الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطيــة الاحزاب الدكتاتوريــة

عادل علي

2004 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يُراد من هذه المقالة ان تُــشير الى حالة مرضية مستعصية في الواقع السياسي العراقي ( وبالامكان تعميمهــا على الواقع العربي) في ضرف يُراد منه او فيه بناء واقع جديد لمجتمع خرج تواً من أعتى حكم فردي أستبدادي عرفه العراق. ونحن سوف نشير الى بعض الاسماء اللامعة على الساحة السياسية العراقية لا ننوي أبداً الانتقاص منهــا او ذمهــا، وأنمــا هو أشارة الى واقع عملي ملموس لا يمكن أن يختلف عليه أثـنان. كما نود أن نعلن عن رأينا، ومرة أخرى، بأننا ضد دمقراطية المحتليين مهمــا كان لونــها وأننا لا نستطيع ان نهـضم فكرة أرســاء الديمقراطية في أي بلد بواسطة الدبابات والعصى الغليظة.

كنا في ستينيات القرن المنصرم نتساءل عن امكانية بناء الاشتراكية في بلدٍ متخلفٍ أجتما-أقتصادياً. وقد برهنة التجربة التاريخية فشل كل "النظريات" التي حاولت ان تقفز على الواقع وتؤدلجه بما تريده القيادة السياسية. وتعلمنا أنه لا وجود لطفرات في سْـلّـم التطور الاجتماعي. ولم يخطر على بالنا بضرورة توفير الأسس الاولية الازمة ليس للأشتراكية فحسب، وأنما لمجتمع مدني يسوده القانون والمساوات. وأهم تلك الاسس، وفي مقدمتهــا أيضـاً، هي الديمقراطية.

الديمقراطية قبل أن تصبح أعراف وقوانين ومن ثم يعترف بها كمعيار دولي لتعريف الدولة المعينة بأنهــا ديمقراطية أو غير ديمقراطية، أقول أنها كانت ممارسات وسلوكيات من قبل أعالي القوم فيما بينهم، ومن ثم فيما بينهم وبين الرعية. ثم أستحسنتها الأغلبية لما فيها من فيض أنساني وأعطاء الحق للأكثرية. وجرى ذلك على مداد ما ينيف عن الفيين من السنين ومازال الناس يتعلمون ويطورون أنفسهم بهذا الأتجاه.

أن شعوب المجتمعات الأسلامية تدرك وتوعى وتتوجس الطريق نحو الديمقراطية بفضل الثوره العلمية في مجال الاتصالات ونقل ونشر الأحداث مباشرةً صوتاً وصورةً وكتابةً، ولكنهــا مازالت في أول الطريق وأمامهــا صعوبات جمة يجب تجاوزها قبل تذوق طعم الديمقراطية. وأهم تلك الصعوبات هي أجتهادات علمائنا الأبرار في تفسير بعض آيات القرآن الكريم والموروث القبلي/العشائري الذي يعطي الحق للكبير ضد الصغير وللرجل ضد المرأة. كما ان أزدواجية النخبة في مجتمعاتنا تلعب دوراً سلبياً في هذا الاطار. فهم متفتحون على صفحات الجرائد والندوات التلفزيونية..الخ، وهم متعسفون وظلاميون في البيت او في العمل.

الاحزاب السياسية والدمقراطية

ولدت الاحزاب السياسية العراقية، وكما هو معروف، في أواقات زمنية مختلفة ولحاجات موضوعية فرضها الاستعمار البريطاني من جهة والمد الثوري الذي واكب ثورة أكتوبر من ناحية اخرى، أضافة لنضوج الشروط الذاتية لبزوغ هذا او ذاك الحزب داخل المجتمع العراقي. ولعبت، ومازالت، الكوادر المتنورة العلمانية والدينية دوراً قيادياً يشهد له التاريخ. وكانت هذي الاحزاب، ومازالت، تقود المجتمع وكلٌُ حسب أجتهاده. وما يعنينى هنا ان جميع هذه الاحزاب تحمل في جعبتها رواسب ومخلفات المجتمع الذي أنتجهــا. وهذا بحد ذاته نتاج طبيعي ومفهوم للجميع. الغير طبيعي هو ان تستمر هذه الرواسب والمخلفات في مواكبةِ تطور هذه الاحزاب. والغير طبيعي تماما هو سلوك الاحزاب العلمانية لا يختلف من حيث الجوهر عن مماثله عند الاحزاب الدينية من حيث عدم استخدام الطرق الديمقراطية في حل الخلافات داخل الحزب الواحد، ناهيك بين الاحزاب المختلفة التي أدت، ومازالت، لكثير من سفك الدماء.
حاول بعض الكتاب المتحزبيين ان يبرر ذلك السلوك بسبب العمل السري وضرورة المركزية في هذا العمل. ولكننا لا نعتقد ان ذلك هو السبب الرئيسي. ان السبب الرئيسي يكمن في حب التزعم والتملك والسيطرة المتنفذة في الذات العراقية من جهة، وعدم عكس الأنظمــة الداخلية لتلك الاحزاب للروح الدمقراطية التي يجب ان تسود داخل الحزب وتركها المسأله للرفيق الاعلى الذي عادة ما يعالج الامر حسب مزاجه و"ثوريته" ، الامر الذي ادى، ومازال يؤدي، الى ظهور التبعيه الحزبيه ومسح الاكتاف واللامبدئيه..الخ من جهة أخرى. واذا كانت هناك فسحة صغيرة للأعتراض وممارسة نوع من الديمقراطية لدى بعض الاحزاب، لكنها مارسة عمليــاً سياسة " نفذ ثم ناقش" سيئة الصيت، الامر الذي لم يترك للأقلية الحزبية الا ان تنطوي على نفسها في أحسن الاحوال أو أن تتكتل وتنشق في أغلب الفرص وهو خسارة للحركة الوطنية في كلتا الحالتيين. ولكي ادعم ما قلته أعلاه اذكر الحادث التالي: بعد أحداث "بشت آشان" حَملتْ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي السيد ثابت حبيب العاني (الرفيق أبو حسان) جميع الاخطاء ولذا فرغته من جميع مهامه الحزبية وحاولت ان تخرجه من كردستان. الا أنه رفض الخروج وبقى بين الرفاق البيشمركه منتظراً بنفس الوقت أنعقاد الموتمر القادم للحزب لكي يقدم تقرره للمؤتمر كأعلى سلطة وحسب مايمليه النظام الداخلي للحزب. أنعقد المؤتمر في كردستان وكان يبعد مسافة نص ساعة مشياً على الاقدام من خيمة الرفيق ابو حسان ولم يتم دعوته للمشاركة في أعمال المؤتمر. وعند أنتهاء أعمال المؤتمر جاء لزيارته كل من السيد عزيز محمد والسيد كاظم حبيب ( ولا أعلم هل هي زيارة لرفيق أم زيارة عمل لكي يُبلغ ببعض نتائج المؤتمر). هذه "دمقراطية" حزب شيوعي أتجاه عضو لجنته المركزيه، أما مايخص الاعضاء في المراتب الدنيا فلقد "أبدع" الشيوعيون العراقيون في أيجاد مسميات لهم: أتعبه النضال.. سقط وأصبح شرطياً.. الحواشي الراخية.. متطرف يسارياً.. ماوياً.. منحدره الطبقي.. غير ملتزم فكرياً.. من جماعة الدكاترة.. من جماعة ابو فلان.. الخ..الخ.
وبمناسبة ذكر أحداث " بشت آشان" نتسائل أليس كان من المنطقي ان يستغل السيد جلال الطلباني انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية ويقدم أعتذاره ل120 ونيف من الرفاق الشيوعيين الذين أستشهدوا في بشت آشان وبأمر منه شخصياً، لا ان يطالب بالعفو عن البعثيين، لكان ذلك درساً عمليــاً لممارسة المصالحة والنقد الذاتي. غير أن شخصاً واحداً يرأس حزب "علماني" من المهد الى اللحد عليه ان يُنظر للدكتاتوريه لا ان يتفلسف عن حرية الكلمة والمصالحة الوطنية.


كما أن من الغير خافي ان جميع الاحزاب العراقية لهــا علاقات مع دول أجنبية وتتلقى دعم مالي منهــا، الامر الذي يجعلها تمارس نشاطاً غير وطني بالتبعية. وبما ان مصالح تلك الدول مختلفة أتجاه العراق فمن الحتمي ان تكون نشاطات أحزابنا الوطنية متقاطعة ومتعادية وتنحو نحو التناحر لا نحو التآخي، وهذا بدوره سوف يجعل من الديمقراطية ممارسة صعبة للغاية. لذا نأمل ان صدور قانون الاحزاب السياسية القادم يعالج بشكل جذري هذة الاشكالية بدعم الدولة مالياً لتلك الاحزاب وقطع الطريق عنها بالاتصال بالدول الاجنبية. كما نأمل من هذا القانون ان ينظم العلاقة بين المنظمات المهنية( العمال، الطلبة، النساء..الخ) مع تلك الاحزاب بحيث يجردها من العلاقة الحزبية فيما بينهم خدمة للدمقراطية. فالكل يعرف بأن المنظمات المهنية غير ديمقراطية بتاتاً لتنفيذها ايديولجية الحزب الذي يتزعمها. لكي نبني دولة قانون يجب ان تكون لدينا مؤسسات مدنية تؤمن قولاً وفعلاً بالقانون. وبما ان مؤسساتنا المدنية هي نفس الاحزاب وملحقاتها من أتحادات مهنية التي لم تمارس الديمقراطية يوماً فالصورة قاتمة والمستقبل يحمل كل الاحتمالات ماعدا الديمقراطية.

أن الحزب الذي لا يسمح لرفاقه ممارست حريته بأبداء رأيه مهمــا كان هذا الرأي يتقاطع مع الخط العام للحزب وبدون أن يتعرض للتشهير والنقد لهو حزب دكتاتوري بغض النظر عن أسمه أو فكره. أن الحزب الذي لا يُمارس فيه تبادل المراكز القيادية بعد فترة معقولة لهو حزب دكتاتوري ومتخلف ولا يجوز لنا أن نصدق وعوده ببناء بلد ديمقراطي عند أستلامه سدة الحكم. ان أستلام رئاسة حزب ما بشكل وراثي يدل على العشائرية وليس على العلمانية. لا يمكن لحزب ديني ان يبني دولة ديمقراطية. الديمقرطية تتسع للدين والدين لا يتسع للديمقراطية.


تفائل: اذا وصلت الديمقراطية في العراق خلال ال50 سنة القادمة بنفس المستوى الموجود في كنــدا الان فيجب ان نعترف بان البناء يسير هناك بسرعة الضوء.

عادل علي/ كنــدا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا