الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرّب

صبحي حديدي

2009 / 3 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الثامن من آذار (مارس) هو اليوم العالمي للمرأة، ولكنه عند أبناء سورية يسجّل ذكرى مختلفة تماماً، مريرة وبغيضة ومشؤومة: في هذا اليوم، سنة 1963، قام ضباط بعثيون وناصريون بانقلاب عسكري ضدّ حكومة الإنفصال، وفرضوا ـ بين ما اقترفوا في ميادين عديدة، تخصّ حاضر البلد ومستقبله ـ قانون الطوارىء والأحكام العرفية؛ هذه التي ما تزال سارية المفعول، بعد 46 سنة. ولكي لا يمرّ اليوم دون ذكرى وتذكرة، شاءت السلطات الأمنية أن تستند إلى تلك الأحكام، فتمنع الروائي والناقد نبيل سليمان من مغادرة البلاد، فردّته من مطار دمشق.
سليمان، بذلك، انضمّ إلى اللائحة الأحدث عهداً في مسلسل منع المثقفين السوريين من السفر، وهذه شملت عمر أميرألاي ومحمد ملص وعادل محمود؛ فضلاً عن اللائحة الكبرى التي تضمّ عشرات من المعارضين، وناشطي المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان. بالطبع، هذه السلطات لا تُعلِم الممنوع بأنّ المنع قد فُرض عليه، بل يلذّ لها أن تتركه يصل إلى كوّة الجوازات الأخيرة قبل الصعود إلى الطائرة، فتبلغه بالقرار، ويكون عليه تدبّر عواقب إخطار مباغت لم يكن يخطر على البال! كذلك فإنّ رفع حظر السفر، إذا شاء جهابذة الأجهزة أن يتكرّموا به على الممنوع، ليس البتة شبيهاً بفرضه: الأخير يتمّ بجرّة قلم، واستناداً إلى وشايات سرعان ما يتضح أنها ليست كاذبة فحسب، بل هي لا تصمد أمام أبسط تدقيق عقلي؛ ولكنّ الأوّل، السماح بالسفر مجدداً، دونه خرط قتادٍ يجعل محاكمة السيد جوزيف ك.، بطل رواية فرانز كافكا الشهيرة، أضحوكة، بالقياس إلى ما يلقاه المواطن السوري في أروقة، أو بالأحرى: أقبية، الأجهزة الأمنية السورية.
وليس الأمر أنّ سياسات التنكيل هذه جديدة أو طارئة على عهد بشار الأسد، بل المغزى يتمثل في أنها تزداد انحطاطاً في الأساليب والطرائق والنطاق، من جهة أولى؛ كما تأخذ، من جهة ثانية، صفة السيرورة المتتابعة المتعاظمة التي لا تتباطأ إلا مؤقتاً، لكي تتسارع وتشتدّ وتستشرس. ذلك لأنّ سليمان، للتذكير، كان قد تعرّض لاعتداء بالضرب في اللاذقية، مطلع العام 2001، لأسباب سياسية بدت واضحة جليّة (نشاطه في منتديات الحوار ولجان المجتمع المدني آنذاك)، إلا عند الذين تقصدوا كمّ الأعين وعقد الألسن. ثمّ سافر بعدها، مراراً، إلى العالم العربي وأوروبا، ولاح أنّ الأجهزة قد "حلّت" عن ظهره، حتى جاء قرار المنع الأخير، فردّ الأمور إلى المربّع الأوّل... الذي نرجو أن لا يكون أسوأ من مربعات سابقة!
تلك، إذاً، سيرورة بدأت منذ الأشهر الأولى التي أعقبت رحيل الأسد الأب وتوريث ابنه حكم البلاد، وكان بين تباشيرها اجتماع رئيس الوزراء السابق محمد مصطفى ميرو (الذي قيل إنه جاء لكي يقلب تراث سلفه، محمود الزعبي، المنتحر فساداً كما سّولوا للعباد)، مع السينمائيين السوريين. ولقد لوّح بإعادة المؤسسة العامة للسينما 37 سنة إلى الوراء، واعتبر أنها ليست مكلّفة بإنتاج أفلام روائية، بل بأفلام سياحية ودعائية تخدم الثورة فقط، تماماً كما نصّ على ذلك مرسوم إحداثها! وبدل تطمين السينمائيين إلى أنّ سنوات «التغيير»، على يد "الرئيس الشابّ"، سوف تحسّن فُرص العمل والإنتاج في مؤسسة لعلّها بين أفضل المرايا التي تعكس صورة ثقافية مميزة عن سورية، أغلق ميرو الباب في وجه السينمائيين، وقرأ القانون بمفعول إرتجاعي و... رجعي أيضاً!
عدنان عمران، وزير الإعلام الأسبق، أدلى بدلوه في هجاء المثقفين، على طريقته المأثورة والحقّ يُقال: هؤلاء استوردوا مفهوم " المجتمع المدني" من أمريكا، صرّح الوزير، لأنّ المفهوم "أمريكي أصلاً" في يقينه. وهم قبضوا «الفلوس» السخية من السفارات الأجنبية، وخدموا «الإستعمار الجديد» (خصوصاً وأنّ الإستعمار لم يعد يستخدم الجيوش وحدها، كما تذكّر الوزير!)، إلى جانب قيامهم بـ «مهامّ أمنية لصالح جهات أجنبية». من جانبها كانت زميلته مها قنوت، وزيرة الثقافة آنذاك، قد دشّنت عهدها بإجبار أنطون مقدسي، المفكر السوري الكبير الراحل، على الإستقالة من منصبه (الذي كان، أصلاً، يشغله بالتعاقد فقط) في مديرية التأليف والترجمة، لأنه تجاسر وكتب رسالة مفتوحة إلى بشار الأسد، يحثه فيها على تحويل شعب سورية «من وضع الرعية إلى وضع المواطنة».
أمّا الرئاسة، في غمرة هذه المعمعة، فقد كانت تميل إلى مزج التنظير بالتأثيم، وكان الأسد الابن يقول إنّ أفعال هؤلاء المثقفين (وهي، في كلّ حال، لم تتعدّ البيانات وارتياد المنتديات) إنما «تمسّ الإستقرار على مستوى الوطن»، وهنالك احتمالان: «أن يكون الفاعل عميلاً يخرّب لصالح دولة ما، أو أن يكون جاهلاً ويخرّب من دون قصد». أمّا النتيجة فهي «أنّ الإنسان في كلتا الحالتين يخدم أعداء بلده».
كلّ هذا حين كان النظام دائراً في الفلك السعودي، متصادقاً مع فرنسا جاك شيراك وبريطانيا توني بلير، آملاً الخير من أمريكا جورج بوش... فكيف، في سيرورة هذه الأيام، والنظام مقاوِم مقاتل ممانِع، لا يُمنع عمر أميرالاي ومحمد ملص وعادل محمود ونبيل سليمان من السفر، بوصفهم مخرّبين في كلّ حال، عن عمالة أو عن جهل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما دخل المقاومة ؟
جهاد الغانم ( 2009 / 3 / 9 - 20:35 )
انا ادين عمليات المنع من السفر خصوصا بحق كبار المثقفين السوريين .. ولكن يا استاذي الكريم لماذا تسخر من المقاومة والممانعة وانت تنتقد النظام؟ هل تعتقد ان الممانعين الصادقين يوافقون على هذه الاجراءات ؟ ومع ذلك انا احترم مواقفك المعارضة واحيي وقوفك مع ابناء بلدك واتمنى ان يرفع حظر السفر عن جميع الممنوعين


2 - رد على الاخ جهاد
وديع صابور ( 2009 / 3 / 9 - 20:43 )
الاخ جهاد الغانم ينسى ان المقاوم والممانع هو مع الحرية قبل كل شئ ولا يمكن ان يحمل بندقية المقاومة والممانعة بيد ويحمل باليد الثانية الاغلال والاصفاد.. هداك الله انها واضحة مثل عين الشمس !؟ مع الافتراض طبعا انك لا تؤيد اهداء المقاوم بندقية اسرائيلية غنمها المقاومون الى ضابط مخابرات فاسد جلاد مثل رستم غزالي .. والله يهديك مرة ثانية ..


3 - لا ادري ما اقول لك ...
محمود داية ( 2009 / 3 / 9 - 21:05 )
الوزير عمران وبشار قالا شيئا قريبا من الصحة ,مثلا هناك سوريين التقوا مع شخصية من الدولة العدوة الجنوبية ولو انها شخصية (على اساس اكاديمية) ولكن اسمعوا مالذي طلبوه من تلك الشخصية العلمية على اساس , ان يطلب من دولته ان ترفع الحماية عن( النظام العلوي) ليتكفلوا هم بالباقي لان برأيهم ان تلك الدولة هي من يحمي النظام العلوي وان هناك اتفاق منذ زمن بعيد بين العلويين وتلك الدولة حيث باع المجلس الملي العلوي اراض في (الاسكا)... الى تلك الدولة وهم يعملون برأيهم لحسابها وزودوه ببعض المعلومات.... ,وسافر ت الشخصية العلمية ثم عادت واجتمعوا واخذ يسخر من بعضهم سخرية مرة لخطأ تلك المعلومات, وانت تعرف اغلب الذين كانوا موجودين يا صبحي,وانت تعرف تماما ان هناك اشخاصا يديرههم عسس الام الحنون وتوحي لهم ماذا يجب ان يفعلوا ويكتبوا ايضا


4 - تصحيح
أبو هاجر: الجزائر ( 2009 / 3 / 9 - 21:05 )
الأستاذ صبحي المحترم ، المفكر انطون مقدسي لم يُفسخ عقده ، بل طرد شر طردة من الوزارة كما تعرض لللإهانة و الإذلال وهو في أرذل العمر من طرف المخابرات وهو الذي خدم سوريا بأخلاص، بخاصة لما كان يشرف على قسم الترجمة بوزارة الثقافة


5 - الفرق يا ابو هاجر
نزار شاليش ( 2009 / 3 / 9 - 21:27 )
الى الاخ ابو هاجر ما هو الفرق بين فسخ العقد والطرد شر طردة؟ يعني تقصد الوزيرة ارسلت الحاجب الى المرحوم انطون مقدسي فامسكه من ياقة سترته وطرده خارج الوزارة؟ يعني عندما تريدون المعارضة حاولوا بعض الموضوعية وجملة الحديدي بان الوزيرة اجبرته على الاستقالة يكفي ويزيد وهو عين الحقيقة حسب معلوماتي فلماذا تضخيم القصة والحكي عن طردة وشر طردة؟


6 - محمود الداية كالعادة
سوري ( 2009 / 3 / 10 - 07:43 )
االأمثلة الكثيرة تنطبق عليك، منها: الجمل ما بيشوف حدبته، والذي بيته من زجاج فعليه ألا يقذف الآخرين بالحجارة، حيث تعيب على بعض المعارضين لقاءهم بشخصيات أجنبية معادية يعني إسرائيلية، وتنسى تهافت نظامك الأشوس (أو الأشوص) على لقاءات أكثر شبهة عن طريق بروفيسور (يعني شخصية أكاديمية بلا ظغرة) من عظام الرقبة وبطرق هزلية وسخيفة، وهذا طبعاً حلال عالشاطر الممانع، الذي يوزع شهادات الوطنية والخيانة في سوق العراضات العربي الذي يتميز بقصر الذاكرة الإنتقائي لصالح من يجيد الهمروجة العشائرية، على قول قرايبك نضال نعيسة، المحامي الآخر للممانعين الجدد.

نظام يغتصب السلطة منذ عام 63 ثم يصححها على قياسه عام 70 ثم يورثها عام 2000. يفرض الأحكام العرفية منذ الإغتصاب-النكبة، ويدخل بحرب مغامرة غوغائية عام 67 ويخسر الجولان، ولا يخجل ولايستقيل، ويدخل حرب تحريكية جديدة عام 73، ثم وعن طريق المفاوضات (المسموح له بها وحرام على غيره) يخرس جبهته إلى الأبد ويفتح كل الجبهات التي تقوي نظام حكمه وبقائه حصراً. نظام يقتل من الفلسطينيين في تل الزعتر خلال 3 أيام عام 76 أكثر مما قتلت إسرائيل من العرب منذ الإغتصاب وحتى ذلك التاريخ، ثم يلتفت للداخل، ويتناغم مع الإخوان ويبدأ مسيرة من القمع والسحل والإبادة الجماعية في تدمر، ح


7 - نعم تعرض للإهانة على يد تلك الإمعة
أبو هاجر: الجزائر ( 2009 / 3 / 10 - 08:11 )
إلى الأستاذ نزار المحترم ،أولا وقبل كل شيء ،وحتى أسهل عليك المهمة ،ولا تذهب بك الأوهام بعيدا .فأنا جزائري، هذا أولا ،وثانيا حبي لسوريا لا يضاهيه إلا حبي للجزائر ، و الحب الصادق يتنافى مع التدليس ،لأنني أعرف المفكر أنطون مقدسي ،وزرته لما كان بوازرة الثقافة .وأعرف بيته بحي الشعلان ،وأعرف كيف تصرفت معه تلك الإمعة ، وكيف أذلته أجهزة المخابرات وهو في أرذل العمر لمجرد رسالة هنأ رئيس الجمهورية بمناسبة انتخابه، أرفقها ببعض الأمنيات وليس مطالب .أنطون مقدسي يا سيدي خدم بلده باخلاص ، على جميع الأصعدة ، لقد خاض معارك لما كان عضو لجنة الحوار العربي الأوروبي وخاض معارك وهو رئيس قسم الترجمة بوزارة الثقافة .عد يا استاذ نزار إلى تلك المرحلة لترى نوعية الكتب المترجمة التي كانت بحق مفخرة لسوريا وللأمةالعربية ،وأسأل يا أستاذ نزار مدرجات جامعة دمشق عن ذلك العملاق.أنطون مقدسي عاش فيلسوفا ومفكرا لم يطمح لا لمال ولا لجاه ولا لملك عريض . كل ذلك لم يشفع له .نعم أستاذ نزار أذلوه وأهانوه وطردوه شر طردة من الوزارة على مرأى ومسمع بعض الموظفين من بينهم تلك الإمعة التي تدافع عنها. ولك ألف تحية من الجزائر.


8 - يا ريت يعتقلك النظام انت بالذات
وسيم الأسمر ( 2009 / 3 / 10 - 09:52 )
بتعرف بس اقرا لك ولاعلان دمشق وبقية الطائفيين بتممنى انو النظام مو بس يمنعكم من السفر بل يعتقلكم جميعا لانكم تسيئون للوطن وتشهرون به والاعداء من حوله من كل حدب وصوب
ويا ريت يعتقلك النظام انت بالذات والله ما راح ازعل عليك وهاد موقف سوريين كتار لعلمك


9 - تحملوا اللعب مع القط
شحرور الوادي ( 2009 / 3 / 10 - 12:37 )
يتخذ بعض الطائفيين من الشعارات منفذا للنيل من وحدة الوطن وأمكنه وسلامة أرضه وشعبه وتحريض الكفار والصليبيين عليه ولاحتلاله. ولكن ذلك ينقلب الى حفلات ردح وتشهير واساءة للوطن ونحن كمغتربين نرفض أن تستغل بعض الحوادث والمواقف التي يختلف في تقييمها للاساءة لبلد وشعب عظيم كسوريا؟ من يعارض اي نظام ويدعو لقلبه وخاصة اذا كان عسكري ودكتاتوري كما يرطن طائفيو سوريا عليه أن يستعد للأسوا وبدون هذه الشعائر الكربلائية البكائية واللي بدو يلعب مع القط بدو يتحمل أظافرو ولا هل تتوقعون ان يقول بشار الاسد للحديدي والحمصي والبيانوني وشاكر العبسي والمالح واللبواني تعالوا خذوا مكاني؟ هل تقبل انت بذلك؟ وهل هناك سذاجة سياسية اكثر من ذلك؟ تحملوا أو اسكتوا رجاء وبدون هذه الطقوس الكربلائية فقد مللناها والله يا سيد ابو بشار الحبيب. ومن اربعين سنة وانتم ترددوها مع الاخوان واتباع السلف الصالح


10 - رزكار والديمقراطية
جاسم العلي ( 2009 / 3 / 10 - 17:58 )
هل تعليق رقم8 يستحق النشر؟حقا انهم رعاع الريف .(لاتزعل رزكار)

اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان