الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد:هل يمكن بناء دولة القانون بدون العلمانية؟-الجزء الثاني-

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية




لكي يتحرر الفرد العراقي من كل أشكال الوصايات الدينية والعشائرية والقبلية وينعتق من الولاءات والعصبيات الثانوية وصيغ التضامنات الأسرية والقرابية، ويساهم في التأسيس لنظام اجتماعي يقوم على قيم المساواة والحرية والعدالة والمحبة والتسامح ،ولكي يؤمن الفرد بالقيم القانونية ودولة المؤسسات ويتحد ويتفاعل معها ويساهم في بناءها والدفاع عنها ، لابد أن يتحول ذلك الفرد إلى مواطن أولا . أي أن يتحول الفرد إلى شريك سياسي وصاحب دور في الشأن العام لبلده. ولابد أن تضع دولة القانون نفسها في خدمة المواطن وبالعكس ، وهذه الشروط ضرورية لبلورة هوية وطنية حقيقية وتوليد جماعة سياسية وطنية تقوم عليها المؤسسات الحديثة التي تضع المواطن في مركز اهتمامها وتتخلص من الأنماط التقليدية المألوفة في السلوك السياسي والتفكير الحزبي السائدين، واللذان يبتذلان معنى الحياة السياسية التي تكاد أن تتحول إلى سوق ويتحول معها الأفراد إلى زبائن .

لاشك أن بناء المواطن بحد ذاته، عملية تاريخية طويلة ومعقدة، تأتي أكلها حتما بتضافر كل الجهود السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية معا ،ولا تحدث بين ليلة وضحاها ، خصوصا أن ترسبات ثقافة الماضي الديكتاتوري قد أحدثت شرخا عميقا في كيان وضمير وأخلاق وسلوك وثقافة الإنسان العراقي وتركته حطاما بشريا يستسهل الكذب والاحتيال والتزوير والجريمة ويمتاز بضعف الحوافز والروادع الأخلاقية الداخلية وعدم احترام القانون وسهولة خرقه والتلاعب به بعد أن كانت هذه الثقافة الرخيصة والمنحطة، هي السائدة والشائعة والمروج لها، طيلة حكم الطاغية،وأدت نتائجها إلى تفكيك منظومة القيم الاجتماعية والانهيار الشامل في معنى ومغزى القانون ،والاستهتار بمصير الفرد وإرادته وعقله وتفكيره ،والعمل المنظم لإشاعة مبدأ الغلبة للقوة على الحق .

ثمة فرص كبرى وجهود خيرة وإمكانيات مادية واسعة وطاقات بشرية حقيقية متوفرة اليوم في العراق الجديد، لا ينبغي إضاعتها مرة أخرى، بل يجب استثمارها على الوجه الأحسن من اجل بناء حياة مدنية تقوم على أسس الاحترام المتبادل والتفاهم والتواصل والثقة وتبادل المصالح وفقا للقواعد والأصول والقوانين، وتعمل على تطوير المبادئ والأخلاق وقيم التضحية والفضيلة المؤدية بمجملها إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وتسمح بحل نزاعاتهم وخلافاتهم عن طريق الحوار والتسويات والتنازلات المتبادلة ، كما ينبغي إن تكون مسألة تحرير الفرد على رأس جدول العمل السياسي، والسعي لإلغاء كل شروط التبعية والوصاية والأتصياع الأعمى التي تعطل العقل والتفكير وطاقات العمل والمشاعر الإنسانية العميقة التي بدونها لا يمكن أن تقوم دولة القانون .

إن تجربة بناء العراق الجديد خلال السنوات الست الماضية قد اعترضتها الكثير من العقبات الجدية داخليا وإقليميا ودوليا،هذا بالإضافة إلى الإرهاب الوافد . غير أن هذا كله لا و لم ينف توقعات المراقبين للشؤون السياسية العراقية عن كثب، بل أثبتت صحتها في الكثير من الجوانب. لقد كان من الواضح للمهتمين والمتابعين لتطورات الأوضاع السياسية في العراق ومنذ تشكيل مجلس الحكم ، أن تبرز على السطح، كل أشكال الأنانية السياسية والصراعات العقيمة المؤجلة ، بين الأحزاب والزعامات التي لم يكن يوحدها سوى إسقاط نظام الطاغية غير المأسوف عليه . وهذا ما يفسر عدم امتلاكها لأي برنامج سياسي حقيقي واتفاق على الحد الأدنى فيما بينها، في حالة استلامها للسلطة. أما اللقاءات والبيانات المشتركة وأشكال التحالفات طيلة العقود الماضية ،فظهرت هي الأخرى، بأنها لم تكن سوى حبرا على ورق ، حيث حالما برزت الخلافات والعداوات والنعرات القديمة والشكوك المتبادلة بين صفوفها مما ترك أثرا عميقا وخيبة أمل كبيرة في نفوس العراقيين، الأمر الذي يؤكد مرة ثانية على أن الأسس والمؤسسات والأحزاب التي بنينا عليها إجماعنا السياسي ، كانت أسسا رخوة وهشة منذ البداية .

والسؤال المطروح هذا اليوم هو:إلى أي مدى يستطيع العراق الجديد أن يمضي في بناء دولة القانون ؟

مع افتراضي المسبق بأن "دولة القانون" لم تكن مجرد شعار انتخابي مؤقت،تم استخدامه لأغراض دعائية،وأستنفذ مهامه بعدها ولا هو شعار سياسي لمرحلة قصيرة المدى، وإنما هو شعار وخيار سياسي للبناء والأعمار المستمر.


في مفهوم العلمانية :

شأنه شأن مفاهيم أخرى، تعرض مفهوم العلمانية في العراق وفي المنطقة العربية عموما، إلى الكثير من التشويه والغموض والالتباس والتأويلات المتعددة، ومازال السجال حوله دائرا حد اللحظة .

وباستثناء جهود العاملين في حقول العلوم السياسية وعلم الاجتماع ، أعتقد إن إعطاء تعريف أو توصيف محدد ومبتسر يحصر معنى العلمانية، هو ضرب من ضروب المغامرة والتورط الفكري خارج تلك الحقول ،لأن المفهوم بحد ذاته ليس ثابتا ومستقرا وجامدا، بسبب أن العلمانية ليست عقيدة أو أيديولوجيا مقدسة، بل يتغيرويتطور شكلها باستمرار، من حيث السبل والمسارات المتعددة التي يمكن أن تقود وتفضي إليها، كمبدأ للفصل بين الدين والدولة، واستقلال السلطة السياسية في التشريع وإدارة الحكم عن المؤسسة الدينية .

فمسار النموذج العلماني الفرنسي مثلا، يختلف عن النموذج الانكليزي والنموذج الألماني والنماذج السائدة في الغرب المسيحي عموما، وبدورها تختلف عن المسارات في أمريكا الشمالية والجنوبية وكذلك الحال بالنسبة للصين الكونفشيوسية والهند البوذية واليابان وتركيا وماليزيا وغيرها من الدول والمجتمعات التي أبدعت طرقها الخاصة للوصول إلى فصل سلطة الدولة عن سلطة الدين ،كقيم وحريات شخصية وضوابط قانونية ودستورية، ترتأي كل دولة منها وبطريقتها الخاصة ما يناسبها من سبل وطرق وتسويات لهذا الفصل . وكانت كل تجربة من تلك التجارب التي تنتمي إلى دوائر حضارية مختلفة ومتباينة، تعكس تماما خصائص كل مجتمع وشروطه التاريخية للاندراج في الحداثة والاستجابة لتحدياتها في الدخول ومواكبة حضارة العصر . وتنوع تلك التجارب تثبت إثباتا قاطعا بأن العلمانية تنبع من الواقع المعاش ومن النشاط الإنساني الملموس، وليس من الأهواء والرغبات والقيم المجردة، حيث يمكن دوما تعريفها وتصحيح مسارها وإعادة تعريفها بما ينسجم وطبيعة كل مجتمع من المجتمعات مع الاحتفاظ بالمبدأ العام بطبيعة الحال .

وما تشترك فيه جميع تلك التجارب المتنوعة، هو أنها توصلت في لحظة من تاريخها السياسي والاجتماعي إلى الحل الأمثل للخروج من المأزق الحضاري الذي فرضته عليها أسئلة الحداثة وموجاتها العاتية التي شملت الجميع .

فكان عليها: "أما أن تكون أو لا تكون" ، إما أن تراوح مكانها ويجرفها تيار الحضارة الذي لا ولن يرحم العاجزين عن مسايرة الركب الحضاري وبالتالي تهمشهم ليصبحوا خارج التاريخ،وإما أن يجدوا الحلول السريعة والعاجلة للقبول والاندماج في خط الحضارة الأفقي للعصر . فالمجتمعات التي تخلفت عن ركوب موجات الحداثة، وظلت تراوح في مكانها، فقد أصبحت أسيرة للتفكك الداخلي والحروب الأهلية والانقسامات الأثنية والدينية والمذهبية .

تلك اللحظة الحضارية الحاسمة التي راجعت فيها المجتمعات الحديثة، تاريخها وتراثها ودينها وتقاليدها وأعرافها وسياستها واقتصادها وإنسانها ، وقررت البدء في نزع وإزالة الطابع الأسطوري والسحري عن التاريخ والسياسة والاقتصاد والعلوم وبكل ما يتعلق بمصير الإنسان ووجوده الكوني على وجه الأرض وآمنت بإمكانية تحسين شروط حياته المعيشية والعمل من أجل سعادته ورفاهيته وأمانه وضمان مستقبله في العالم الدنيوي . ومن نقطة البداية تلك، بدأ مسار العلمنة والعقلنة ومشوارها الإنساني الطويل .

إن الاستخدام السياسي للدين، ما هو في حقيقته، إلا استخداما لما في الدين من طاقة وقوة تضامن كامنة وعصبية، من اجل تحقيق أهداف مادية دنيوية لا علاقة لها بالدين ولا بالدفاع عن هذا المذهب أو ذاك. وهذه العصبيات الطبيعية قديمة قدم المجتمعات البشرية نفسها ولا تزول من الوعي الجمعي للشعوب بسهولة ولا عن طريق القسر والإكراه، أو حتى ليس من المطلوب إزالتها، وإنما إعادة تنظيم السلطات بشكل مثمر وايجابي وخلاق، وحتى من أجل حماية الدين نفسه كما جرى في النموذج العلماني الأمريكي على سبيل المثال .

وفي المقابل، فان الاستخدام السياسي للعلمانية عندنا، يبتذلها ويحولها إلى دعوة وعقيدة لمناهضة ومواجهة الدين،ويسطح القيم المثلى المتضمنة في جوهر العلمانية، تماما كما يفرغ الإسلام السياسي الدين من جوهره الروحي الخالص وبعده الإنساني السمح والعميق .

استخدامان سياسيان من قبل تاجر السياسة وتاجر الدين، يظهران متناقضين في الشكل والخطاب والأطروحات، ولكنهما لا يختلفان في الأهداف الشريرة البعيدة . استخدامان يطلبان السلطة أولا والسلطة أخيرا وبعدها فليذهب الناخب الصغير إلى الجحيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا