الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمامنا مستقبل لنكسبه

رمضان متولي

2009 / 3 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أثبتت حركة الإضرابات المستمرة منذ عامين تقريبا أن المجتمع المصري مجتمع حي وينبض بقوة حتى في أحلك الأوقات ورغم قيود الاستبداد والقمع الشرسة التي تكبل هذا المجتمع منذ عشرات السنين، وأن ما يزعمه بعض المثقفين العدميين حول موت السياسة في مصر لا يعكس إلا احباطاتهم الخاصة، فها هم العمال والموظفون والمحامون والصيادلة وغيرهم في مختلف القطاعات يعلنون التحدي ويحققون بعض الانتصارات في معاركهم ضد نظم الجباية والاستغلال والقمع التي كانت غير قابلة للنقاش منذ فترة قصيرة.

رئيس الوزراء اعتبر هذه الحركة إثباتا لقوة النظام الديمقراطي في مصر وتأكيدا على أن القانون المصري يسمح بحق الإضراب، هذا ما أعلنه في إحدى لقاءاته التلفزيونية مؤخرا. غير أن أغلب هذه الإضرابات لم تكن ملتزمة ببنود تنظيم الحق في الإضراب في القانون المصري التي تضع شروطا تجعل ممارسة هذا الحق مستحيلة في معظم الأحوال، كما أنها لا تثبت قوة النظام الديمقراطي في البلاد، لأن النظام المصري ليس ديمقراطيا بشهادة رئيس الوزراء نفسه عندما قال في إحدى رحلاته السابقة إلى الولايات المتحدة أن المجتمع المصري ليس مؤهلا بعد لتطبيق الديمقراطية.

الأهم من ملاحظات رئيس الوزراء التي لا تستند إلى منطق ولا واقع هو الهجوم الإعلامي المنظم على حركة الإضرابات الأخيرة باعتبارها ظاهرة غير مرغوب فيها وإشارة بعض البرامج في قنوات خاصة إلى ضرورة إيجاد مخرج حتى لا تلجأ كل فئة إلى الإضراب للمطالبة بحقوقها. هؤلاء الذين ينظرون تلك النظرة السلبية إلى الإضراب، سواء يدركون ذلك أم لا، لا يحترمون أهمية الإضراب باعتباره مدرسة للديمقراطية وخطوة هامة على طريق بناء قدرات المجتمع في مواجهة أنظمة الاستبداد، خاصة إذا تطورت حركة الإضراب وأبدعت أشكالا تنظيمية جماهيرية حرة تعزز القدرات التفاوضية والحركية للجمهور في الدفاع عن مطالبه وحقوقه، كما حدث في إضرابات عمال المحلة الذين طالبوا بعزل النقابة التابعة للإدارة وهددوا بالاستقالة الجماعية من الاتحاد العام لنقابات العمال، وكما حدث بشكل أوضح وأقوى في إضراب موظفي الضرائب العقارية الذين شكلوا نقابة مستقلة للدفاع عن مصالحهم.

رجال الأعمال وممثلوهم سواء في الحكومة أو منظمات الأعمال يرفضون بالتأكيد حركة الإضرابات، بل إن أكثرهم يدافعون عن الاستبداد على أنه مرادف للاستقرار والمصلحة العامة لأنه في جوهره يطمئنهم على استقرار الأوضاع التي يستفيدون منها ويطمئنون فيها على مصالحهم الخاصة. فهم أقوى في مواجهة الحكومة من غيرهم من فئات المجتمع وبعضهم مارس الإضراب بشكل غير معلن وتحت مراوغات مكشوفة مثل شركات الأسمنت التي أوقفت بعض خطوط الإنتاج بدعوى أعمال الصيانة من أجل زيادة الأسعار وبعضها الذي هدد بالإغلاق والانسحاب من السوق بعد قرارات 5 مايو الخاصة بأسعار الطاقة والمعاملة الضريبية. إنهم يرفضون إضرابات العمال والموظفين الذين يطالبون بحقوقهم لأن ذلك بالفعل سيعزز قوى المجتمع في مواجهتهم وفي مواجهة شركائهم في السلطة.

لكن مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع المصري، سواء المصلحة الاقتصادية أو المصالح السياسية، تتفق تماما مع ممارسة حق الإضراب وارتقائها إلى ممارسة حق التنظيم المستقل عن الاتحاد النقابي المؤمم وأشكال التمثيل السياسي والاجتماعي التي تعتبر امتدادا لأجهزة الدولة القمعية وتخللها الفساد من رأسها حتى إخمص القدم.

وكلما تزايدت الإضرابات وامتدت وتطورت إلى أشكال تنظيمية حرة كلما كان ذلك مدعاة للتفاؤل لكل المدافعين عن الديمقراطية والمناهضين للفساد والاستبداد، فموجة الإضرابات الأخيرة تثبت أن حاجز الرعب من الاعتقال والقمع قد تراجع قليلا بعد أن أصبحت فئات كثيرة في المجتمع لا تملك ما يمكن أن تخسره، وسوف يصبح المؤشر على تطور هذه الحركة وارتقائها أن تقتنع هذه الفئات أن أمامها ما يمكن أن تكسبه، وأن تسعى لبناء قدراتها من أجل تحقيقه.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد