الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشي بحالتنا

سعيدي المولودي

2009 / 3 / 12
الادب والفن



كن صديقي الآن، أو دالية الظل الراحل، تمشي على خاصرة التيه، وتغطيني كالأعماق، أو غفوة الرماد، وارتعاشة الأساور في معصم الذاكرة، تهتز تحت خوذة النسيان، وترفل في عناقيد الفجر...
لماذا تصير الليلة أقرب من إيماءة الشوط؟ تتسع الظهيرة في نوبة الأقدام، تنغرس في حلة اللجام، وترقم صيفها على سرير الوداع...ما الفرق بينك وبين القارب الميت في انكسار الطفولة، ينحو على سعة الأنقاض، ويمشي مبللا كخلوة الطريق...
قبل، أو بعد، لا تستيقظ بذور الموتى، لتملأ شقوق التعب، يامن تمشي..
كن صديقي، أو نبوءة العشب، أو رمح المساءات الزاحفة، يسرح في قيلولة الرعب الجانح، النائم على مهرة الدم، ينفتح على أجنحة الصدأ، بينما شمس الذبول تلألأ في مجيء البحر، تركض للدوي، وصليل الهتاف...
أعرف ضاحية الجذور، وقبور السيبة، والخطايا، والرزق على الله، وأولياء الأعناق...وليس بيني وبينك غير هاتيك الضفاف الشاخصة، تستفيق على ثغاء الصمت، والصوت المثقل الذي يخطيء القلب، ويطوي مزارع الغبار في جبين الثلج...
أثلج قلاع الصدر، يا من تمشي... وتسند الروح رأسها لهواه.
أثلج مسالك البوح. هل أنت ليل ضاقت في ريشه العناكب، ألهث وراءك كالأرق، تشربني القبائل العزلاء، وطوفان الصلوات العذراء...
أسميك: إنها الساعة تغرب في قميص الأحداق، فلا تعرني خوفك الجارف، أونبض الشهوة العاري، أعطني هجرة الطير، واضرب كبوة هذي العشايا بالمرطوب... ولا تكن صديقي.
كن طريقي، أوباب الجمر يغمرني، كحمى اليباب، يامن تمشي لشفة الحال، وتغريني بجذوة الغيم. عادة على مدية الجري أصل لشيح الجسد، أنقش نافذة الضوء على فنار الأرض..تبيض كأسي ينابيع السؤال، واخضرار الرمال... قل هي الخيل تصادف نخلها في بردة البراري، أو أغصان المحبة على الريق.. فلا تشرب عزاء هذه الفصول، إنك التعب المكسو ذهابا، ذهابا.لك العود. أبشر. إن المدى يصل، وريح الدمعة تأتيك، هل ترى غير ذراع يهرع مبتورا نحو الضوء، ولوح أصم يقرئك السلام، ويمضي في ممالك من غرق، تستلقي على الطريق...
وحده الطائر الميمون الواقف على غصن اليابسة، يصغي لصيحة الأرجوان، ومزاليج الحلم المشتعل في قبة السؤال. مات وجد الهروب، والطريق إليك معبدة، مرة بأطباق المحبة، ومرة بسراب الرحيل، حين تفيض لوعة الضفاف، يامن تمشي بطيئا كالوقت، وتملأ أسفار النوايا بمرارة الطريق. كن عدوي الآن، وحافر السهو في كفي، وافتح في ليلنا باب الأعداء. أنا لا أقوى على ظمأ المحطات، وظلال السلخ التي تمشي وراء ظهري، تهدر كالقطاف.
في كل الصدفة ألقاك، ولا قلب يرحم صبابة الفجر، هل أنت نهر مله الموج؟ أصطفق في عري اللحظة، كأني أتسقط رائحة العبور، وضوء الجسر، ناقما، أعلن أن رماد الفقر يحترف خطوي، ينبت نبيذه في انتظاري. هي الشمس لا يجيء طعمها، والأسماء لا تخلد لمائها.
آه. يا رحلة الصيد القديمة الملقاة على عاتق اليد، إني أبغض هذه العادة، أحلم بغرفة بيضاء، أضع فيها " الرهج" في طفولة الأعداء، تماما مثلما تفترسني الغابات البعيدة.
آه. يا وصلة القيد القديمة..
إن الماء يجلس في لبدة الوقت، والشجرة تغادر جذورها. خوف رهيب يسبق اللون، يسرقني الليلة وحيدا لأقترب من هواك، أيها البلد الطيب، الطائب، فتح الله عليك، أيها الوتد المفروق، كما لو أنك تدخل طوق المتاهات، كما لو أني أرقب فيك علة الهواء، يورق الرمل في قامتي ويرشف فيض الظل.
يا من تمشي لمودة الحال.إني أبنيك خلف محجات الوجد لأبلغك قبل الضوء، وأرسم ضايات العواء في غيمة الوعد، أتظلل برد الرغبة وشتاءات القهر، كبرية تتلمس طريقها في أروقة الهواء، وتبكي صداها، تغني ذكراها: تسمعني حافات الرؤيا، وشبابيك الصفير المخبوءة في حمأة الصحاب. يا ليلة الغدر المجبول على لب الصدى، إني جرس الدم القديم، تستدفيء لغتي شهوة البدء.كم مرة تفيق أوراق الجرح، وتسدل العيون ركضها على مشكاة الحنين ( ما الوقت مني، إني هاوية الأنفاس، يلهو زناد العواصف في فمي، أرتجف كحبل الشرفات، وتذهب خلوتي في طوق الفتات).
يامن تمشي، ها أنت لا تطيق النسيان، فاخرج إلى أول الأرض، مرة أو مرات، ولتنهض المسافات في قدميك. يامن لا ترى ألا ترى، ويامن تسمع ألا تسمع، يا أنت ـ يا أنا لا نساوي قرط البصل. كأننا نقترب من مرمى النبوءات المهجورة.
يا من تمشي فيضا من الرواء لسوق الحال، تنمو في بينه حقول السرى، وأعتاب الحاقة، كن طريقي كي أشهر موتي فيك، أتوسد فيك نجوعي، أو أهديك لحظة البدء، فتقبل صلاتي المثقلة بالخطايا، وأنفاس الصبايا، وهن يركضن نحو الباب، حيث لا باب.
ها أنت السارق خطو الأحباب، أم سيد الوقت تشرب الأنخاب في الطرقات، وتبكيك الألواح المعقودة في صمت الأغلال..أيها البلد الطيب، الطائب، فتح الله عليك، هل أنت العبد الخارج من سيرة السواد، تكتب عرق التربة والانتماء واختلاط الليل والنهار، والأمر بالنهي، النهي بالنهي، أنا من يناديك من فرط الشهوة، ألبس تاريخ البئر، وتؤجل عاداتي كالحقل. أما آن للسيد أن ينقر خيوط النبع، وتكة السروج.
.يامن تمضي. ها نحن نمشي بحالتنا، ولا أحد يقطع دابر الكون، مدائن خرساء تصعد، وأزمنة جوفاء تحدونا، هل أنت اللازم فانصب، إني أرقب في هواك خيمة الصلصال، فكن عدوي الراسخ في الهوة، واقطع طريقي ليس لي إلا اسم واحد يأكل صيف القدمين. يسكنني لهيب الثأر، أنا المغسول بخراب الأزمنة، يتوضأ على ضفافي الروع، وتجلس في دربي رحى الغيوم، سلطنة بيضاء تتقدمني، تغسل الرايات للكوعين، وتمسح القرب للمرفقين. فكن صديقي ـ العدو، أوشك أن يملأني الرعب، مابين سور اللحظة واللحظة، تولد في كأسي طيور تنقر السماء، فكن طريقي إليك، أيها البلد الطيب...
يا من تمضي. هكذا نحن من صندوق الاقتراع لصندوق النقد، نواري الجرح بالجرح، الطعن بالطعن، ونمشي. فأعطنا أمانا أيها البلد الطيب، فكل هذه الصناديق ملة واحدة، ولا تغرس في خطونا قساوة المشي بحالتنا.
1982.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_