الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليكن الثامن من آذار...يوما لإنصاف المرأة الريفية العراقية...؛؛

علي الأسدي

2009 / 3 / 5
ملف 8 اذار/مارس يوم المراة العالمي- 2009-اهمية وتاثير التمثيل النسبي (الكوتا) في البرلمان ومراكز صنع القرار في تحقيق مساواة المراة في المجتمع


برغم كل ما يكتب عن معاناة المرأة في المدن العراقية يظل ترفا مقارنة بما يحيط المرأة الريفية من حرمان وقهر. ولعلني هنا أقترب من بعض همومها وليس جميعها ، فهي وحدها ولا أحد غيرها قادر على وصفها والتعبير عنها ، فهي من يتألم ويشعر بالإذلال ، وهي من يتعذب ويبكي. هي من تعاني من زفاف لرجل لا تعرفه ربما بعمر والدها ، وهي من تحرم من طفولتها في عمر التاسعة لينتهي بها الحال زوجة ، وهي في ذلك العمر تحمل وتلد وتربي وتطبخ وتطعم ، وهي من تعد النار للتنور لأعداد أرغفة الخبز. وهي من يحمل أوعية الماء إلى البيت من النهر قاطعة عشرات الأمتار عدة مرات في اليوم. وهي من تقوم بغسيل الملابس كما كانت تفعل شقيقاتها في القرون الوسطى ، وهي من تورد الماشية وتحلبها و تجمع الدجاج عند الغروب لتحميه من سطوة ابن آوى الذي يتربص بهن ، وهي من تنظف البيت وتعد أفرشة النوم لأفراد العائلة. والأشنع من ذلك كله هي من تذبح قربانا لصيانة الشرف المخدوش ، تنفيذا لعادة لم تقرها شرائع الأديان وأخلاقيات الحضارات وإنسانية الإنسان.

وعندما يخلد الجميع للنوم ليلا ، تحتضن الرحى لتبدأ رحلة كدح القسم الثاني من يوم عملها العبودي ، حيث تقوم بطحن الحبوب طوال الليل لتحضير طحين الخبز لليوم أو للأيام التاليات. ومع دوران الرحى تشدو ترنيمة الحياة بكاءا ناطقا ينتقل عبرالأثير إلى أسماع الملائكة والصديقين والناشطين في مجال حقوق الإنسان في كل أطراف الدنيا :
يمة يا يمة ، لا تحسبين الرجل والي
تره فيه مثل في البواري دوم الشمس منه تلالي
يمة يا يمة.لا تحسبين الر جل والي......

ليس هذا كل شيء ففي حياتها الغرائب. إن عليها أن تستجيب لأوامر سيد البيت ، القن الذي يتقمص دور إقطاعي جحود لا يعرف الرحمة والتسامح ، وإن تقاعست أو لم تسمع فعليها أن تتوقع تعنيفا وشتيمة ورفسا وضربا بالأحذية وبأي شيء في متناول يديه ، وما عليها غير الطاعة وأن لا تتذمر أو تنبس بكلمة ، وإن تذمرت وقاومت لاإراديا فمصيرها الطرد الى بيت والدها ، وإذا لم يكن لها من تلجأ إليه فما عليها غير البكاء بصمت. إن سيادة الرجل عليها مطلقة ولا مجال لاستثناء في بيته ، وأي تهاون في مراعاة ذلك القانون غير المكتوب يعني جرح لكبريائه واستهانة برجولة ورثها يحافظ عليها بكل ما أوتي من تجبر وقسوة ورعونة.

ليس للمرأة في الريف العراقي من تشكو له حالها أو تنقل له جحود الآخرين لحقوقها ، أو تعبر له عن آلامها ، أو تستشيره في أي أمر من أمور حياتها سواء كان عليها أو لها ، فأكثرية القرى في ريفنا العراقي تفتقر لأي شكل من أشكال مؤسسات الدولة المدنية أو مؤسسات المجتمع المدني. لا توجد منظمات نسائية أو مراكز طبية صحية بدنية أو نفسية من أي مستوى ، وإن وجدت ففي أبسط صورها كمضمد أو موظف صحي وأغلبها في المدن وهذه تبعد عدة وأحيانا عشرات الكيلومترات. المرأة هناك تتعذب وتشقى وتهان وتقتل بدون عقاب ، وتكدح في البيت والمزرعة والمرعى دون كلمة شكر أو ثواب.

هكذا دون مبالغة هو الواقع الذي تجد المرأة الريفية فيه منذ ولادتها وحتى آخر يوم في حياتها. و ورغم تدفق موارد النفط والتي تضاعفت خلال ربع القرن الماضي عدة أضعاف عن مستواها في ستينياته إلا أن المستوى المعيشي والخدمي لسكان القرى العراقية لم يتغير كثيرا ، فالكثير منها محرومة من متطلبات الحياة الأساسية وبشكل خاص من الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية. إن هذا الواقع يضاعف متاعب المرأة الريفية لأن عبئه الأكبر يقع عليها بالدرجة الأولى. أما الر جل فله عالمه ، له مقهاه ومضايفه في القرية ، وله حرية التنقل بين القرية والمدينة حيث يقضي أياما فيها متى ما شاء متمتعا بما تجود به حياة الليل والنهار فيها. أما هي ، فالبيت محيطها الأبدي إلا إذا أتاح لها حظها أن تذهب لزيارة الأضرحة الدينية حتى لو مشيا على الأقدام للترويح عن نفسها بالبكاء والتعاويذ والدعاء بالفرج في الآخرة ، ففي الدنيا لا تعمل الأدعية ولا ينفع الرجاء في ظل سلطة سيد البيت زوجا كان أو أبا أو أخا فالكل سواء. الأم وحدها إن وجدت فهي من تفتح قلبها لأبنتها المظلومة والمهانة ، فتخفف من أوجاعها وتشد من عزيمتها وتمسح دموعها وتسمع شكاواها ، ففي ذلك بعض العزاء وراحة النفس بدونه الجحيم وعليها أن ترضى به عالما لحين انتقالها إلى عالمها السفلي.

إن معونات شبكة الحماية الاجتماعية التي نسمع عنها في المدينة وخاصة بغداد وبعض المدن الكبرى هي حكر على سكان المدن ، وليس لأرامل وأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة من سكان الريف العراقي نصيب فيها ، وكأنهم غرباء عن هذا البلد و دخلاء على نظامه الديمقراطي الذي على ما يبدو وجد فقط لأهالي المدن الكبرى. ظلم وتمييز آخر تواجهه المرأة الريفية من مجتمع المدينة الذي تناساها تماما وهي التي ظلت لمئات السنين تنتج الخيرات لسلة غذائهم.

حري بنا نحن سكان المدن المترهلة ، وبرغم ما نعانيه من إهمال لحقوقنا وبعثرة لمواردنا ، أن نقف إجلالا ، تقديرا لتضحيات المرأة الريفية أما أو زوجة أو أختا أو ابنة ، وأن نعمل ما بوسعنا لإنصافها بضمان كرامة العيش التي تستحق دون منة ، فهي أحق منا بالكرامة والاحترام والتقدير.
و أرى أن يكرس الثامن من آذار لهذا العام ، لنصرة حقوق المرأة الريفية ، وحث كافة منظمات المجتمع المدني أن تنقل وتكرس جزءا من نشاطها لصالح تحسين ظروف عيشها وعملها ، وقبل كل شيء احترام شخصيتها ومكانتها في الأسرة والمجتمع ، وما يتطلبه ذلك من نشر ثقافة حقوقها الإنسانية في صفوف المجتمع الريفي العراقي وبخاصة بين الذكور.
علي ألأسدي
البصرة / 4 / 3 / 2008










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟