الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت على موت

عبدالوهاب عزاوي

2009 / 3 / 8
الادب والفن



"نص مفتوح"

صوتٌ
يا إلهي..
لقد أُصبت
هذا السائل الدافئ.. إنه دمي
وهذا النفق في صدري
لا بد أنه درب طلقة
لا إنه أوسع.. لا بد أنها شظية
طعمٌ مالحٌ في فمي
(لا بد أنه دمي.. هذا ما يحدث في الأفلام)
يا إلهي..
ما سأفعل
تمر الصور بسرعة
عرقي بارد
والوهن يشلّ ساقيّ
تمر الصور سريعة
كطلقات.. أو كأصوات طلقات
يُقال: " قبل الموت ترى أهمّ لحظات حياتك"
لا أعرف ما أرى
فوضى هائلة
أمّي وهي تغني
قبلتي الأولى
أول مرة أمارس عادتي السرية
ما هذا..
أيعقل أن أقضي ثواني حياتي الأخيرة في ..
لا..
أرى ساقي المجروحة أولَ مرة أركب فيها الدراجة
يدي المكسورة تحت الشمس القائظة
ليس عدلاً ..
ألا يكفيني ما بي من الألم " من المفترض أني أتألم"
هل سأفشل في الموت أيضاً
أنا سيد اللحظات الباقية
لا تقاطعوني..
انظر إلى هؤلاء المساكين يتجمعون حولي
يعصرون الجرح بأكفهم
وقمصانهم
يا لهم من مساكين
يظنون أن الدم يوقف بالآمال البسيطة
من الجميل أن تنظر في عيونهم
آمالهم صادقة
الصمت يطغى
لم أعد أسمعهم رغم أن أفواههم تتشنج
تُفتح وتُغلق والرذاذ يتطاير
وأكفهم المدماة تلوّح
يحملونني على لوح
"فلنعتبره مجازاً لنقالة"
وجهي يقابل السماء الدخانية
تذكرتُ
كأسَ الحليب
أمي وهي تسقيني الحليب
في البرد القارس
وهي تفرك يديّ
عيناها تدخلان فيّ
لابد أنها تفكر في ما أفكر فيه
ليتني كنت قادراً وقتها على فهمها وطمأنتها

كأس الشاي الساخن في البرد
حول المدفأة
لا شيء يواسي قدر التجمع حول الدفء
وحولك أناس تحبهم
أناس يتوازعون الألم
ظهورهم محنية
حتى الأطفال منهم
لكن قلوبهم قادرة على التقاط أبسط تفاصيل الفرح
يا إلهي ..
تتسرب الذكريات بين يدي
إنها ساخنة أكثر من الدم
تسير سيارة مريضة
" مجاز متوقع لسيارة الإسعاف "
السائق متوتر
لا أعرف إن كان خوفاً عليّ أو خوفاً من الموت
أقصد موتي أو موته المحتمل من أي صاروخ قادم
أرفع رأسي قليلاً
أرى قماشة السماء الرمادية
أغرق
أتذكر أول مرة أتعلم فيها السباحة
رعبُ الماء
يشبه رعب السماء الرمادية
لا بأس.. لا حقاً أحببت الماء كأنثى
أغرق فيها برغبتي
هل ستكون السماء برقتها
هل سأمضي للسماء
هل لي أن أرى الله
أيها السائق ..
أيها السائق..
صوتي غائب
ليتني أوقفه قليلاً
لا لشيء إلا لأخبره أن يدفنوني في فسحة العشب الواسعة
لكن .. لا بأس
هناك المئات من الموتى
وأحياء مرشحون للموت وهم يُسعفون الموتى
وأحياء أكثر ترشيحاً للموت وهم يشيعون الموتى
وموتى مرشحون للتشظي بفعل صاروخ يقصف مقبرةً
فيها موتى ما زالوا يمسكون بشذرات الحياة
ما الذي أفعله
أهدر الثواني الأخيرة
يا لي من أحمق
لطالما كنت أهدر اللحظات الهامة
ترددي في البوح بالحب
لو أتيح لي الوقت
سأكون أجرأ عاشق في التاريخ
ما الذي سيحصل
سترفضني الفتاة
سأحاول مرة.. أخرى
عشر مرات أخرى
وإن فشلت ..هناك مئات الفرائس الأخرى لقلبي المتوحش
لكن .. الكارثة إن أحبتني
هل ستعشق شخصاً بحكم الميت
يا لها من فاجعة
أيها الله
لماذا..
لماذا تفجع عاشقة
لماذا نسيت أن تَحْبِكَ الحكاية
ونسيت الخاتمة السعيدة
كل مبرراتك لا معنى لها
أخبرني ..
أريد أن أعرف فيما تبقى لي من الحياة لا بعد الموت
لست نبياً..
ما المهم في الموضوع
إني ألفظ أنفاسي الأخيرة وهذا مجاز للنبوة
عُرف الحياة أن يُجاب الطلب الأخير لمن يُقبل على الموت
أخبرني أيها المتعالي القاهر المميت المتكبر المُذل
سأقول لك قبل أن أموت إني لم أحبب هذي الأسماء أبداً
لن أخشى شيئاً فأنا شهيد
سمعتهم يصرخون بذلك
حتى هم حكموا علي بالموت قبل أن أموت
وبالتالي مصيري الجنة بالتأكيد
أنا لا أريد حورك وعسلك
كل ما أريده الآن أن أعرف
لم أهملتنا..
ما معنى هذا الامتحان اللانهائي
ليس مهماً أين ستضعني في الجنة
إن كان فيها مراتب
بالتأكيد سأدخل الجنة لأني مؤمن بك
ولكني مغتاظٌ إلى حدود الموت
ألم يكن بالإمكان أن أموت بشكل أفضل
بقميصٍ أجمل مثلاً
أو بإرادتي لأكون بطلاً
لم لا تستشير عبادك قبل قتلهم
الكل هنا يتعامل مع الموت كاحتمال دائم
أقوى من المطر في كانون الثاني
لماذا..
انتبه أني أهدر ثواني حياتي الأخيرة
في الحوار من جانب واحد معك
أجبني..
احترم موتاك وأجبهم على الأقل
الضوء يَسوَدُّ
ضجة شديدة
حرارة ووميض
دخان
السائق نصف محترق
الصراخ يعلو خارجاً
لماذا لم أمت بعد
لا يهم
ما زلت أنتظر الجواب.

28-12-2008

عبدالوهاب عزاوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل