إتصال متبادل يشترك من خلالها المواطن بآرائه في وضع الحلول المناسبة للمشاكل التي تعيق عملية التنمية وإبداء مقترحاته حول كيفية تطوير المشاريع التنموية. من جانب آخر, يلاحظ إن تكثيف الحملات الإعلامية والزيارات الميدانية وتنشيط وسائل الإتصال بأفراد المجتمع من قبل القوى السياسية الرئيسية وقوى المجتمع الأخرى تقتصر على مواسم الإنتخابات, وكذلك الدعوة للإصلاح وتنمية شخصية الفرد والمجتمع لازالت مقتصرة على منابر الإرشاد غير المتحركة أو العمل المؤسسي المكتبي الروتيني البعيد عن المجتمع لأغلب مؤسسات المجتمع المدني في الوقت الذي أصبح كسب تأييد وتعاون وثقة الجماهير عن طريق الإقناع والإقتناع المباشر وغيرالمباشر، جزءاً من العمل اليومي للقيادي الفاعل والإداري الكفوء والمؤسسة المتفاعلة وأي تنظيم آخر في البناء الإجتماعي, كون العلاقات العامة والرأي العام يمثلان اليوم مجالين مهمين في العمل الإعلامي لما لهما من أثر كبير في بلورة الأفكار وتقريب الأذهان في مجتمعنا العراقي كما هما في المجتمعات الأخرى .

رغم تعدد وتنوع وسائل الإتصال الحديثة إلا إن فنون الإتصال الميدانية بالمواجهة (الخطبة, المحاضرة, الندوة وغيرها) لازالت تتميز بتأثيرها الخاص بين وسائل الإعلام على الرأي العام والعلاقات العامة في المجتمع العراقي. وخير مثال على ذلك هو تجربة الشهيد الثاني مُحَمَّدٌ مُحَمَّدٌ صَّادِقُ الصَّدْرْ (قـُدِّسَتْ نَفسَهُ الزَكِيّة) حيث أعطى أهمية كبيرة للإتصال الشخصي والجمعي المباشر بالمجتمع مؤكدا على الإرتباط العضوي بين هذه الوسائل الميدانية والتنمية الشاملة بمفهومها الحضاري من حيث قدرتها على تقديم أنماط جديدة لسبل التغيير التي تساهم في الإرتقاء بالبيئة التقليدية والمفاهيم السائدة, وإبطال المفعول السلبي لوسائل الإعلام المضادة, وبالنتيجة الإقتراب أكثر فأكثر من التغيير الضروري الذي إشترطته إرادة السماء ((حَتَّى يُغَيِّرُواْ)) (الرعد 11).. وصولا الى أسوار الدولة العادلة. فقد تصدى (قـُدِّسَ) لتفعيل شعائر كانت معطلة وأخرى يتم ممارستها من قبل البعض على نطاق ضيق, كمضامين إنسانية ودينية وسياسية للرسالة التي توجه بها الى المجتمع العراقي والإنساني بشكل عام, وقد كشف عن أهميتها للجماهير تدريجيا بشكل متسلسل وفقا لدرجة إستجابة المتلقي لمضامين رسالته المتجسدة في > التي يلخصها (قـُدِّسَ) بالقول.." من جملة البراهين الممكنة اقامتها على قدرة الله وحسن تدبيره : النظام العادل الكامل الذي جاء به النبي (صلى الله عليه واله) فانه معجزته الخالدة مع القرآن الكريم"..(الجمعة11 ). وقد أشار في الجمعة الأولى له في مسجد الكوفة الى ضرورة مايقوم به في حينه.. "إنَّ الجمعة وإن كانت بالأصل واجبا تخييريا, إلا إن إختيار الظهر دونها على الدوام ليس إنصافا من حيث إنها أفضل الفردين"( الجمعة 1).. متخذا من منبرها الوسيلة الإعلامية لإيصال رسالته الى المجتمع حينما أبرز أهمية وقدسية الوسيلة تاريخيا ودينيا (منبر الكوفة) والتأكيد على وزن وقيمة المتلقي في نفس الوقت لربط جميع عناصر الوظيفة الإعلامية (المُرسِل, مَضمون الرسالة, الوَسيلة, المتلقـِّي, الإستِجابَة والتأثير) وجعلها أكثر تفاعلا بقوله (قـُدِّسَ) .." اننا نتكلم في مكان خطب فيه امير المؤمنين (ع), بضرورة التاريخ وضرورة الدين ولم يتكلم من اهل الحق بعده اطلاقا الى هذه اللحظة ولم يستمع من اهل الحق بعده مثلكم الى هذه اللحظة"..(الجمعة 1). إن الإتصال الجماهيري الميداني الذي درجَ عليه (قـُدِّسَتْ نَفسَهُ الزَكِيّة) جاء متوافقـاً مع الحاجة الفطرية المتجددة لدى الفرد والمجتمع الى المعرفة والتعارف والإجتماع ..(( لِتـَعَارَفـُوا )) (الحجرات 13). فإن من يمتلك المعرفة الرسالية والمشروع الوطني القادر على تحقيق آمال الجماهير معني وبشكل أساس في صناعة المتلقي, وبكافة وسائل الإتصال وخاصة الميدانية منها التي أثبتت فعاليتها في هذا المجال.

على الرغم من التطور الهائل في وسائل الإعلام في الغرب إلا إن معظم الشركات التجارية في الدول المتقدمة اليوم تعطي أولوية لهذا النوع من وسائل الإتصال الميدانية المباشرة في سياساتها الإعلامية والتسويقية مع الفارق طبعا فيما نحن بصدده من حيث كون هذه الشركات تستخدم أساليب الإتصال الإغرائية التي يستخدمها الإعلان التجاري ولاتعنى بالجانب القيمي. وكذلك الكنائس الناشطة في حملاتها الدينية التبشيرية في المجتمعات الغربية, باتت تخطو عمليا بإتجاه الأفراد أيضا مستخدمة وسيلة الإقناع والإقتناع المباشر كوسيلة أساسية في التعريف برسالتها وكسب ثقة الآخرين وميولهم إليها.. خلاصة القول هو إن وسائل الإتصال الجماهيرية الحديثة عموما هي أدوات بالغة القوة والتأثير على المجتمع إذا ما تزامن توظيفها مع فهم دقيق, لطبيعة المجتمع المعني الذي تعمل فيه المؤسسة الإتصالية, وطبيعة المعلومات المرسلة (الرسالة الإعلامية) التي تمتلك القدرة على تحقيق أقصى درجات الإستجابة لدى المتلقي, إلا إن وسائل الإتصال بالمواجهة تكتسب أهمية خاصة بالمقارنة مع وسائل الإتصال عن بُعد من حيث كونها تتميز بالقدرة على تخطي عوائق عديدة كالأمية, الحواجز النفسية, التبعية الإعلامية ونقص الوعي الإعلامي. ومما لاشك فيه إن الإعلام إذا إستكمل مقوماته ووسائله الصحيحة وأُحْسِنَ إستخدامه في مجتمع ما, كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق.. رقصة تحيل أربعة عسكريين إلى التحقيق • فرانس 24


.. -افعل ما يحلو لك أيام الجمعة-.. لماذا حولت هذه الشركة أسبوع




.. طفلة صمّاء تتمكن من السمع بعد علاج جيني يجرّب لأول مرة


.. القسام: استهداف ناقلة جند ومبنى تحصن فيه جنود عند مسجد الدعو




.. حزب الله: مقاتلونا استهدفوا آليات إسرائيلية لدى وصولها لموقع