الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الناصر بين أضراس شامل عبد العزيز

عدنان عاكف

2009 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



" الكتابة في أي موقع وخاصة اذا كان بمستوى موقع الحوار المتمدن لا يجوز أن تاخذ طابع الاتهامات والانتقاص من أي كاتب أو صاحب تعليق ويجب أن تسلك المسلك العلمي والثقافي الذي من إجله أُنشي الموقع وكذلك لغرض تحقيق الفائدة التي قام من إجلها..
( أن النقد العلمي الصحيح إنما يقوم على قرع الحجة بالحجة ودفع الدليل بالدليل وأن يكون ذلك في اسلوب عف وعبارة مهذبة أما ماعدا ذلك فانه يُعتبر هراء وهذياناً يرتد على صاحبه بالمقت ويُرمى بالجهل والسفاهة والغباء)...".
بهذه العبارات الجميلة والمؤثرة والمعبرة بصدق عن ما ينبغي ان يكون عليه النقد الموضعي العلمي، والحوار الهادف، يبدأ الكاتب شامل عبد العزيز مقاله " آراء في الحوار... فؤاد نصار النمري نموذجا " والمنشور في العدد 2528 – 11/3/2009 كل ما أتمناه هو ان لا أخيب أمل الكاتب وأنا أحاوره في هذا المقال.
أكثر ما أثار انتباهي في مقالة الأستاذ شامل عبد العزيز " طارق حجي بين أنياب النميري "، ( الحوار المتمدن، 2577– 6-3 -2009 ) هي تلك الجرأة غير الاعتيادية التي تعامل بها الكاتب في تقييم حقبة تاريخية بأكملها، وتعتبر من أهم الحقبات التي عرفتها مصر في العصر الحديث، وتلك الثقة الكبيرة في النفس، والتي وصلت الى حد جعلت الكاتب يصدق بان التقييمات التي يقدمها هي الحقيقة التاريخة المطلقة التي لا يمكن ان يطالها الشك، ولذلك ليست بحاجة الى ما يسندها ويؤكدها. وحسب تقديري ان الكاتب قد تخلى عن واحدة من نصائحه الجميلة التي أشرنا اليها، وهي " أن النقد العلمي الصحيح إنما يقوم على قرع الحجة بالحجة ودفع الدليل بالدليل ". المقال في خلاصته مكرس لنقد التجربة الناصرية ، وشخصية الرئيس عبد الناصر. ويمكن القول ان الكاتب لم يبتعد كثيرا عن مضمون ما تكرر في بعض مقالات الاستاذ طارق حجي حول نفس الموضوع، وكان من بينها مقاله " نصيحة مجانية للرئيس ابن الرئيس " المنشور بتاريخ 2-3-2009 . والذي يثير الانتباه هي تلك التعقيبات التي نشرت حول المقال. باستثناء تعقيب واحد ( تعقيب موقع باسم مختار، وثلاثة أسطر لتعقيب آخر ) فان التعقيبات المتبقية جاءت لتشيد بالكاتب وخصاله الشخصية، أكثر من تقييمها للمقال ذاته.
السادات أمام المحكمة الليبرالية :
لو تركنا جانبا كلمات الإطراء الواردة في تعقيب الأستاذ مختار، وتلك التي وردت في تعقيب الأستاذ شامل على التعقيب فاننا سنجد أنفسنا أمام أسلوبين مختلفين في التعامل مع القضايا المطروحة، وموقفين مختلفين من بعض تلك القضايا المهمة. لنأخذ الموقف من السادات. ما يخرج به القارئ، بعد الهجوم الكاسح الذي تعرض له عبد الناصر وتجربته، هو ان مصر كانت بانتظار الفارس المنقذ، و هو السادات، الذي انتشلها من الكارثة التي حلت بها خلال الحقبة الناصرية، وهو ( السادات ) ما يزال بأفكاره بشأن الصراع العربي الإسرائيلي القادر على انتشال سوريا وإلا فانها " سوف تبقى مستقلة سفينة كوريا الشمالية وكوبا وإيران وروسيا البيضاء والتي سوف لن تنجو من الغرق مهما طال الزمان أو قصر ".
في حين نرى ان مختار لا يرى في السادات سوى شخصية انتهازية، عرفت كيف تلعب على الحبلين حتى استطاع ان يصل الى قمة السلطة : " جمال عبد الناصر نفسه كان السادات المعروف بانتهازيته نائبا له وتمكن بعد وفاته من تغيير توجهات البلاد السياسية والأيديولوجية نحو اللبرالية ولكنها لبرالية متخلفة أيضا ".
واذا كان السيد شامل يرى في نهج السادات وسياسته الأمل المرتجى للدول العربية ( وهو هنا يعبر عن موافقته على رأي طارق حجي )، فان السيد مختار يرى خلاف ذلك، وهو ، حسب رأيي، على حق ، حيث يشير الى ان سياسة الاستبداد في الدول التي تبنت الليبرالية " وغياب الاستقرار في حماية قوانين ثابتة لم يكن ليسمح بنمو اقتصاد وطني رأسمالي منتج ولا قطاع عام قابل للحياة، كما لم يسمح ببروز طبقات ليبرالية ديمقراطية واقتصر الأمر على برجوازية كمبرادورية طفيلية ". وهذه الحقيقة المرة غالبا ما يحاول الليبراليون إخفاءها أو تجنب الحديث عنها. الفرق بين رأي الكاتبين مهم وجوهري، ولا يمكن ان نمر عليه مر الكرام. السيد مختار لا يخفي اعتزازه بكونه ديمقراطي ليبرالي، بل يذهب أبعد من ذلك ليتحول الى ديمقراطي ليبرالي مستبد حين يعلن: " ولهذا فأنا أعتقد أن مثقف اليوم إما أن يكون ديمقراطيا لبراليا أو لا يكون. لماذا؟ ". فاذا كانت الليبرالية في الوطن العربي لم تستطع ان تنجب سوى برجوازية كمبرادورية طفيلية، فلماذا تطالبون الشعوب العربية بمباركة هذا النهج ؟ بعد عام واحد ستحتفل الليبرالية الحاكمة في مصر بعيد ميلادها الأربعين. فما الذي تم تحقيقه من انجازات كي تستحق التجربة الناصرية كل تلك اللعنات ؟
الليبرالية العربية والبرجوازية الطفيلية :
دعونا نترجم هذا المصطلح " برجوازية كمبرادورية طفيلية " الى أرقام وواقع ملموسة. لست خبير بالشؤون المصرية ولكن بضعة أرقام استقيناها من مصادر مصرية، يمكن ان تعكس الحالة التي وصلتها البلاد. هذه المصادر لا تمت بأية علاقة من قريب أو من بعيد الى بالشيوعيين ولا يمكن لأي عاقل ان يوجه اليهم تهمة العمالة للاتحاد السوفيتي، ولم يبشروا يوما من الأيام بأفكار شيوعية أو اشتراكية، بل هم أقرب الى الفكر الديمقراطي اللبرالي.
لماذا تتراجع الثقافة وتتقدم الأمية في العالم العربي ؟ يجيب الأديب المصري المعروف أحمد الخميسي بانه من الصعب، بل من المستحيل الجمع بين الكتاب والواقع المرير الذي تعيشه الجمهرة الواسعة من الناس، ويتوقف عند أكبر دولة عربية هي مصر: ان 35 % من أهلها يسكنون في مساكن عشوائية وهناك نحو أربعة مليون أسرة تهيم على وجهها بلا مأوى، وان 45 % من الفلاحين بلا سقف وأرض..".
وماذا عن العشوائيات وسكانها ؟ في تصريح له قال وزير البيئة ان العشوائيات في مصر من التحديات الرئيسية بعد أن أصبحت تمثل ٣٠% من المناطق السكنية في ، ووصل سكانها إلي ما يزيد علي ١٦ مليون مواطن وتنتشر في أكثر من ١١٠٠ منطقة علي مستوي المحافظات.وأضاف إن المناطق العشوائية في محافظة القاهرة وحدها والمقامة علي أراضي الدولة، ٨١ منطقة علي مساحة ٢٦٨٠ فدان..وفي تقرير صادر عن جمعية مؤسسات الأعمال للحفاظ علي البيئة: إن العشوائيات استهلكت ٤٠٠ ألف فدان من الأراضي الزراعية..
لنتوقف عند شهادة رجلين، هما من أشهر رجال العلم في العالم العربي.. لم يكن لأي منهما نشاط سياسي ملحوظ، ولم يقف أحد منهما في يوم من الأيام في الخندق المواجه أو المعارض لأي نظام حكم عربي، وخاصة نظام الحكم في مصر. يقول العالم المصري المعروف د. فاروق الباز :
* فاتنا عصر الصناعة ولم نشارك في الثورة الصناعية التي غيرت معالم بلدان كثيرة ... وفاتنا عصر الذرة الذي شاركت فيه أمم لا تزيد عنا علما أو خبرة... مع أننا في مصر مثلا بدأنا العمل في هذا الميدان في العام نفسه مع الهند! ( بدأ البرنامج الذري في عهد العميل السوفيتي عبد الناصر، وتم إلغاءه في عهد المنقذ السادات ). وفاتنا عصر الفضاء ... وبقينا كالمتفرج الذي لا يعي قوانين اللعبة. واليوم يقفز عصر المعلومات بخطى فائقة السرعة, ومعظمنا ينظر ولا يرى, وبقينا في مؤخرة العالم...يوضح ذلك أن وضع الإنتاج التقني في العالم العربي مزرٍ للغاية. سكوت أهل الفكر على ذلك ليس بفضيلة, ولكنه رذيلة. لا يصح أن يدور ما يدور من حولنا ولا نأبه..ضعف القيادة وغياب الريادة هما من أسوأ صفات العالم العربي في الوقت الحالي".
أما د. أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء فيرى بانه من أجل ان يكون لنا مكان على خريطة القرن الـ21 لا بد أن يكون هناك تعليم وعلم جديد يغذي العقل، بالإضافة إلى قيادة حكيمة وديمقراطية حقيقية؛ فهذا سيكون صاحب الدور الأكثر فاعلية في القرن الحالي ".
هذا التخلف والتراجع في مجال العلم والفكر والثقافة كان لا بد ان يؤدي تراجع التفكير العلمي عن حياتنا، وانتشار الخرافة والدجل والسحر في أوساط واسعة من المجتمع. نتوقف عند هذه المعلومات التي وردت في دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الجنائية بالقاهرة، و أوردها الأستاذ شامل في مقال سابق نشر على الموقع ( 7 -2 -09 ) :
" المصريين ينفقون 10 مليارات سنوياً على قراءة الغيب وفك السحر والعلاج من الجان وهذا مبلغ يفوق فعلياً ما تحصل عليه مصر من قناة السويس نتيجة عبور السفن..
مليون مصري يعتقدون أنهم ممسوسون ( متلبسين بالجن ) . 1/2 نساء مصر يعتقدون اعتقادا جازماً بتأثير السحر .. ينفق المصريون على الشعوذة أكثر من ميزانية مصر للتعليم .. هناك دجال لكل 240 مواطن " .
الموقف من الشيوعيية :
يشير الأستاذ مختار في تعقيبه الى ان " العداء البدائي للاشتراكية والشيوعية مضر جدا بالتحالف الاجتماعي الواسع الذي يجب أن يكون في مجتمعاتنا بعيدا عن أي انغلاق أيديولوجي، من أجل إلحاق الهزيمة بقوى الاستبداد السياسي والديني.. لا أعتقد أن من مصلحتنا كليبراليين أن نفتح جبهات وهمية ضد الشيوعية أو الاشتراكية..".
في رده أكد شامل انه من المستحيل أن يفكر في أن يكون عدواً للشيوعية إنما هي مجرد آراء مخالفة للأفكار الشيوعية : " وأنا حريص على أن لكل إنسان فكره ورأيه الذي يتبناه وهذا هو بحد ذاته البعد عن الانغلاق الأيدلوجي .أما الطرف الآخر فبصراحة لا يستطيع التعامل مع المسميات الأخرى بالقدر الذي يتعامل به الليبراليون فهم على الأغلب أصحاب النظرة الصائبة والتي تبدو من بعض الخطابات أنه لا يجوز لأحد أن يقترب منها أو أن يتعرض لنقدها ".
كلام جميل ! بالفعل هناك من المنتمين الى " الطرف الآخر " الكثير ممن يعتقد بانه يملك الحقيقة لوحده ويرفض أي نقد. ولكن لم هذا الجزم ووضع كل من ينتمي الى " الطرف الآخر " في خانة واحدة ؟ أيعقل ان الكاتب، ، لم يعثر على أحد من " الطرف الآخر " بمواصفات أخرى غير تلك التي ذكرها ؟ والمدهش انه في الوقت الذي ينفي على قوى اليسار والشيوعيين قدرتهم على تقبل النقد، نجده يعتبر الليبراليين وبالإجماع من ماركة مسجلة واحدة ، ومن أصحاب الصدور الواسعة التي تتقبل النقد وتحتمل الرأي المخالف.

علي صبري فيلسوف الشيوعيين :
سأصدق ما ذكره الكاتب بشأن موقفه من الشيوعية. ولكن في هذه الحالة سيكون مطالب بتقديم تبرير مقبول للقراء للسبب الذي دعاه الى حشر هذه الفقرة الطويلة في مقاله : " حسب رائي المتواضع فان الدفاع من قبل الإخوة الشيوعيين عن عبد الناصر هو وجود فيلسوف الحركة الشيوعية في مصر علي صبري الذي تبوأ مكانة قرب القمة بضغط السوفيت وإملائهم رغم إرادة عبد الناصر .. أن السوفيت فرضوا علي صبري كحارس للصداقة السوفيتية المصرية واجبروا عبد الناصر على استدعائه من عزلته والباسه بزة الفريق الجوي في سلاح الطيران ..".
وحسب رأيي المتواضع ان السيد شامل في هذه الفقرة قد ضرب عرض الحائط بكل تلك العبارات الرائعة التي بدأنا بها المقال، لأنه وبكل بساطة قد حول كتابته الى اتهامات لا يقوم عليها أي دليل. وحسب رأيي المتواضع ان دفاع الشيوعيين عن عبد الناصر لم يقتصر على الشيوعيين المصريين، بل تجد نفس الموقف المدافع لدى غالبية الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية، بالرغم من ان سياسة عبد الناصر قد ألحقت الكثير من الأذى بالشيوعيين ( خاصة من مصر والعراق وسوريا ولبنان ). وحسب رأيي المتواضع أيضا ان هذا الموقف لا علاقة له بالموقف من علي صبري، وعلي صبري لم يكن فيلسوف الشيوعيين، ولم يكن شيوعي، ولا حتى ماركسي. موقف الشيوعيين المصريين من عبد الناصر ( بغض النظر عن صحة هذا الموقف من عدمه ) معروف للقاصي والداني، وقد ارتبط بمواقف عبد الناصر الوطنية على الصعيد الداخلي والخارجي. ان ما ورد في هذه الفقرة يحمل الكثيرة من الإساءة لشخصيتين سياسيتين، لا يمكن التعامل معهما بهذه الدرجة من الاستخفاف، لمجرد الاختلاف معهما بالموقف والرأي. لم يكن عبد الناصر في يوم من الأيام ألعوبة بيد السوفيت أو الأمريكان ولم يكن علي صبري شاويش في الجيش المصري ثم جاء به عبد الناصر، بأمر من السوفيت، ومنحه رتبة فريق ركن وسلمه قيادة سلاح الطيران ، بل لأنه في الأساس كان ضابط طيار وقد اشرف على القوات الجوية خلال سنوات إعادة بناء القوات المسلحة وحرب الاستنزاف. وقبل ان تطأ قدم القادة السوفيت أرض مصر ساهم علي صبري في تأسيس جهاز المخابرات المصرية وتولى قيادتها. ولعب دورا مهما في تطوير العلاقة بين مصر وأمريكا ومن ثم بين مصر والاتحاد السوفيتي. وكان عضوا قياديا بارزا في الاتحاد الاشتراكي، وأصبح نائب للرئيس السادات، قبل إقالته واعتقاله. لا يمكن التعامل مع التاريخ بمثل هذه الطريقة التي تعامل بها الكاتب إلا اذا كان واثقا بانه يمتلك الحقيقة لوحده!!
موقف الليبرالي من النقد :
نعود الى موقف الليبراليين من النقد . هل حقا ان جميعهم يتقبلون النقد ويتعاطون برحابة صدر مع الرأي المخالف ؟ لن نذهب بعيدا. من بين اللذين عقبوا على مقال الأستاذ شامل هو د. صلاح دعس : ".. لذلك أصابني مقال السيد فؤاد النمري بالذهول سيما عندما قال أنه اكتشف فى التكوين الثقافي لطارق حجي ضعفا (!!!) فيما يتعلق بمعرفته بتاريخ الحرب العالمية الثانية ! وقد كنت أتمني ألا يذهب السيد فؤاد النمري لذلك القول (غير الصحيح البتة) ؛ إذ أنني أشك أن هناك مؤرخ متخصص فى تاريخ الحرب العالمية الثانية يعرف عن تفاصيلها نصف ما يعرفه طارق حجي...". ويضيف " كذلك أود أن ألفت انتباه القراء أن أسلوب طارق حجي الواضح والخالي من التقعر والصافي إلى حد مذهل هو أحد الفوارق الهامة بين ذهنية طارق حجي وذهنية جل من تعرضوا لأفكاره على هذا الموقع بالنقد (وأيضا -بالنقض-) ...
لست أدري ان كان الأخوة الليبراليون يوافقون زميلهم على مثل هذه الدعاية الفكرية – السياسية المجانية، والتي تذكرنا بالبرامج الثقافية والفنية التي نشاهدها عبر الفضائيات العربية التي يخصص 95 % من وقتها لتبادل كلمات الإطراء المتبادل الممل. أين هي الخطيئة التي ارتكبها فؤاد النمري بحق طارق حجي كي يستدعي كل هذا الدفاع ؟ قد يكون النمري قد أخطأ في تقييمه. لكني نفسيا وعقليا مهيأ للأخذ بكلامه، ولكني أجد صعوبة بالغة في ان أتقبل ان طارق حجي يعرف عن تفاصيل تلك الحرب ضعف ما يعرفه مؤرخ متخصص بها. أي حرية تعبير، و ليبرالية مزعومة تلك التي تسمح بإطلاق مثل تلك الأحكام على ذهنية هذا الكاتب أو ذاك لمجرد انه تعرض بالنقد لأفكار حجي ؟ ان موقف كهذا لا يختلف، من حيث المبدأ، عن موقف الناقد الذي يحكم على قيمة العمل الإبداعي الفني أو الأدبي من خلال الموقف الفكري والأيديولوجي.
شامل يتهرب من أهم سؤال :
من بين التعقيبات التي وردت على مقال السيد شامل التعقيب التالي، الموقع باسم ذو النون قاف : " معذرة أردت المرور لتحية الأستاذ مختار، فهو يمتلك ضمير كتابي يقظ ولا يُضيع البوصلة بسرعة .. في وقت تدفع النيوليبرالية العالم لحافة الجوع ..مع أنه يُنتج ضعف ما يحتاجه من طعام . فأي نظام لا إنساني هذا الذي يملك 4% منه أكثر 75%- من الثروة .. فلتذهب إلى الجحيم هذه الليبرالية المقيتة. . ".
وقد رد الكاتب بالتعقيب التالي : " ليس من الضروري أن ما تحمله من فكر قد يكون صحيحاً بحيث يجعلك تمقت الأفكار الباقية لان الفكرة لا تكفي أن تكون صحيحة بحد ذاتها . الأحرى بها أن تكون عملية ممكنة التطبيق وكثيراً ما تكون الأفكار التي يأتي بها الكثيرون رائعة ولكنها في الوقت ذاته عقيمة تضر الناس أكثر مما تنفعهم . قد تقول ليِ أن هذا ينطبق على الليبرالية فقط وأقول لك لا على كافة الأفكار . فما عليك إلا أن ترى من همْ الليبراليون في العالم ومن هو غيرهم . وقارن البلاد بعضها مع بعض . أما اذا كنت تكره أمريكا فقط هكذا فهذا الأمر لا دخل لنا به.أما امتلاك 4% من هذا العالم 75% من الثروة فهذا ليس محله الآن . "..
حقا من هم اللبراليون في العالم ومن هم غيرهم ؟ اذا كان المقصود بغيرهم هم الذين يؤمنون بفكرة صحيحة، لكنها غير عملية وغير ممكنة التحقيق، من وجهة نظر الليبراليين، هم الاشتراكيون، فهم يؤكدون على ان فكرتهم ليست حلم طوباوي ويمكن تحقيقها على المستوى البعيد، وذلك من خلال النضال الدءوب المتواصل لتطوير وتعميق الديمقراطية البرجوازية وتحقيق المزيد من المنجزات في المجالات الاجتماعية الاقتصادية التي تسعى الى تحقيق المزيد من المساواتية بين فئات المجتمع.
سؤال أخير أوجهه الى الأستاذ شامل : نزل الى أحياء القاهرة الفقيرة، أو زار مناطق العشوائيات، أو جلس في مقهى شعبي في أحدى قرى مصر التي يعيش 45 % من سكانها بلا سقف، كما يقول ألكاتب أحمد الخميسي، وسألوه عن ال 4 % من هذا العالم الذين يمتلكون75 % من الثروة، وأجابهم بنفس الكلمات التي قالها للسيد ذو النون قاف " هذا ليس محله الآن " فماذا سيكون ردهم ؟ ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الموروث الثقافي
خالد صبيح ( 2009 / 3 / 12 - 00:11 )
اولا اود ان اشكرك على هذا المقال الرصين وروح المحاججة العلمية التي اتسم نقاشك بها، بغض النظر عن مدى الاتفاق مع النتائج التي توصلت اليها او الافكار والمنطلقات التي سقت نقاط مناقشتك منها.

لدينا معضلة موضوعية لايمكننا تجنبها الا في حالات نادرة، وربما فردية فقط، وهي ان جميع حاملي الفكر العلماني والحداثي لدينا هم في النهاية نتاج موضوعي وخلاصة لتجارب ثقافية ونفسية واجتماعية مصدرها محيطنا الاجتماعي الذي نحيا فيه، والذي هو يحمل صفة التخلف كواحدة من اهم صفاته.

يحضرني هنا قول للكاتب (زهير الجزائري) قاله في محاضرة عن الفاشية البعثية حينما قارن بين هذه الفاشية والفاشية الام حيث قال:
( كلمن فاشيته على كد(قد) غطاه) واعتقد ان هذا يمكن تعميمه ، وان بتحفظ، على لبراليينا ويساريينا وعلمانيينا وديمقراطيينا.

وهذا ليس انتقاص من فكر احد او من شخص ما وانما هو توصيف للواقع، فنتاجنا الفكري والثقافي في النهاية هو انعكاس، شئنا ذلك ام ابينا، لواقعنا ولموروثنا العقلي والثقافي. وانا لاانظر هنا بسلبية لهذا الموروث ولااعتبره قدرا او صفة ملازمة وانما هو حالة تاريخية يمكن تجاوزها من خلال حركة تطور المجتمع والانسان.

فلاتستغرب ياعزيزي حينما ترى ديمقراطي او لبرالي بميول استبد


2 - لو لم يمت عبد الناصر
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 12 - 08:08 )
لنفرض ان عبد الناصر لا يزال حيا ويحكم مصر فهل تنتهي معاناة المصريين ؟ هل تزال المساكن العشوائيه ؟ هل تتقلص الاميه ؟ هل يعيش الشعب الصري في الفردوس ؟؟ كلا والف كلا ربما كان حال الشعب المصري اسواء بسبب المغامرات الصبيانيه لهؤلاء العروبيين والتي تقتل الناس وتنهي الاقتصاد وتضيع اموال البلد ومن هو سبب ماساة الشعب المصري ؟ ومن هو سبب ماساة الشعب العراقي ؟ اليس هو عبد الناصر بمساعدته الفاشيين العروبيين والواويه البعثيه للاستيلاء على السلطه في العراق ؟؟؟


3 - لماذا ؟
دكتور صلاح عدس ( 2009 / 3 / 12 - 12:58 )
أقول لسيدي الفاضل الموقر الأستاذ عدنان عاكف ... مع إحترامي (الصادق) لك ولمقالك هذا أرجو أن تسمح لي بالإستغراب من قولك : ( ولكني أجد صعوبة بالغة في ان أتقبل ان طارق حجي يعرف تفاصيل تلك الحرب ضعف ما يعرفه مؤرخ متخصص بها). أنا أكاديمي كانت رسالته لنيل درجة الدكتوراة عن المشروع الفكري لطارق حجي . وهو ما إقتضي أن أعكف على دراسة مؤلفاته بالإنجليزية والفرنسية (عشرة كتب) وبالعربية (20 كتابا) ... وأغلب الظن أنك لم تفعل شيئا من هذا ؛ فعلى أي أساس قلت أنك تجد صعوبة فى أن تقبل ذلك ؟ وإذا كانت لجنة ثاني أكبر جائزة أدبية أوروبية وهى جائزة غرينزان كافور الإيطالية قد رأت (بعد فحص مؤلفات طارق حجي) منحه جائزتها الكبري لسنة 2008 ؛ فهل نرفض ما جاء بقرار منحه الجائزة من واحدة من أكبر الهيئات الثقافية فى العالم ونساير إطلاق الأحكام على عواهنها بدون سند أو مسوغ أو مؤهل ؟ لقد صارت مشاعر الهدم العربية/العربية (بحق) مثار إندهاش البشرية ... ولا لوم عليهم ؛ فنحن نقدم الدليل كل يوم على إتقاننا لفن واحد ووحيد هو الهدم - صلاح عدس.


4 - شكراً جزيلاً
شامل عبد العزيز ( 2009 / 3 / 12 - 15:48 )
شكراً سيدي الفاضل . ليس من المعقول أن أرد على مقالتك التي أتسمت بالهدوء في الطرح بغض النظر عن النتيجة في تعليق بسيط من عدة أسطر ولكني أعدك بمقال حول الموضوع حتى تتوضح الرؤية . مع محبتي وتقديري

اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح