الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسبحة بمليون حبة و حبة

علي ديوب

2009 / 3 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن غسان بن جدو قد رضي بأن يكون صوت المقاومة، كما يفهمها. و صار، و هو الأمهر و الألمع بين زملائه، يصبغ اللقاءات و الأماكن التي تشهدها بصبغة مونولوجية، مباعدا المسافة شيئا فشيئا يبنه و بين منطلق و مسمى برنامجه- الحوار المفتوح- مسقطا من حسابه و حساب متابعيه الصوت الآخر، أو الأصوات الأخرى؛ كما لو ان استضافته لمجموعات الشباب لم تعد تعدو أن تكون جزءا من الديكور. بما يعني أن القطع المعروضة يجب أن تكون منسجمة مع الغاية الموضوعة لأجلها، متجانسة مع اللوحة العامة. و تخدم، سواء في صمتها أو في نطقها، المقدس الذي يقصي و يحجب و يسكت و يمنع و يمتنع.. بدلا من أن تتواضع على البيني الذي يشرك و يشف و يفصح و يتيح و يقارب. و من مكان إلى مكان صار الصحفي من متقصي لأبعاد الحدث و عاكس أمين لأوجه موشوره المتعددة، إلى رسول الحقيقة الواحدة. و لهذا وجدناه في آخر إطلالة له من غزة يكتسي و يكسي برنامجه حلة جديدة، هي الأكثر اختزالا من كل المرات السابقة، حين استعاض عن المكان المرسوم لغاية حوار مفتوح، بمكان مفتوح( بستان في البرية) أعد بعناية لكي يكون صوتا بلا أي صدى. و قولا مرسلا، يوحي بأنه قول المرسلين.
لم أفهم مغزى أو ضرورة أن يكون اللقاء في مكان قصي معزول، بعيدا عن أي سكن للبشر، و بالتالي عن الناس؛ إلا ظلالا متناسخة من الحراس المقنعين، كل منهم في حالة الجاهزية لإطلاق النار: إصبع يمناه على الزناد، بصورة تدفع دفعا للسؤال و التساؤل: لم؟( على الأقل لأن أصابع يسراه تطقطق بحبات المسبحة!)؛ هل هي رسالة فجة حتى لتفقأ عين الذاهل، و تقول له: لا لغصن الزيتون، و من قبله لا للكتاب؟ أظن أن البلاغ المبين لا يحتاج لمثل هذه العراضة، إلا إن كان المبلّغ لا يثق بذاته و لا بالمتلقي. أو كان ينوء بأثقال قوقعته، حتى ليشق عليه أن يرى أحدا متحررا من مثل تلك القوقعة، و متخففا من عذاب قبرها. هل يغص شارب البحر بالساقية؟ فكيف تحمل معد و مقدم البرنامج مخاطر عبور الحدود و ما يلفه من مصاعب و غموض، و صعب عليه أن يجد مأمنا لبرنامجه في بيت يحمل رائحة الحياة؟ و ماذا بشأن مستضيفيه المقاومين؟ أفي أوقات السلم يرابط المقاومون في العراء؛ بينما كانوا في الحرب يرابطون في البيوت، معرّضين- بل مجبرين- السكان لتقاسم حصتهم من الاستهداف المعادي الوحشي؟
يقع كبير المقنعين( أو أحد اثنين جلسا وسط الحراسة النارية التسبيحية) بالتناقضات، و هو يتباهى باستعراض قدرات المقامة التي ينتمي إليها، و ذلك في معرض حديثه عن العدو الذي تصدت له هذه المقاومة: فمن جهة كان و أخوته المقاومين في الميدان، وجها لوجه مع العدو. و من جهة ثانية لم يخسروا إلا عددا قليلا جدا من الرجال.. ترى: هل كانوا يقومون بدور المتفرج فقط، كي يؤمنوا للبرنامج الموعود مادة وثائقية صادقة، يردون بها على إعلام العالم المعادي و المتآمر(؟!). من جهة يتصف جنود العدو بالجبن و الرعب، ما أن تتحرك في وجههم قطة- حين يداهمون منزلا- حتى يفروا مذعورين لا يلوون على شيء، و من جهة ثانية لم يتم التطرق إلى تفسير اقتحامات الجنود أولئك للبيوت، و احتلالهم لها، إلا في معرض المقارنة بين وحشيتهم و بين إنسانية أبطال المقاومة، الذين كانوا، كما ذكر المقنع، يتركون رسائل الاعتذار لأصحاب البيوت التي يضطرون للنوم فيها، أو لاستخدام محتوياتها، أو التهام الطعام المتوفر(.. بدلا من قيامهم بدور المزود بمقومات الحياة لمن يحتاجها.. و كم كان صعبا على الناس أن يوفروا لقمة العيش في حصار تاجر الحمساوين بدموع من عانوا الجوع جراءه!)، و .. يوقفه أخوه المقنع الثاني عن الاسترسال، لكي لا تتبلور صورة احتلال أخوي شرعي، هو على كل حال استجابة لإرادة إلهية كما أطلق عليها النزال في معتركه و الهنية في معتزله.
مشهد المسبحة في يد المقاتل هي بالنسبة لي سابقة بصرية، فوق أنها فكرة عقائدية ثورية غاية في التركيب. على الأقل لما تنطوي عليه من مفارقات تتصل تحديدا في طبيعة حرب العصابات و قتال الشوارع الذي يعتمده رجال حماس. و في حين أنه( المشهد) ارتبط بصورة المصلي غالبا، أو المتبتل في محراب الذكر( خاصة لمن بلغت مسبحته أو مسبحتها التسع و تسعين حبة)، فهو أيضا يحاكي مشهدا شقيقا. ربما يكون مرجعيا ثقافيا و عقيديا، يتحدد في صورة لباس مقاتلي الطالبان و عناصر القاعدة. فليس سهلا على العين أن تؤالف بين صورة لرجل يحمل مظهر الدراويش، و يلف نفسه باللباس الطويل، و هو بنفس الوقت يحمل السلاح و يناور و يجري و يطلق النار من رشاش حديث، في مواجهة آلة حرب هي الأحدث؟
لم يكن برنامج الجزيرة وحده حمال هذه المفارقة، ذلك أن رجالا على الضفة السورية، من عناصر المخابرات و لكن في مسلسل سوري تعرضه قناة إنفينيتي، و هو مسلسل أيام الولدنة للكاتب و الصحفي السوري حكم البابا، يؤدون وصلة تسبيح مماثلة بالمسابح.. و لقد اكتملت الطرفة في نظري، و بدت لي أنها تحمل وحدة في الموضوع، عداك عن التناسخ في الشكل، حين شاهدت حلقة المسلسل في اليوم التالي لعرض برنامج حوار مفتوح. و أحسست كما لو أني أمام مسبحة طويلة طويلة.. تمتد مئات بل آلاف الأميال، تشبك بين الممانع و الممانع.. في حركة واحدة من تسبيح يديره مايسترو من الأولياء الصالحين، مستخدما المسواك عصا توجيه و قيادة و تأليه. تتبعه جيوش من الموالين المسبحين السابحين في بحر ما بعد الحداثة، بمعجزاتهم التي ستسجل لهم في كتب الأرقام القيامية( لا خطأ مطبعيا هنا)، و البراهين الخرافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بلا عنوان
دنيا الوطن ( 2009 / 3 / 11 - 22:35 )
لا أعرف الكاتب ، ولكن حسب معلوماتي المؤكدة كان صحفيا على مدى عشرين عاما في صحيفة الثورة السورية ، يكيل المدائح للنظام السوري ولممانعته . وحين أصبح تعرض لاتهامات بقضايا فساد ( وربما تكون ملفقة) هرب إلى بريطانيا مع زوجته التي تعمل في شركة شل للنفط ، وأصبح على الضفة السياسية الأخرى ( بضم الهمزة أو فتحها ، لا فرق . هذه هي حال تسعة أعشار المعارضين السوريين ( من نمط وهابي ، حتى وإن كانوا علمانيين) الذين يركبون موجة المعارضة واحتقار المقاومين ، سواء أكانوا فلسطينيين أم لبنانيين ، لمجرد أنهم على علاقة بالنظام السوري ، كما لو أن عليهم أن ينتظروا مساعدة من النظام الوهابي أو نظام كافور الإخشيدي في مصر
لا تستهويني حماس ، ولا قناة الجزيرة الشعبوية ، رغم مهنيتها النسبية قياسا بماخور قناة - العربية -. ولكن عندما أتعرض لشيء أو حدث أو ظاهرة بالنقد ، عليّ أن أعرف ما أقول وأكونا منطقيا ، وأن لا أقول أي شيء لمجرد أني أريد أن أقول وأثرثر، أو بتعبير آخر : عليّ أن لا أبول في ملابسي نكاية بالطهارة !؟
هل تعرفون على ماذا يعلق السيد ديوب !؟ باختصار إنه يعلق على لقاء غسان بن جدو مع مقاتلين من حماس في بستان بقطاع غزة ، ويحتج عليه لأنه لم يلتقهم في مكان مفتوح ... ساحة اسحاق رابين ، مثلا ، وسط تل أبيب ، أو


2 - إلى دنيا الوطن
sahar ( 2009 / 3 / 12 - 11:43 )
أتمنى أن تكون يا دنيا الوطن مو بضفة أخرى
وأرشيف علي موجود عند المخابرات وقبلها بأذهان الكثيرين ممن عرفوه نظيفة ونقية من اتهاماتك المضحكة
أظن أنني عرفتك
ولكنك على الاكيد أنك خير من تعرف نفسك
ومن يطالب بالنقد الواقعي والمعقول ليبدأ بنفسه ولا يتهجم على الاخرين
أم أننا لا نستطيع إلان نكون ونبقى نسخ مشوهة عن أنظمة القمع العربية وتفريخاتها المقرفةولو لم تكن كذلك لكنت كتبت باسمك الصريح بلا أقنعة وما كياجات ذابت من زمان
صوب معلوماتك البايتة


3 - رد على الاخ بلاعنوان
ياسر ( 2009 / 3 / 12 - 12:02 )
بالبداية انا اعرف الكاتب منذ اكثر من 15 سنة و نعم كان يعمل بجريدة الثورة و لكن قلته غير صحيح بل على العكس كان مقموعا من قبل كل الادارات التي مرت على الجريدة و ذلك بس مواقفه النزيه تجاه البلد و الناس و اخلاصه تجاه كل قضايا المنطقة عامة و سوريا خاصة وفي كثير من الاحيان كان راتبه يصل ناقصا بسبب العقوبات العسكرية في جريدة الثورة( اما ان تكتب كما نريد او انت لست معنا .... و هو اللذي لم ينل اي مكافات و لا ترقيات طيلة فترة عمله بالجريدة بل على العكس كان كما قلت مقموعا منبوذا بس مواقفه المضادة و المعارضة و لكن ربما باسلوب حضاري و مدني واعتقد ما كتبته ظالم و مجحف بحق هاذا الانسان و لو كنت جريء بما فيه الكفاية لاعتذرت عما كتبت! يحق للك التعليق على الموضع باي طريقة تحب توافق او تخالف انت حر و لكن من غير التدخل بخصوصيات الكاتب و من غير تجريح و يجب ان نحاول انت نتعلم كيف نكون محترفين و مهنيين اكثر من ذلك و شكرا


4 - إلى قلب العروبة النابض
رؤية ( 2009 / 3 / 12 - 15:14 )
أجمل من كتب عن علي ديوب في تاريخ عمله في جريدة الثورة الغراء بقلم سلمان عز الدين
أرفقه تاليا لكل جاهل ومدعي




تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


القتل بالإهمال


الاربعاء 1/9/2004
سلمان عز الديني
كنت طالباً في كلية الصحافة, عندما رأيته أول مرة, وعلى الفور صار بوجهه المؤرق وعينيه الناريتين وحقيبته المشدودة دوماً على كتفه, تجسيداً حياً لحلمي الوردي في أن أكون صحفياً.

لا أعرف أية رياح قادتني بعد سنوات من ذلك, لأستقر في الجريدة نفسها.. في القسم نفسه, حيث وقفت وجهاً لوجه أمام حلمي الوردي, شاركته آخر أوهامه وآخر معاركه, وصدقت كلماته عن الصحافة الحرة, ضمير المجتمع وصوت الناس, يومها لم يكن قد تحول بعد إلى دون كيشوت أخرق, ولم يكن أعداؤه مجرد طواحين هواء.. أعداؤه كانوا مجسدين وقابلين للمس: الفاسدون وعديمو الموهبة.‏‏

وفيما ظل محترقاً بأفكاره النبيلة, ومتشبثاً ببنطال السبعينيات المهترئ وبسيجارة الشرق الرديئة, ومتبختراً ببضع ليرات في جيبه, كان زملاؤه الرماديون قد حققوا نجاحات مذهلة مطبقين الحصار حوله, صاروا مسؤولين متنفذين أو أصدقاء حميمين لمسؤولين متنفذين.‏‏

تبخّر حلمه وصدأت روحه ثم انتهى إلى مجرد نكتة


5 - رد الكاتب على بلاعنوان
Ali Dayoub ( 2009 / 3 / 12 - 15:32 )
قد أوافقك يا بلا عنوان، على الحقيقة التي تقول أنك توصلت إليها الحقيقة التي توصلت إليها، و التي تقول فيها- أنه ليس أسوأ من الأصوليين في بلادنا إلا مدعي العلمانية-، فهذا رأي لا بد أن يكون من حقك الذي أومن به إذا كنت أستحق أن يحترم رأيي؛ و لكن ما أطالبك بإثباته، هو ما ذهبت إليه مذهب الرأي المسلم به- كما لو انه خبر بسيط- فيما هو اتهام، يحتاج لدليل يحمل عليه. أكون سعيدا بشفافيتك المتلطية خلف ستار الحرمان( بلا عنوان)، و الغيرة الوطنية و الروح المقاومة، لو أنك احترمت نفسك، إذا عز عليك احترام قرائك، فقمت بالكشف عما تزعم بأنه قضايا فساد تعرضت أنا للاتهام بها، غير مشكور على التعاطف الكاذب معي، أو على رد الاتهام، بأنه( ربما) يكون ملفقا، إلى مختلقيه الذين لم تذكرهم، إلا تلميحا في نهاية نشيدك البديع، حين ترميني بأنني قررت النفاد بريشي قبل أن تعتقلني الشرطة الجنائية، لا الشرطة السياسية... و إلا فلا يمكنك أن تكسب احترامي، و لا تقديري. لأنك ستكون وضعت نفسك، متطوعا رخيصا، كحبة في مسبحة طويلة فيد هذه اليد أو طلقة في مخزن بندقية في تلك؟
أما عن وضعي المهني، فأنا لا أزال على ملاك جريدة الثورة السورية، و أمضي إجازة بلا راتب- تنتهي في الصيف القادم- هي جزء من مستحقاتي الوظيفية. و يعيش نصفي( ولدي: جنين

اخر الافلام

.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب


.. كيف سيتعامل الرئيس الأميركي المقبل مع ملف الدين الحكومي؟




.. تساؤلات على إثر إعلان الرئيس الأميركي وقف شحنات السلاح الهجو


.. نشطاء أتراك أعلنوا تأجيل إبحار سفينة مساعدات إلى غزة بسبب تع




.. محاكمة ترامب في نيويورك تدخل مراحلها الحاسمة| #أميركا_اليوم