الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدوان على غزة وسؤال الحصيلة؟

محمد طيفوري

2009 / 3 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


قد يتبادر للذهن منذ الوهلة الأولى أن المقال بصدد إحصاء وتعداد خسائر العدوان بين الطرفين بهدف الخروج بمعادلة رياضية تحدد المنتصر والمنهزم، غير أن الأمر نقيض ذلك تماما إذ غايتنا الوقوف عنذ حصيلة أخرى. لكن قبل ذلك لابد من الإشارة إلى نقطة بسيطة إلا أنها جوهرية، مفادها أن ما وقع في غزة طيلة خواتم 2008 وأوائل 2009 ليس حربا كما روجت وتروج لذلك جل وسائل الإعلام بل هو عدوان. لكون مفهوم الحرب على حد تحديد المعهد الفرنسي لعلم الحرب الذي أسسه غاستون بوتول عام 1971 يستوجب توفر ست شروط منها اشتراك أكثر من دولة، الاستمرار لأكثر من عام، أكثر من ألف قتيل،...علاوة على جملة من المواصفات الأخرى. على أساس هذا التمييز البسيط سنقف على جملة من الحقائق المناقضة لما هو متداول هذه الأيام أبرزها استحالة الحديث عن منتصر ومنهزم الذي يطرح في مقابله نجاح أو فشل المقاومة ـ والحديث هنا عن مقاومة الصمود لا مقاومة الانتصار لصعوبة تحقق هذا النمط في الظروفية الراهنة ـ في رد العدوان.
عودا إلى العنوان أي سؤال الحصيلة الذي سبق وأن أكدنا رفض المقاربة العددية له والتي تبدو في نظرنا ضربا من العبث في مثل هذه الحالات، غير أن مقاربة من نوع آخر تفرض نفسها وبإلحاح إنها الحصيلة السياسية والخريطة الجديدة للمنتظم الدولي التي انكشف أمرها أثناء وعقب هذا العدوان؛ وقبل كل ذلك حقيقة العالمين العربي والإسلامي حكاما ومحكومين دون أن ننسى إفرازات الساحة الفلسطينية الداخلية المعنية الأولى والأخيرة. كل هذه المتغيرات شكلت الحصيلة المحورية الواجب التركيز عليها والتي كشف عنها بنو صهيون في عدوانهم الأخير على غزة.
ولعل أولى النتائج التي تعد في نظرنا تحصيل حاصل لا غير هي شرعية المنتظم الدولي بكل مؤسساته التي برهنت على حقيقة يرفض القائمون عليها الإقرار بها ألا وهي عدم قدرة هذه الأخيرة على القيام بالأدوار المنوطة بها مما يعني فقدانها للمصداقية والمشروعية.
أكثر من ذلك نلاحظ انقلاب سلم الأولويات ومعايير التعامل مع القضايا، بتعبير أدق إنها تعيش ازدواجية في القيم والدليل على هذا تحركها في النزاع الروسي الجورجي مقابل صمتها في العدوان الإسرائلي على غزة.
أما أكبر وأفضح وهلم جرا من الأوصاف الشنيعة التي تلائم الموقف الرسمي العربي الذي انشطر قسمين يعتبر أولهما أن الاحتلال هو المشكلة التي أفضت إلى الحرب في حين يرى أصحاب الموقف الثاني أن مقاومة الاحتلال هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن الحرب.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل افتضح حين ذخلت أطراف غير عربية كتركيا وإيران في مسلسل التحرك الدولي لوقف العدوان في الوقت الذي ما تزال فيه "المشتتة" عفوا الجامعة العربية تصارع النصاب لعقد قمة لن تحمل جديد.
الحصيلة الثقيلة في هذا العدوان كانت من نصيب المعتدلين العرب خصوصا مصرا ومن يحدو حدوها الذي فقدوا ما بقي لهم من مصداقية، حين حاولوا انقاذ ماء الوجه باعلان إسرائيل أن وقف إطلاق النار جاء استجابة لطلب الرئيس المصري. إنها أكبر إهانة لتيار المعتدلين العرب، إذ مادامت لديهم القدرة على إقناع إسرائيل للاستجابة لطلبهم ما السسب في تأخره عشرين يوما؟؟!
على مستوى الشعوب أفرز العدوان معطيين شبه متناقضين هما توحد الشعوب ودعمها لخيار المقاومة وفي الآن نفسه انكشاف لا جدوائية التغيير بالاحتجاج والضغط، مما يستدعي وقفة تأمل ولما لا إعادة النظر في ما يستلزم ذلك. وعلى حد تعبير أحد الباحثين فالعدوان يجب أن يفتح الباب لمراجعة الذات والتأسيس لوعي جمعي جديد يمنع النسيان ويحتفي بالذاكرة ويفكك الأحداث ومجرياتها لرسم مسار جديد أو على الأقل تلافي الوقوع في نفس المأزق.
كانت هذه حصيلة على المستوى الخارجي أما داخليا فقد كان النتائج كارتية من نواحي عدة أولها موت ما سمي بالسلطة الفلسطينية إن لم نقل أن الأمر لم يكن سوى خرافة أصلا ـ فهي لا تعدو أن تكون تجربة نضالية لا أكثر ـ مما يستوجب إعادة أوراق القضية إلى إطار وطني موحد مقاوم ذو برنامج وخطاب يكون في مستوى قيادة هذا الشعب نحو التحرر. وهذا لن يتم سوى بتظافر جهود كافة القوى المقاومة لتأسيس تنظيم ناطق باسم كاف شرائح الشعب الفلسطيني.
لقد أبان العدوان عن التصدع الذي يعتري تنظيمات المقاومة بسبب انتماءاتها الإيديولوجية الأمر الذي لم يكن منتظرا قط من حركات للتحرر في هذه الوضعية، مما يفرض على كافة الأطراف مراجعة المواقف بجدية ومسؤولية للرقي إلى مستوى شعب صامد مقاوم يسعى إلى الحرية بكل ما أوتي من وسائل.
نعم إن هذه الحصيلة أو بالأحرى جزء منها فقط وليس تلك الأرقام التي تعد القتلى من الطرفين والخسائر المادية، إذ الوقوف عنذ هذه سيمكننا من إعادة النظر في العديد من زوايا غير تلك التي ننظر منها، لعل وعسى أن يفضي تغييرها إلى رسم طريق جديد للتعامل مع القضية. فشكرا لبني صيهون الذين كشفوا لنا عن كل هذه الحقائق وإن كان ثمن الكشف عنها على حساب أرواح أناس أبرياء لا ذنب لهم سوى أن الأقدار ساقتهم لإرواء عطش حمقاء إسرائيل الذين لم يصلوا بعد إلى درجة الإنسانية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتصامات الجامعات الأميركية وانعكاسها على الحملات الانتخابية


.. ترامب يكثف جهوده لتجاوز تحديات الانتخابات الرئاسية | #أميركا




.. دمار غزة بكاميرا موظفة في الا?ونروا


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي يهدد بإسقاط التا?شيرة الا?مريكية ع




.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور