الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سينما الخيال المريض

عبد الإله بوحمالة

2009 / 3 / 10
الادب والفن


كنت سأسمي هذا النوع من الأفلام "السينمائية" التي ظهرت مؤخرا في المغرب وأثارت جدلا إعلاميا وسخطا من قبل بعض شيوخ الدين، سينما مرحلة المراهقة، وكنت بلا شك سأكون محقا في اختيار هذه التسمية، لكنني تراجعت لكي لا أظلم هذه المرحلة الجميلة من عمر الأنسان حيث أنها لا تتميز فقط ببروز المعالم الجنسية عند المراهق وبتغير بعض سلوكاته بسبب النشاط الغريزي، ولكن لكونها أيضا مرحلة يميل فيها المراهق للرومانسية والحلم والاندفاع والثورة والتمرد بأبعادها المثالية والإيجابية، وهي أشياء غير موجودة في هذه الأعمال السينمائية التي أتحدث عنها للأسف.
ثم كنت سأدعوها "سينما المراهقة المتأخرة"، وعدلت عن هذا العنوان لأن المراهقة المتأخرة كما نعرف جميعا تأتي حتما بعد مرحلة طويلة عريضة من عمر الإنسان تحفل بالعطاء والإنتاج والخلق وتتميز بالنضج والجدية والمسؤولية، وهو ما نكاد لا نعثر له على أثر في فيلموغرافيا معظم هؤلاء المخرجين، فأغلبهم ما إن شطح حتى نطح كما يقال وكلهم تقريبا ابتدأوا قصيدتهم الركيكة من سطرها الأول كفرا.
ثم قلت ربما إن أنسب تسمية لهذه الأفلام الضحلة هي "سينما المرحلة الشرجية"، فربما هي الأكثر دقة لتوصيف ما أريد أن أقصد وما أريد أن أقوله في حق هؤلاء المخرجين الطارئين وأفلامهم، فهم يشبهون تماما ذلك الصبي الصغير الذي يستغل فرصة وجوده وحيدا بلا مراقبة لينشغل توا في اللعب ببرازه ويتمتع بهذا الفعل السري المقرف كثيرا لينتهي في الأخير بتلطيخ نفسه وتلطيخ محيطه المجاور بالقذارة والروائح الكريهة، لكني لاحظت أن هذه التسمية تفترض أن هؤلاء السينمائيين قاصرين وأبرياء وأن الضرر الناجم عن أفلامهم محدود الأثر تماما كما هو الشأن بالنسبة للعب الطفولي وهو ما ليس صحيحا لأن هؤلاء يدركون ما يفعلون ويقومون به عن تفكير وتدبير وعن سابق تخطيط وتشترك معهم في ذلك الجهات المانحة التي تصرف لهم دعما ماليا عن كل فيلم ترى أنه جذير بالدعم.
وحينما سميتها في الأخير "سينما الخيال المريض" على غرار سينما الخيال العلمي فلأن حظ هذه الأفلام للأسف من أي خيال آخر سواء كان علميا أو أدبيا أو فنيا أو حتى فانطاستيكيا فقير فقرا مدقعا، فهي مجرد نقل سطحي حرفي لواقع وقح تم انتقاؤه من مواخير المدن وخماراتها وتم التبئير فيه بشكل مفتعل وغير وظيفي على كل مظاهر الانحراف والسقم وكل مفردات العيب وألفاظ السباب والشتم لهدف واحد هو أن تقذف بمحتويات قعر المجتمع العفن إلى السطح لتنتشر القذارة وتفوح النتانة ويتلطخ الجميع وتتلاشى بالتالي من المجتمع أية قيمة أخلاقية أو دينية أو جمالية يمكن أن يتشبث بها الفرد أو أن يطمئن إليها.
إنني أتسائل كلما ظهر على الساحة السينمائية عمل سينمائي من هذه الطينة، سواء في السينما أو في التلفزيون، عن الميزة التي يمكن أن تميزه عن أفلام الإباحية وأفلام الجنس الرخيص التي عادة ما لا تكلف مخرجيها إلا وكرا مظلما وثلة من العاهرات والمنحرفين وتوليفة من المؤثرات الفنية والموسيقية التي تدغدغ العواطف وتخاطب الغرائز المكبوتة..
وأتساءل، عن القيمة المضافة التي يمكن أن يضيفها عمل مثل هذا للثقافة بالمغرب عموما وللثقافة السينمائية على وجه الخصوص، ونحن ندرك أنه ليس بمقدور أبرع هؤلاء المخرجين تقنية ولا أكثرهم جرأة ولا أوفرهم مالا مضاهاة حتى هذه الأفلام الخليعة المنحطة التي تباع على قارعة الطريق، وتعرض في الشاشات وعلى الأنترنت مجانا، في مستواها التقني والإخراجي العالي.
ما هي القضايا الاجتماعية أو السياسية التي يمكن لفيلم من هذه الأفلام، من خلال محتواه الأدبي ومعالجته الفنية، أن يطرحها للنقاش أو أن يخرق حجاب المستور الذي يغلفها، غير تلك الطروحات المتبرجزة التي يفشيها مخرجون مستلبون، لا يكفون عن شيطنة الإنسان المعوز الذي يقطن في الأحياء الهامشية ومدن الصفيح ولا يتوقفون عن التكسب بعرض صورة أوضاعه المخزية والمزرية سينمائيا بعد أن تاجروا بفقره وأميته وجهله في الواقع.
ثم أتساءل بمرارة، ألا يوجد في المغرب مثلا فضاءات أخرى أجمل وأنظف غير دهاليز الظلام وعطانة المواخير وعتمات الخمارات حيث القيء والدخان والضجيج وهستيريا الجنس والجريمة.
ألا يوجد في تاريخ المغرب القديم وحاضره الحديث بالمرة رجال أفذاذ وشخصيات سياسية أو ثقافية أو فنية أو إعلامية أو عسكرية محترمة تستحق أن نتناولها سينمائيا وأن نسلط الضوء على مناحي الإشراق والشرف في حياتها وإنجازاتها وقيمها المثلى غير عينة اللصوص والمجرمين والقوادين والشواذ والعاهرات والمنحرفين.
أليس في تاريخنا الطويل أحداث تاريخية وأمجاد وقصص بطولات يمكن أن نفتخر بالانتماء إليها وأن نؤرخ لها سينمائيا وتلفزيونيا ونربي أبناءنا على احترامها والاقتداء بها غير فتوحات العاهرات والشواذ وغزوات اللصوص النهابين والمجرمين في شوارع مدينة الدار البيضاء بعد منتصف الليل.
أليس للرجال المغاربة وللنساء المغربيات الشرفاء البسطاء أحلام جميلة ومشروعة يناضلون من أجل تحقيقها بالدم والعرق وتستحق أن تكتب كقصص وسيناريوهات وأن تنتج كأفلام، غير أحلام الثراء السهل والمتاجرة في المخذرات ونخاسة اللحوم البشرية.
هل تيبس الخيال الإبداعي عندنا وجفت ينابيعه إلى الحد الذي أصبح فيه المخرج السينمائي، من هذه الفئة ولا أقصد الجميع، يستعيض عن الفكرة الجيدة والنص المحبوك بما يرشح بسهولة من خياله المريض واستيهاماته المكبوتة من عفونة لينجز فيلما إن صادف ولم يكن من سرير بيته فمن الخمارة وإن لم يكن من الخمارة فمن الماخور ولا غير.
ألا يوجد في نصوص قصاصينا وروائيينا المبدعين ما يستحق تحويله إلى سيناريو لفيلم سينمائي أو تلفزيوني محترم بموضوع محترم ومعالجة فنية لا تستسهل نقل الواقع الوقح بوقاحة أنكر وتدخلها إلى بيوتنا عبر التلفزيون بالإكراه.
ثم في الأخير هل كتب علينا هنا في المغرب أن نهاجر سينمائيا كلما بحثنا عن الجودة والإبداع والجمال، فقط لأن الوسط السينمائي عندنا عفن وموبوء ومبتلى بثلة من المخرجين من عديمي الموهبة وميتي الضمير لا يتقنون إلا عرض ملابسهم الداخلية الوسخة عبر الشاشتين الكبيرة والصغيرة، مستعينين في ذلك بممثلات الصف العاشر ممن لا موهبة لذيهن غير موهبة التعري والتغنج وترديد الكلام الساقط، وممثلين لا يهمهم أن يفخروا بدور فيه جرأة سياسية أو حمولة فكرية أو رسالة أخلاقية، بقدر ما يفاخرون على الملإ بأدوار الشذوذ والعادة السرية والقبل المجانية مما لا يرضى به حتى الكومبارس المغمور العابر.
صحيح أمام هذا الخيال المريض المحموم لا نملك إلا أن نقول: "إن لم تستحي فاصنع ماشئت".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «بوحه الصباح» رجع تاني.. «إبراهيم» جزار يبهر الزبائن والمارة


.. مختار نوح يرجح وضع سيد قطب في خانة الأدباء بعيدا عن مساحات ا




.. -فيلم يحاكي الأفلام الأجنبية-.. ناقد فني يتحدث عن أهم ما يمي


.. بميزانية حوالي 12 مليون دولار.. الناقد الفني عمرو صحصاح يتحد




.. ما رأيك في فيلم ولاد رزق 3؟.. الجمهور المصري يجيب