الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا حزب الله لا حزب الوطن.. لاحزب الملك

عبد الإله بوحمالة

2009 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في الخطاب السياسي والإعلامي تظهر أحيانا مغالطات وأفكار خاطئة تتحول بفعل التكرار الجمعي إلى ما يشبه الحقائق الثابتة التي لا تناقش. وقد تصبح هذه المغالطات في حكم المسلمات حينما يتواطأ قائلها والذي قيلت فيه على تمريرها وتركها تروج وترتع في حقل التداول بكل حرية وغموض لأنها تصادف هوى معينا عند الطرفين معا في قضية ما.
من ضمن المقولات التي تتوفر فيها هذه الصفات بوضوح، طفت مؤخرا إلى سطح الخطاب السياسي الحزبي المتداول، مقولة "حزب الملك"، التي أطلقتها بعض الأحزاب، وتداولتها بعض المنابر الصحفية، الحزبية والمستقلة، ككناية عن مشروع "حزب الأصالة والمعاصرة" وذلك من خلال الإحالة، أولا على المسار المهني والسياسي لمؤسسه علي الهمة وعلاقته الشخصية بالملك، وثانيا من خلال التشكك إزاء الطريقة التي ظهر بها الحزب بغثة إلى حيز الوجود وتحوله السريع من "وافد جديد" يبحث عن موطئ قدم في المشهد السياسي إلى رقم حاسم لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية وتفاعلاتها.
تسمية حزب الأصالة والمعاصرة بـ "حزب الملك"، ليست استثناء في التاريخ الحزبي بالمغرب، فقد تم تداول تعابير مماثلة في الماضي أطلقت على أحزاب أخرى كحزب "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" الذي أسسه أحمد رضى كديرة لمواجهة الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية (خاصة اليسارية منها)، حيث كان هذا الأخير بدوره مقربا من الملك الراحل الحسن الثاني، وكان صديقه بل رجل ثقته في الحكومة.
كما أطلقت نفس التسمية، ولو بصيغ أخرى قريبة في الدلالة، على أحزاب جاءت فيما بعد وكانت تسمى أحزابا إدارية أو أغلبية لأنها أسست بإيعاز ودعم من الدولة، لتخدم استراتيجيات هذه الأخيرة ومشاريعها، بعيدا عن أي انبثاق من رحم المجتمع المغربي ومجردة من أي تبني لفكر أو إيديولوجية أو تصور للحكم أو حتى مشروع للتنمية باستثناء ما تفرضه الدولة وتطبقه.
وإذا تأملنا الحمولة الدلالية التي تحملها عبارة "حزب الملك"، في سياق استعمالها السياسي السلبي للخصوم، نجد أن المراد بها جملة من الدلالات النقدية المبطنة، منها على وجه الخصوص:
أولا: الإحالة على الولادة الطارئة للحزب باعتبار تأسيسه من الفوق بسرعة قياسية وبلا سابق مخاض، وهذا معناه أن الحزب، من منظور الأحزاب المنافسة، تكون في رحم اصطناعي غير الرحم الطبيعي للمجتمع وفئاته وطبقاته، وأنه ولد بطريقة مغايرة للولادات الطبيعة وخرج إلى الوجود خروجا استثنائيا أهم مميزاته أنه حزب جاهز ومصنوع.
ثانيا: أن لحظات البداية الأولى لهذا الحزب لا تتلاءم مع منطق البدايات الحزبية المعهودة، فالحزب لم يولد كضرورة حتمية لتفاعلات فكرية أو اجتماعية، بل وجد كفكرة طارئة تحولت بسرعة إلى كهيكل تنظيمي قبل أن يُبحث لهذا الهيكل عن أطر و"مناضلين"، من الأعيان ومن شتات الأحزاب الأخرى، وقبل أن تخلق له في مرحلة لاحقة قواعد جماهيرية، وهو عكس ما يحدث في الحالات العادية المرتبطة بسيرورات التأسيس ومخاضاته الطبيعية.
ثالثا: أن هذا الحزب حزب نخبة أسس من طرف أسماء بارزة من النخبة وهذا الحكم لا يحتاج، في نظر الأحزاب الرافضة للمشروع أو المتحفظة منه، إلى دليل يتعين انتظار تأكيده من المستقبل بقدر ما يحتاج إلى استحضار لنموذج مستوحى من الماضي، تمثله حالة جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك)، في تاريخ الأحزاب السياسية المغربية من باب قياس الشاهد على الغائب.
رابعا: بناء على المقدمات الثلاث السابقة لا يمكن أن يكون هذا الحزب بهذه النشأة، حسب منظور الأحزاب المنافسة، حاملا لأي طرح إيديولوجي أو مستندا على أية مرجعية فكرية أو مذهبية تبرر وجوده وتشرعن تمثيليته للمواطنين.
خامسا: لا يمكنه أن يكون كذلك حاملا لمشروع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي خاص له لونه وبصمته المميزة وبالتالي فإنه حزب إداري صرف خلق لينفذ فقط ولم يخلق لكي يحكم ويقرر ويتحمل مسؤولية ما يفعل.
سادسا: بما أنه حزب تابع غير مستقل بذاته وقراراته فإن ما يجمع مناضليه سوف لن يكون أكثر من فكرة تأسيس الحزب في حد ذاتها وليس شيئا آخر.
ثم في مقابل هذه الحمولات النقدية السلبية التي رمت إليها الأحزاب المنافسة والصحافة من خلال نعتها لحزب الأصالة والمعاصرة بحزب الملك في خطابها السياسي، هناك، من جانب آخر، ما يبرر صمت هذا الأخير واطمئنانه لهذا النعت، أي أن عباءة "حزب الملك" التي ألبست للحزب لها في تلافيف إيحاءاتها السلبية الظاهرة التي ذكرنا إيجابيات ربما تخدم مصالح الحزب التاكتيكية والاستراتيجية وتلمع صورته الإعلامية من حيث لا يحسبون وبالتالي كان من الطبيعي ألا يسارع الحزب إلى نفيها عن نفسه هكذا مجانا وبلا حساب دقيق ومتأني وذلك من باب رب ضارة نافعة.
ومن الإحالات الإيجابية لهذه العبارة نجد:
أولا: أن الحزب، بالنظر إلى شخصية مؤسسه، يبدو كأنه مقرب فعلا من الملك وبالتالي فوجوده على الساحة مشروع مشروعية فوق العادة، جزء منها يأتي من الدستور وجزء منها يضمنه القانون، وفي هذا يلتقي مع باقي الأحزار الشرعية، ثم الجزء الثالث وهو الأهم هنا أن هذه المشروعية مكرسة برضى وعطف ملكيين قد لا يتوفران بنفس القدر ولا بنفس التعبير بالنسبة للأحزاب الأخرى.
ثانيا: أن هذا الحزب سيبدو رغم حداثة نشأته مؤهل منذ البدء ليتقاسم مع الملك مشروعه المجتمعي وبالتالي سينظر إلى تأسيسه في هذا السياق وكأنه جاء ليحمل على عاتقه دعم هذا المشروع وتنفيذه.
ثالثا: أن الحزب بصفته "حزب الملك" سيبدو كأنه تجسيد للتصور الملكي لنمط الأحزاب التي يحتاجها المغرب أو على الأقل تحتاجها مرحلة العهد الجديد.
رابعا: سيبدو أن الحزب، لا يتمتع بحظوة هذ اللقب إلا لكون مبادئه تتطابق مائة بالمائة مع التوجهات الاقتصادية والاجتماعية التي يرمي إليها الملك.
خامسا: وبصفته تلك دائما سيبدو كأنه يمثل النموذج المفارق لما هو موجود على الساحة السياسية من أحزاب، أي أنه هو الحزب الذي استطاع أن يجمع في ذاته ما تفرق في غيره من الأحزاب الأخرى أي أنه:
ـ حزب ولد قويا ويمكن أن يهيمن على الساحة في ظرف وجيز، وهذا على خلاف الأحزاب التقليدية التي تفككت أكثر من مرة وذهبت ريحها وتسرب إليها الضعف؛
ـ حزب جامع يضم أطرا من مختلف المشارب الإيديولوجية ولا يستند إلى مرجعية جاهزة أو جامدة، بمعنى أنه لن يلتزم على طول الخط بإطار إيديولوجي واحد أو ضيق، وذلك على خلاف أحزاب اليسار أو اليسار المتشدد أو الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛
ـ حزب بلا تاريخ صراع مع الدولة ومن ثم بلا أجندة مطالب سواء كانت دستورية أو سياسية أو نقابية، وهذا على خلاف كل الأحزاب الموجودة التي سبق لكل منها أن انخرط في معارضة أو نادى بمطلب من المطالب، في لحظة من اللحظات.
لكن وبصرف النظر عن المستفيذ والمتضرر من رواج هذه العبارة ظرفيا بين الأحزاب هناك ثلاث ثأثيرات أخرى أكثر خطورة تطال جوانب أهم وأعمق من الحياة السياسية نعرضها كالتالي:
أولا: التأثير المباشر على العملية الانتخابية المقبلة، فاستمرار الإيحاء بأن حزب الأصالة والمعاصرة هو حزب الملك وترويج هذه المقولة بين عموم الناخبين سيفعل فعله بلا شك في توجيه العملية الانتخابية بشكل كبير لصالح هذا الحزب. في حين لن تستطيع الأحزاب الأخرى المنافسة بلورة شعار مضاد أو أقوى مهما حاولت أن تفعل.
ثانيا: التأثير على المبدأ الديموقراطي وعلى الحياة الديموقراطية في التنافس بين الأحزاب، حيث سيظهر حزب الأصالة والمعاصرة بمظهر الحزب المدعوم من قبل الدولة حتى لا نقول بمظهر الحزب الحاكم أو الحزب الوحيد.
ثالثا وأخيرا: وهذا هو الأهم التأثير على صورة الملك كسلطة فوق الأحزاب مجتمعة، وتوهيم صورة بديلة لمبدأ التحكيم بإحداث تمايز في المسافة الموجودة بين الملك والأحزاب السياسية يظهر من خلالها حزب الأصالة والمعاصرة هو الحزب الأكثر قربا، ومن ثمة إعطاء الانطباع بأن الملك شريك في المسؤولية المعنوية لنمط التدبير الذي سينخرط فيه حزب الأصالة والمعاصرة في حالة وصوله إلى الحكومة بعد أي تعديل ممكن أو بعد انتخابات 2012.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف