الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الرسالة:من الحمام الزاجل الى البريد الإلكتروني ومن فان كوخ الى عواد ناصر! 6 من 7

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 31
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


قبل أن يصل إلينا هذا الساحر العجيب، الذي أسمه البريد الالكتروني، كانت عملية كتابة الرسالة بخط اليد وإرسالها بالبريد العادي، تشبه واجب التعزية بوفاة أحد الجيران. أما إذا كان "المُرَسل إليه" من ثقيلي الظل، فهذا معناه المشي وراء الجنازة. والمشكلة في الأمر لا تكمن في كتابة الرسالة فقط، مع أنها تحتاج إلى بعض الوقت وبعض المزاج، إنما تكمن في "رحلة" إرسالها. فأنت ، إذا كنت تسكن خارج، أو في أطراف مركز المدينة، عليك أن تذهب باكراً، تحسباً لمشكلة المواصلات وزحمة السير، ومن ثم تقف بالدور لكي تحصل على الطوابع البريدية، وبعدها تتزاحم مع حشود المُرسلين لكي تودع رسالتك فتحة ذلك الصندوق العجيب، الذي يشبه صندوق الدنيا. وعلى الرغم من أنك ستشعر بالراحة بعد أن تودّع دائرة البريد، على أمل أن لا تعود إليها قبل أقل من شهر، إلا أن قضية وصول أو عدم وصول رسالتك، سيظل احتمالا وارداً قد يؤرقك أسبوعاً آخر أضافيا.
طبعاً كان (وقد لا يزال؟) للطريقة التقليدية السابقة، في كتابة وإرسال الرسائل، بعض الحسنات، منها أنك قد لا تكلف نفسك الرد على رسالة وردتك من شخص ثقيل أو فضولي. ويمكنك الادعاء، إذا ما عاتبك ذلك الشخص يوماً، بأنك أجبت على رسالته فور ورودها، وقد يكون ردك ضل الطريق إليه! وهذا ممكن الوقوع في زمن البريد العادي، لكن في زمن البريد الالكتروني ليس هناك من حيص بيص، فالرسالة التي تبعثها ولا تصل ستعود إليك حتماً، لذلك فالمُرسل والمرَسل إليه يعرفان معاً حقيقة الأمر ولا مجال للأكاذيب.
قبل فترة قصيرة كتبتُ آخر رسالة (عادية) وقررت بعدها أن لا أراسل من ليس لديه بريداً إلكترونياً، لأنني أضعت نصف نهاري في عملية الوصول إلى دائرة البريد في المدينة، بسبب زحمة السير. لكن المشكلة التي واجهتني هي أن المرَسل إليه كان الصديق، الروائي الكبير، فؤاد التكرلي، الذي يصّر على المراسلة بخط اليد وبقلم الحبر "الباركر" حصراً، لأنه يؤمن بأن الأحاسيس والمشاعر الإنسانية الحقيقية لا يمكن أن تنتقل عبر الألياف الألكترونية والأسلاك غير المرئية، بل عبر الحبر الصيني وتعرجات الخطوط وذبذبات الروح!.. والأستاذ العزيز فؤاد على حق، فأنا نفسي لا أزال أعتقد أن الرسالة، عبر البريد الإلكتروني، تبدو خالية من الإحساس، الذي تنقله الرسالة العادية المكتوبة بخط اليد. وكما أذكر أنني انزعجت مرة، وهذا قبل سنوات، من الصديق القاص عبد الله صخي، لأنه بعث لي برسالة شخصية مكتوبة على الآلة الكاتبة، إذ اعتبرت ذلك إهانة لصداقتنا!
وما دمنا بذكر الأستاذ فؤاد التكرلي، أنقل هنا مقطعاً من رسالة وصلتني منه بتاريخ 29 / 3 / 2002 رداً على سؤال عن الفارق بين روايته الشهيرة "الرجع البعيد" ورواية غائب طعمة فرمان "النخلة والجيران" فقال: (..الأمر المشترك بين "النخلة" و"الرجع" هو أنهما روايتان تستمدان مادتهما الخام من المجتمع العراقي وتحاولان أن تثبتا هوية هذا المجتمع، كل واحدة على طريقتها الخاصة. بعد ذلك تبدأ الاختلافات، فهنالك الشكل والتركيب الفني والرؤيا العامة، وكل قضية من هذه القضايا تحتاج لشروح نقدية ليس هذا مجالها...) وعن شعوره وهو يعيش في المنفى قال: ( أخي جمعة ...أنا، جسدياً، خارج العراق، لكني أعيش فيه بشكل من الأشكال. وما تغير مني، ربما، هو إمساكي بحدود طاقتي اللغوية، وهو أمر كان في غاية الأهمية).
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تقرر بالإجماع تجنيد الحريديم | #غ


.. مظاهرة في مارسيليا ضد مشاركة إسرائيل بالأولمبياد




.. الرئيس السابق لجهاز الشاباك: لا أمن لإسرائيل دون إنهاء الاحت


.. بلا مأوى أو دليل.. القضاء الأردني: تورط 28 شخصا في واقعة وفا




.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق