الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة الصعبة

حاتم جعفر

2009 / 3 / 12
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بدعوته امام مؤتمر عشيرة بني وائل الذي عقد بتأريخ 6-3- 2009 وتكراره لهذه الدعوة والتشديد عليها في اليوم التالي خلال الكلمة التي القاها في افتتاح المؤتمر الاول للعشائر العراقية وبكل قومياته, الى اجراء مصالحة شاملة مع مؤيدي ومؤازري والمحسوبين على النظام السابق, ربما لا يكون السيد نوري المالكي في ذلك قد فتح باب الحملة الاعلامية مبكرا فحسب, استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة والتي ستجري من حيث التوقيت مع نهايات العام الجاري, وانما ليكون بذلك السيد رئيس الوزراء قد أطلق مبادرة من العيار الثقيل.
وضرورات الدعوة هذه قد يكون مردها التطورات والمتغيرات التي من المتوقع ان يشهدها الشارع العراقي انسجاما والنتائج التي أفرزتها انتخابات مجالس المحافظات وما يمكن ان يسفر عنها بالتالي من خلق اصطفافات جديدة, تستبعد بالضرورة بعض الاطراف التي ترى فيها القوى الصاعدة, عاملا معرقلا بوجه مشاريعها المستقبلية وهذا ما بدى جليا خلال السنوات الست الماضية حين تمكنت ومكنت من لعب دور مؤثر وسلبي في بناء اساسات واتجاهات الدولة التي أريد لها ان تتشكل بعيد الاحتلال, وكان من بين ذلك, تلك التطلعات التي ما انفكت تروج لها صباح مساء وتحشد لها على طول العراق وعرضه, حين دعت الى اقامة كيانات مستقلة هزيلة, تحت مسميات وواجهات, اثبت الواقع فشلها في ان تكون نموذجا صالحا يمكن اعتماده لبناء دولة مثل العراق, ومرد ذلك وعلى أقل تقدير لضروف الخاصة والاستثنائية التي يمر بها في الوقت الحاضر.
فلا بد اذا من اعادة النظر بالخارطة السياسية التي كانت قد تشكلت برغبة وارادة الاحتلال, ولابد ايضا من الانتباه الى رغبة الناخب وحجم الضغط الشعبي الذي يمكن ان يتشكل لاحقا ان لم تجر الاستجابة الى مطاليبه, خاصة وان هناك اختبارا آخر قادم لامحال, وان من تم انتخابه في مجالس المحافظات, لازال واقفا على رمال متحركة, من الصعب المراهنة عليها ان لم يجر الايفاء بالوعود التي قطعت.
واولويات المواطن العراقي لاتعد ولاتحصى بسبب حجم المعاناة والكوارث التي حلت فوق رأسه, التي أخذت بالتفاقم يوما بعد آخر, رغم الوعود التي قطعت له بعد ان تم اسقاط النظام السابق. وان تساهل أو تغافل عن عمد أو أجل المطالبة ببعض الحقوق والمكتسبات الطبيعية والتي وفرها ويحميها شرط المواطنة, فأنه لن يفرط او يتجاوز أو يحيد عن توفير الامن لكل المواطنبن على حد سواء, ولاتمييز او تفضيل او تفريق بين هذا وذاك, فلا العنصر ولا العرق ولا المذهب ولا الانتماء السياسي أو العقائدي, كفيل بأن يجعل من البعض قواما على غيره بغير حق.
واذا ما شاءت الاقدار والصدف ان يكون في موقع المسؤولية, احد الاطراف التي اختلفت مع الحاكم بسبب سياسة التهميش والاقصاء والملاحقة التي جرى اعتمادها من قبل النظام السابق بحق معارضيه مما دفع بتلك الاطراف الى مغادرة الوطن اضطرارا واحتجاجا على تلك السياسات والى الحفاظ , والذي عد حينذاك والى حد كبير مشروع ومنطقي, رغم مانجم عن هذا القرار من نتائج عكسية لسنا بصددها ألآن, وتحمل المعارضون جراء ذلك سنوات من الغربة والابتعاد عن الاهل والوطن, لذا فسيكون من الاولى بهذا المسؤول ان يدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه وان يتحمل وزر التقارب والتقريب بين المختلفين.
وحديث المصالحة ليس حديث عهد فقد امتد الخوض فيه على طول الفترة الزمنية التي حكمت فيها الوزارات المتعاقبة على السلطة منذ وقوع الاحتلال وحتى يومنا هذا, الا انه ظل اسير الادعاءات اللفظية وتحول كذلك الى ورقة للمساومة, لعبت بها واستغلتها مختلف الاطراف, كل على هواه ووفق ما تقتضيه مصلحته الحزبية الضيقة, فبمجرد التمكن والسيطرة على زمام الامور, تراه قد تراجع وعاد الى نقطة الصفر, والاعذار في تبرير ذلك معروفة ومكررة, حتى انه لم يعد من الضروري والمجدي ذكرها.
ان عقلية المناورة التي اعتمدتها اطراف الحكم في شكل تعاطيها مع ملف ما أطلق عليه بالمصالحة الشاملة مع القوى الرافضة للعملية السياسية التي جاء بها الاحتلال وكل ما ترتب عليها من اجراءات وسن قوانين وتشريعات, أضرت بشكل عميق ليس بالوحدة الوطنية فحسب وانما بعموم جوانب الحياة الاخرى, الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية, وأقلها تأخر خروج قوات الاحتلال من العراق تحت ذريعة الانقسام السياسي وعدم تمكن أجهزة الدولة من بسط سيطرتها وفرض الامن على كل مناطق العراق وخاصة تلك التي يطلق عليها بالساخنة, لذا فأن تحقيق السيادة الكاملة والعودة بالامور الى نصابها الطبيعي لايتحقق الا بأنجاز الشرط الاول والاساسي والمتمثل بترتيب البيت الداخلي وعلى اسس وطنية صحيحة, تسحب البساط من كل المتشبثين والداعين الى بقاء الاحتلال فترة أطول, تحت هذه الذريعة أو تلك.
وارتباطا بذلك فأن تحقيق المصالحة لم يعد هدفا خاصا معنيا به هذا الطرف أو ذاك بل هو هدفا وطنيا ينبغي أن تسعى وتعمل من أجله كل الاحزاب والقوى التي ترى بأن الخلاص الحقيقي لهذا البلد لايتم الا بتضافر الجهود, وانها تعيش في مرحلة تأريخية حساسة ومصيرية, سوف لن يغفر فيها الشعب لكل من يتوانى أو يتأخر عن أداء دوره, وأن ما يمكن أن تقوم به وتقدمه الاطراف المختلفة سوف لن يكون منة من أحد وسوف لن يكون كذاك مادام الهدف نبيلا بنبل الوطن الذي مزقته الخلافات الحزبية والمصالح الضيقة وعبث الاحتلالات, طولا وعرضا.
وكي يكون حوار المصالحة شاملا ومجديا فلابد من اشراك كل القوى الفاعلة بصرف النظر عن من يمسك الحكم, فقضية من هذا النوع تستلزم ذلك من أجل ان تسير بالاتجاه الصحيح. وتتطلب أيضا الدوس على الجرح مهما كان عمقه, فبناء الاوطان لايمكن أن يتم بعقلية ألثأر, واذا مااستمرت العلاقة بين النديين على قاعدة من التخوين المتبادل أو التكفير بينهما, فمن الصعوبة التوصل الى ماهو مشترك وما يلبي رغبة الوطن والمواطن. واذا هيأت للحاكم ضروفا جعلته أن يكون ظالما, فعليه أن لا ينسى أنه قد ظلم في وقت سابق, ولعبة التحكم بالكرسي لن تدوم لأحد طالما بنيت على الباطل.
ولأن رئاسة الوزراء حريصة على تحقيق المصالحة الشاملة حسب ما ورد في وسائل الاعلام, فأطلاقها سيصدر حكما من بين يديها, والتجارب علمتنا ان لا مجال للتسويف أو المماطلة في قضية من هذا النوع. وحتى تأخذ مداها الطبيعي وتبنى على حسن النوايا وتؤدي غرضها فأعتقد أن من الافضل أن لاتوضع شروط مسبقة من أي طرف وأن يجري التحضير لها بحرص ومسؤولية. كذلك اتخاذ الاجراءات الضرورية, في سبيل طمأنة كل الاطراف الحريصة على انجاح عملية المصالحة, بما في ذلك الغاء كل التشريعات والقوانين التي عملت على خلق حالة من الانقسام داخل بنية المجتمع العراق, لم تألفه من قبل. كذلك ضرورة انهاء سياسة الاقصاء والتمييز التي مورست بحق شرائح كبيرة من ابناء المجتمع خاصة ان من بينهم عقول كثيرة, منعوا من أداء دورهم الوطني تحت ذرائع مختلفة, وعلى الاطراف الاخرى الاستجابة للنداء اذا ما كان الهدف المرتجى, خدمة القضية الوطنية, ومن يريد التمنع فأسباب التعلل كثيرة.
واذا كنا حقا نعيش زمنا ديمقراطيا وانا احتج على هذا الادعاء بقوة ( ان كان لي الحق البوح برأي ) فأنظمة الحكم الديمقراطية لاتعطي الحزب الحاكم مطلق الصلاحية في التحكم بالقرارات العليا التي تخص سلامة أمن الدولة والمجتمع. ولا بأس من الاتيان ببعض الامثلة التي قد تفيد في هذا الجانب, فحين تقرر احدى الحكومات الاوربية تقديم طلب في سبيل الدخول الى منظمة الوحدة الاوربية, تقوم بأجراء استفتاءا شعبيا, يدلي المواطنون جميعهم بالرأي, وذلك الاجراء لايعد تجاوزا على صلاحيات الحكومة رغم انتخابها من الشعب. أو حين التعامل باليورو كعملة بديلة للتداول الاقتصادي اليومي, كذلك تستدعي اخذ رأي كل المواطنين دون استثناء
فالوطن في أنظمة الحكم الديمقراطية هو ملك الجميع, وسياساته المصيرية من صنع الجميع, لذلك فليس هنا من مجال لكي يكون الوطن حكرا على جهة واحدة أو ان الدولة ومستقبلها رهن بشخص واحد كما عودتنا الانظمة الديكتاتورية السابقة على ذلك, وحين تقع الواقعة وتحل الكارثة, يبتلي الشعب حينذاك مرة أخرى, لذا فموضوع المصالحة هو شأن وطني بأمتياز واللعب على الشعب ممنوع بأمتياز ايضا, فأما ان تكونوا أهلا لها ( للمصالحة ) أو لاتكونوا وخذوا النصيحة من حجم الضحايا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصدق هو الطريق
سعيد الشفتاوي ( 2009 / 3 / 12 - 09:05 )
الاخ العزيز حاتم ان دعوتك باتجاه انجاز المصالحة الوطنية جيدة ومطلوبة وبعكس هذا التوجه لا يمكن ان نخرج من هذا المازق ولكن يجب ان يكون الطرف الذي يدعو للمصالحة ان يكون اول من يتخلص من العقلية القديمة وان يكون مؤمن بالعملبة الديمقراطية وعملية تداول السلطة ولا يكون اول من يخالف القوانين والدستور وخصوصا اذا كان هو الطرف القوي في المعادلة كسيادة المالكي وان يكون الهدف هو وحدة البلد والخروج من النفق المظلم .اخوك المشتاق سعيد الشفتاوي.


2 - عبد الحسن
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 12 - 10:36 )
بعد احداث الكويت تم وضعنا في احد حقول الدجاج ولكثرة العدد تشكلت رائحه هي خليط من رائحة العرق البشري ومخلفات الدجاج ورائحة البراز والبول والدم للخارجين من غرف المحققين وكان هناك شاب لا يتجاوز عمره العشرين ابيض البشره طويل القامه له بعض الوسامه كان خائفا باستمرار ان ياتي دوره للتحقيق فكان يبكي كلما استدعي احدنا ليلا ليعيدوه كتله من اللحم والدم وتم في احد الليالي استدعاء عبد الحسن ليعيدوه الى الجملون بعد عدة ساعات يجرونه جرا وهو فاقدا للوعي ينزف من كل جسمه ولكن اكثر النزيف كان من مؤخرته وقد مات يرحمه الله في الصباح قبل ان استطيع سؤاله عما فعلوا به


3 - رد على تعليق
حاتم جعفر ( 2009 / 3 / 12 - 12:38 )
الاخ العزيز سعيد شفتاوي
اشكرك على الرد وادعو معك اصحاب القرار اتخاذ الخطوة الشجاعة في الاتجاه الصحيح وشوقي لكم جميعا وانتم في الذاكرة.
الاخ العزيز عدنان عباس
وصلت رسالتك ربما تكون جروحكم اعمق ولكننا ايضا نعيش نفس المأساة غير اننا لابد وان نضع حدا للمهازل التي عانت منها أجيال متعاقبة, لم تر من الحياة غير الكوارث احييك مرة ثانية وأضغط على الجرح وتوكل. ,

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح