الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نابليون بونابرت و أمريكا.. رب ضارة نافعة

عمرو اسماعيل

2004 / 4 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


أنا أعرف أن مقالي هذا سيثير غضب الكثيرين ولكني لا أبالي فقد آليت علي نفسي أن أقول ما أقتنع به رغم تأكيدي أنه ليس بالضرورة هو الصواب لأيماني أنه لا يوجد من يمتلك الحقيقة الكاملة وواجب من يكتب أن يحرك العقل و الرغبة في النقد لدي الآخرين, أن يحرك التفكير , أن يتساءل و يحاول الأجابة علي بعض تساؤلاته رغم أنه لن يستطيع الأجابة عليها كلها .. أن العقل النقدي هو قاطرة التقدم.. أما ثقافة التلقين و ثوابت الأمة وعمل السلف الصالح الي آخره فهي مقولات لم و لن تؤدي إلا إلي ما نحن فيه من تخلف.
و كلامي هذا موجه الي كل أنصار ثقافة التلقين في عالمنا الذين يقفون في وجه التقدم و الأصلاح السياسي و الاجتماعي في مصر خاصة و العالم العربي عامة.
أن مصر منذ عهد الخديوي اسماعيل , أي منذ أكثر من مائة و خمسين عاما هي دولة مدنية ,يحكمها قانون مدني رغم تغير نظم الحكم فيها.. من ملكية الي جمهورية .. من شبه ديكتاتورية الي شبه ديمقراطية.. ومنذ سنة 23 يستمد الحكم فيها شرعيته من خلال دستور مدني.. ورغم عدم رضائنا عن الدستور الحالي , دستور 71 ومطالبتنا جميعا بتغييره فأن التغيير لا بد أن يأتي من خلال آليات الدستور نفسه.. أي أن يقر الأصلاح الدستوري نواب الشعب ثم يوافق عليه الشعب في استفتاء عام.. ورغم أن الدستور الحالي يقر أن الأسلام مصدر أساسي من مصادر التشريع فقد تم الأستقرار أن الشريعة تطبق في قانون الأحوال الشخصية فقط من زواج و طلاق و أرث.. اما باقي المعاملات و العقوبات فتخضع للقانون المدني و الجنائي. أي أن مصر في الحقيقة و أن لم تكن دولة ديمقراطية بالمعني الحرفي للكلمة فهي دولة مدنية علمانية تم فيها فصل الدين عن الدولة في السياسة ويمنع فيها بحكم القانون تكوين الأحزاب علي أساس ديني.
وما ينطبق علي مصر ينطبق علي كل الدول العربية الأخري بلا استثناء ماعدا السعودية فهى في الحقيقة ليست دولة مدنية و لا دينية و لكنها دولة آل سعود اسما و مضمونا. فالحقيقة أن جميع الدول العربية هي دول مدنية و أن لم تكن ديمقراطية تم فيها فصل الدين عن الدولة و أن ادعت عكس ذلك.
وجميع المجتمعات العربية ما عدا السعودية مرة أخري هي في الحقيقة مجتمعات علمانية بمعني أنها قررت شعوريا أو لا شعوريا أن الدين و ممارسة شعائره هو اختيار شخصى لا يمكن فرضه من خلال الدولة او أي جماعة أخري ولذا تري المساجد و الحمد لله عامرة والفنادق و الملاهي الليلية عامرة أيضا.. تجد داخل الأسرة الواحدة من يفتح علي محطة أقرأ ليتابع عمرو خالد ومن يشاهد روبي و نانسي عجرم والعلاقة بين الجميع هي علاقة حب لأننا لا شعوريا نعترف بحق الأنسان في الأختيار.. أن الشعوب العربية في الحقيقة هي أكثر تقدما من حكوماتها و أكثر فهما للدين من الجماعات التي تحاول أن تختطفه لمصلحتها.
والدليل علي ذلك ان المحكمة في مصر قد حكمت بتفريق نصر أبو زيد عن زوجته تطبيقا لقانون الأحوال الشخصية فهل أدي هذا الحكم لأي نتيجة .. هل فرق فعلا بينهما في نظرهما أو نظر المجتمع.. فها ما زالا زوجين و سيظلا كذلك رغما عن أنف القاضي الذي أ صدر هذا الحكم و رغما عن أنف من حرك هذه القضية لمحاولة مصادرة حق كاتب و باحث في التفكير.
أما عن المرأة التي يحاول الجميع اختطافها في العالم العربي فهي رغما عن أنفنا جميعا نحن الرجال قد حصلت علي حقها في أن تقرر مصيرها بنفسها في مقابل بسيط و هو أن تطبق عليها قوانين الأحوال الشخصية في الزواج و الإرث.. حصلت علي حقها في الخروج الي العمل و المشاركة في الحياة العامة و السياسية.. في حقها أن تلبس الحجاب أو تخلعه.. بل و في حقها أن تخلع زوجها نفسه.
والمرأة في الريف المصري كانت دائما سافرة و كانت دائما مشاركة للرجل في الحقل و البيع و الشراء فهل تأثرت الأخلاق العامة في الريف.
لن تستطيع أي قوة أن ترجع بالمرأة المصرية أو العربية الي الوراء.. ولن يستطيع فرد أو جماعة أن تمنع دينا من الرقص أو روبي من الغناء كما لن تستطيع قوة أن تمنعهما من لبس الحجاب أو حتي النقاب أن هما أرادا ذلك.
لماذا هذه المقدمة الطويلة؟
لأثبات وجهة نظري في أننا استطعنا أن نطرد نابليون بونابرت من مصر ولكننا لم نستطع أن نتخلص من تأثير مباديء الثورة الفرنسية علينا.. لقد خلصنا نابليون من حكم المماليك الي الأبد و مباديء الدولة المدنية استقرت في مصر الي الأبد.. ونفس الشيء ينطبق علي الأستعمار البريطاني و الفرنسي.. لقد خرج الأستعمار البريطاني من بلادنا ولكن بقي نظامه المدني في الحكم و تحولت مجتمعاتنا في الحقيقة الي مجتمعات علمانية.
لقد خرج الأستعمار الفرنسي و لكن بقي القانون المدني يحكمنا.. لماذا ؟ لأنها حركة التاريخ والتاريخ لا يعود الي الوراء.
ونفس الشيء يحدث الآن مع الهجمة الأمريكية علينا .. سنتخلص عاجلا أو آجلا من الأمريكان ومحاولة سيطرتهم علي مقدراتنا لمصلحة اسرائيل ولكننا لن نستطيع أن نقف في وجه الأصلاحات الديمقراطية التي ينادي بها العالم أجمع لأنها حركة التاريخ الإنساني .. بالعكس كلما أسرعنا في تطبيق الأصلاحات الديمقراطية كان تخلصنا أسرع من الهيمنة الأمريكية.. فالديمقراطية هي الضمان الحقيقي للأستقلال السياسي و الأقتصادي.. وهي أسرع طريق لتحرير العراق و فلسطين .. ولكن للأسف تقاوم حكوماتنا هذه الحقيقة كما تقاومها بعض الأتجاهات القومية و الإسلامية في الشارع العربي حفاظا علي مصالحها .. وهي بالتالي تؤخر الإصلاح الذي يصب في مصلحة المواطن المصري و العربي في النهاية.
أن تبني حكوماتنا للإصلاح السياسي و الديمقراطي هو الوسيلة الوحيدة لتفعيل آليات العمل العربي المشترك و إصلاح الجامعة العربية التي لا أمل في إصلاحها ألا بإصلاح البيت الداخلي لكل دولة عربية علي حدة.
أما بالنسبة للجماعات أو التيارات أو حتي الأحزاب التي تخلط الدين بالسياسة فهي جماعات تلعب خارج القانون وتعيش خارج واقع مجتمعاتها التي هي مجتمعات مدنية وعلمانية تؤمن و تمارس حق الاختيار الشخصي للدين و ممارسة شعائره و من حق الحكومة أن تطاردها و تمنعها و أن تطبق عليها القانون المدني الجنائي أن هي استعملت العنف أو حرضت عليه.
كل ما تفعله هذه الجماعات من الأخوان الي القاعدة بصوتها العالي و بمحاولتها اختطاف الدين لمصلحتها السياسية أو بممارستها العنف أنها تؤخر التحول الديمقراطي في العالم العربي و تزيد من معاناتنا و تعطي الحجة للحكومات حتي تمارس المزيد من القمع السياسي للشعوب و تستعدي العالم علينا و تعطي الحجة لأمريكا أن تمارس المزيد من الهيمنة لمصلحة اسرائيل.
وكل الجماعات و الأحزاب التي تخلط الدين بالسياسة تعرف أنها لن تستطيع أن تصل الي الحكم بطريق سلمي أو قانوني مهما حاولت الالتفاف و المناورة مثلما فعلت الأخوان في مبادرتها الأخيرة ولن تستطيع السيطرة تماما علي الشارع المصري أو العربي فهو شارع علماني مهما بدا عكس ذلك ولن يتخلى بسهولة عن حرية الاختيار التي عرف طعمها الجميل منذ أكثر من مائة عام ولذا لا يتبقى أمام هذه المجموعة ألا العنف المعنوي بإطلاق عبارات التهديد و التشهير و اتهامات التكفير و الخيانة مما يمتليء به صندوقي البريدي أو استعمال العنف مما يضعها تحت طائلة القانون لتمتليء السجون بأعضائها أو الهروب الي الجبال مثل أعضاء القاعدة و أيمن الظواهري الذي تحول للأسف من جراح ينقذ الأرواح إلي إرهابي يزهق الأرواح باسم الإسلام و الإسلام براء منه.
الحقيقة إن الهجمة الاستعمارية الفرنسية و البريطانية في القرنين الماضيين حولت دولنا الي دول مدنية و مجتمعاتنا إلي مجتمعات علمانية .. وأنا أدعي أن هذا التحول حدث بإرادة الشعوب وليس فرضا من المستعمر الذي طردناه من بلادنا؟
فهل يحدث التحول الديمقراطي بإرادة الشعوب؟ نعم سيحدث و كل ما تفعله الهجمة الأمريكية أنها تسرع بهذا التحول.. رغما عن الحكومات و رغما عن جماعات الظلام السياسي و الفكري و رغما عن أمريكا نفسها.
ورب ضارة نافعة

د/ عمرو اسماعيل
jakoushamr@ hotmail.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية المبكرة..


.. مفاوضات الهدنة.. ضغوط متزايدة على نتنياهو لقبول الاتفاق




.. الناخبون الفرنسيون يصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات ال


.. اعتراض صواريخ في سماء جبل ميرون أطلقت من لبنان




.. قوات الاحتلال تقصف مدرسة العائلة المقدسة في غزة