الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يحمل عام الثور للصينيين؟

عبدالله المدني

2009 / 3 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


احتفل الصينيون ومعهم شعوب أخرى في منطقتي جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى في السادس والعشرين من يناير/ كانون الثاني المنصرم بميلاد العام الصيني الجديد الذي هو مجرد توليفة من عناصر التقويم الشمسي والقمري. ويعتقد على نطاق واسع أن البابليون هم أول من وضع أسس هذا التقويم في عام 2500 قبل الميلاد ، لكن تصحيحه وضبطه يعزى إلى الصينيين في حدود عام 500 قبل الميلاد، ولهذا السبب نسب إليهم وحدهم. ومما يذكر في هذا السياق أيضا أن تاريخ استعمال التقويم الصيني في الأزمنة القديمة يعتريه بعض الغموض، ولهذا يقول البعض – بناء على الدراسات والأبحاث الاركيولوجية - انه في التداول منذ خمسة قرون، فيما يقول آخرون أنه في التداول منذ ثلاثة قرون ونصف القرن. وقد انعكس هذا الاختلاف على أرقام الأعوام الصينية ما بين 4705 و 4706 و4645 ، غير أن الاحتمال الأرجح هو أن عام 2009 الحالي يساوي عام 4706 في التقويم الصيني .

وطبقا لبعض المصادر التاريخية فان أول الدلائل حول التقويم الصيني وجدت على عظام من حقبة " شانغ " في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد. وقد أشارت تلك الدلائل إلى أن العام الصيني كان يتكون أحيانا من 13 أو 14 شهرا وذلك بسبب إضافة شهر بأكمله إلى التقويم في السنة الكبيسة وليس يوما واحدا كما هو الحال في التقويم الغريغوري. وفي حقبة " زهو " وجدت آثار تفيد بأن الأمر استقر على أن العام مكون من 12 شهرا و أن كل شهر إما انه يضم 30 يوما أو 29 يوما بالتناوب. وفي حقبة " قن " تم استخدام تقويم صيني جديد مستند إلى المباديء السابقة لكنه يبدأ مبكرا بشهر واحد. وحينما جاءت حقبة الإمبراطور " هان " تم إدخال إصلاحات فلكية مهمة على التقويم لا يستوعب المقال ذكرها واستعراضها جميعا.

ورغم أن الصينيين والشعوب الآسيوية الأخرى تعتمد في تعاملاتها اليومية على التقويم الغريغوري المسيحي أو ما يسمونه بتقويم "يانغ" أي التقويم الشمسي، فان هذه الشعوب فيما يتعلق بمناسباتها الخاصة تلجأ إلى التقويم الصيني الذي يعرف لديها أيضا باسم التقويم الزراعي لعلاقاته بمواسم الزراعة والحصاد وكذلك باسم " تقويم ين" في اشارة إلى الجانب القمري منه، ، علما بأن الصين بدأت باستخدام التقويم الغريغوري ابتداء من يناير 1912 بعدما كان التقويم قد عرف في أراضيها عن طريق الرهبان اليسوعيين. على انه لم يثبت بالدليل أن كل الصينيين حينئذ قد التزموا بذلك، خصوصا وان الأحوال السياسية ما بين عامي 1916 و 1921 كانت غير مستتبة وتلقي بظلالها على مدى استجابة المواطنين لقرارات الدولة. على أن الأمر المؤكد هو أن سيطرة القوات الوطنية بقيادة حزب الكومينتانغ على جنوب البلاد سمح للأخيرة بالإعلان رسميا عن اتخاذ التقويم الغريغوري تقويما للبلاد ابتداء من الأول من يناير 1929 . والتقويم الصيني كما هو معروف يتخذ من الحيوانات أسماء لأشهرها الاثنى عشر، فمثلا عام 2005 كان عام الديك، وعام 2006 كان عام الكلب، وعام 2007 كان عام الخنزير. و يسود الاعتقاد لدى الصينيين بأن عام الخنزير هو عام جيد للإنجاب، لذا كلما حل مثل هذا العام وجدت المستشفيات مكتضة بالنساء الحوامل وشهدت الأسواق المزيد من الإنفاق على شراء ملابس الأطفال الرضع وأثاثهم وأدواتهم وأطعمتهم.

ويحتفي الصينيون وشعوب آسيوية أخرى بقدوم العام الصيني الجديد عبر تزيين البيوت والمعابد والشوارع وإشعال أعواد البخور والمسك وإطلاق الألعاب النارية وتبادل الهدايا وإقامة الولائم والخروج في رحلات جماعية والإنفاق ببذخ

والذين ترددوا أو عاشوا في دول جنوب شرق آسيا حيث تتواجد جاليات صينية ضخمة أو يكون الصينيون جزءا رئيسا من تنوعها الاثني، لابد وأن استرعى انتباههم الأعداد الكبيرة من سلال البامبو مختلفة الأحجام والتي توضع فيها تشكيلة من السلع مثل علب الشاي والقهوة والحليب المجفف وأكياس الفواكه والحلويات والبسكويت وزجاجات النبيذ قبل تغليفها جيدا بالبلاستيك الشفاف المشدود وعرضها في فترينات البيع لأغراض الإهداء بمناسبة حلول العام الصيني الجديد. هذه السلال شكلت على الدوام معلما من معالم الاحتفاء بقدوم العام الجديد، بل ظلت – بمحتوياتها المتنوعة وأسعارها المعتدلة – أفضل ما يمكن للصينيين – من الطبقة الأقل دخلا - أن يقدمونه لبعضهم البعض في هذه المناسبة. غير أن الأحوال اليوم تغيرت مع ما طرأ على الدخول وفرص التوظيف من تراجع بسبب أزمة الكساد العالمي التي لم تنج حتى آسيا منها كنتيجة طبيعية لتشابك اقتصاديات العالم وتداخل مكوناتها واستشراء تداعياتها في كل اتجاه.

وقد فطنت بكين مبكرا إلى تأثيرات هكذا أوضاع اقتصادية صعبة على إنتاجية وأوضاع ومشاعر موظفيها، ولا سيما إنتاجية عمالها الأقل دخلا أي أبناء الأرياف العاملين في مؤسسات عامة في جنوب وشرق البلاد والمقدر عددهم بنحو 130 مليون عامل ممن قد يسرحون قريبا، فقررت أن تصرف لهم علاوات استثنائية – الأمر الذي لم يحدث قبلا على الإطلاق - بمقدار 150 يوان (22 دولارا) وهو ما يوازي دخل أسبوع كامل للبعض منهم. ورغم أن الحكومة أنفقت بسبب هذا القرار مبلغا ضخما هو 1.28 بليون دولار أمريكي على سكانها الأقل دخلا من اجل أن توفر لهم طقوس الاستمتاع والفرح التقليدية بالعام الجديد، فإنها كانت تعلم مسبقا انه - وان لجأ البعض من مواطنيها إلى ادخار ما أعطي له من علاوة توقعا لما هو أسوأ في القادم من الأيام- فان آخرين كثر سوف ينفقون وان بدرجة اقل بذخا، وبالتالي سيعود إنفاقهم بالخير على الحراك الاقتصادي الداخلي ونشاط الأسواق التجارية. والحقيقة إن كل ما توقعته الحكومة الصينية قد حدث فعلا. فالكثيرون ممن حصلوا على العلاوات فضلوا الادخار والتوفير بدليل ما طرأ على المبيعات في سوق المواد الاستهلاكية من تباطؤ. غير أنه من ناحية أخرى شهدت عروض العشاء والسهر في الفنادق المعروفة داخل المدن الكبيرة إقبالا جيدا خصوصا بعدما قدمت تلك الفنادق تخفيضات مناسبة في أسعارها، دعما منها لجهود الدولة في إدخال الفرح والسرور في قلوب المواطنين.

وجملة القول انه إذا كان العام الماضي (عام الفأر) قد تميز بحدوث الكثير من المشاكل للصين ابتداء من تعرض البلاد لعواصف ثلجية مدمرة للزراعة وتعرضها لزلزال عنيف وانتهاء بأعمال العنف في التيبت، مع استثناء النجاح الكبير الذي خرج به الصينيون من تنظيمهم لاولمبياد 2008 ، فان العام الجديد (عام الثور) هو عام يأتي تحت شعار ضرورة التقشف بسبب الأزمة المالية العالمية.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة