الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باراك......تعنى...مبارك!!

ابراهيم الجيار

2009 / 3 / 14
سيرة ذاتية


بعد مرور شهر على توليه منصب رئيس الولايات المتحدة، أصبح باراك أوباما هو الاسم الأكثر شهرة في العالم اليوم. لكن في كتابه الشيق بعنوان “الانسياق خلف الأمل”، الصادر عام ،2006 يقول باراك أوباما انه عانى كثيرا من اسمه، وانه كان يواجه دائما بالسؤال “من أين لك بهذا الاسم المضحك؟...وكانت اجابتة..انها تعنى ...الرجل المبارك....فى كينيا بلد ابية
لقد كان الاطفال يضحكون من الاسم والبعض منهم لا يعرف كيف ينطق باراك أوباما. أما في مرحلة الشباب فقد كان اسمه الغريب يثير السؤال المحرج “هل انت امريكي؟” وعندما قرر أوباما الدخول الى عالم السياسة، عام 2001 اقترح عليه بعض الاصدقاء أن عليه أولاً ان يغير اسمه، الذي يوحي باسم اسامه بن لادن، وذلك بدعوى انه “لا يمكنك النجاح في دنيا السياسة في الولايات المتحدة بهذا الاسم الارهابي”. وعندما رفض باراك أوباما هذا الاقتراح الساذج، كان الجميع يستهزئ ويذكره باستمرار “هل تتوقع الفوز بأي مقعد بهذا الاسم الغريب والمنفر؟”.

وظل سؤال الاسم يلاحقه خلال معركة الانتخابات الرئاسية، في صيف عام ،2007 وجاء من يذكره كيف ستصبح رئيساً للولايات المتحدة الامريكية باسم افريقي وقبلي لا يمكن للفرد الامريكي العادي لفظه، ولا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد بالتاريخ والتراث والمجتمع الامريكي الغارق في عنصريته عندما يتعلق الامر بانتخاب رئيس اقوى دولة في العالم والذي هو حكر على الرجل الابيض البروتستانتي القادم من السلالة الانجلوسكسونية.

ربما لا يوجد رئيس في العالم عانى من اسمه كما عانى الرئيس الامريكي الذي يقول انه كان يخجل من اسمه، ولم يكن “سعيداً به ابداً”. بل ظل الاسم لغزاً محيراً بالنسبة له خاصة وانه قد ارتبط بلغز اكبر في حياته هو لغز ابيه الافريقي الذي طلق والدته الامريكية وتركه يتيما عندما كان عمره سنتين. لم يتعرف أوباما على والده الغائب إلا من خلال الحكايات، وعندما عاد ليزوره لفترة قصيرة جدا، لا تتعدى الشهر، بعد غياب طويل، وجد أوباما نفسه امام “شبح أشد سواداً من سواد الليل”، وهو الذي تعود على والدته التي كانت “أشد بياضاً من بياض الحليب”.

ما تبقى من تلك الزيارة الخاطفة، وصية والده له “لا تنس أبداً أنك ابن باراك أوباما؟ ولا تنس من انت، ولا تنس من أين أتيت، ولا تنس الى أي عالم تنتمي”. لكن مشكلة أوباما الكبرى كانت انه لم يكن يعرف الى أي عالم ينتمي. كانت قضية الانتماء قضية مركزية في حياته. من أنا؟ ومن هو باراك حسين أوباما؟ وهل أنا امريكي أم افريقي؟ هل انا ابيض ام اسود؟ هل أنا مسلم أم مسيحي؟ هل أنا من الفقراء أم الاغنياء؟ هل أنا من الأسياد أم من العبيد؟ وهل أنا من الناجحين أم الفاشلين في الحياة؟

كانت هذه الاسئلة تطارده دائما وتسيطر على تفكيره وتؤثر على سلوكه وتدفعه نحو عدم الاستقرار العاطفي والقيام بافعال مشينة في شبابه بما في ذلك الاقبال على التدخين والافراط في الشرب أو تعاطي المخدرات في فترة من الفترات.

لقد سجل أوباما هفواته السلوكية بشفافية كبيرة في كتابه الشيق الصادر عام 1995 والذي حمل عنوان “أحلام أبي الإفريقي”. في هذا الكتاب الذي هو اليوم من بين الكتب الاكثر مبيعا في العالم، يذكر أوباما بالتفصيل حقائق مدهشة عن طفولته الصعبة، والسنوات الأصعب التي قضاها في اندونيسيا بجانب زوج والدته لولو حيث تعرف من خلاله على الاسلام والمسلمين عن قرب، وعاش مع الفقر والفقراء، وأكل لحم الكلاب والافاعي ووجبة دسمة من الجراد المقلي في اندونيسيا. لكن حياته في اندونيسيا أبعدته عن وطنه ولغته وجعلته من جديد يتساءل عن اسمه وهويته والعالم الذي ينتمي إليه. فهو أمريكي وإفريقي لكنه يعيش في بلد اسلامي. كانت والدته حريصة على ان تتحدث معه باللغة الانجليزية وتذكّره باستمرار انه امريكي. أما صوت والده الغائب فيدعوه بقوة “لا تنس من تكون، انت من إفريقيا ومن عائلة أوباما التي تنتمي الى قبيلة ال “لو” في كينيا”. لكن الواقع من حوله لا يمت بصلة الى أمريكا أو إفريقيا.

يقول أوباما انه كان يشعر في معظم مراحل حياته “بفراغ نفسي وداخلي كبير”. وكان يطرح على نفسه السؤال كيف يمكن ملء مثل هذا الفراغ وكيف يمكن التحرر من هذا الفراغ الوجودي؟ لم يتحقق لأوباما الاطمئنان والاستقرار والهدوء الداخلي والثقة بالنفس والمعنى العميق للانتماء إلا عندما قام بأول زيارة له الى كينيا وتواصل عن قرب مع عائلته الإفريقية الممتدة.

شعر أوباما بالارتياح في كينيا خلال شهر واحد اكثر مما كان شعر بالارتياح في امريكا خلال اكثر من عشرين سنة. ووجد الاستقرار النفسي في تواصله مع أسرته الإفريقية اكثر من الاستقرار الذي كان يشعر به في أحضان أهل والدته في جزر هاواي أو في شيكاغو حيث قضى الجزء الأهم من حياته كناشط اجتماعي لا يملك سوى سلعة واحدة هي “الأمل بمستقبل أفضل”.

خلال رحلته الافريقية شعر أوباما بالارتياح من اسمه. فالكل في كينيا يعرف معنى أوباما وقبيلة أوباما، وتاريخ الاسم ودلالاته ويلفظه بيسر وسلاسة وذلك على عكس الحال في وطنه أمريكا. والعالم في إفريقيا كله أسود وليس أبيض أو خليطاً من الأبيض والأسود. السواد في إفريقيا عادي في حين انه غير عادي في أمريكا. يقول أوباما “كم هو مريح وطبيعي هذا اللون الأسود الذي لم يكن مريحاً لي في طفولتي”. والأهم من ذلك “يعود الابن الى الاب، ويشعر بالامتلاء والاكتفاء ومن دون نفاق أو خجل أو ارتباك”. فجأة تصالح أوباما مع اسمه وتعرف على ذاته وشعر بالامتلاء الذي لم يشعر به في كل حياته.

لكن في كينيا اكتشف كل عيوب كينيا التي فقدت روحها وباعت نفسها للمادة. وفي افريقيا اكتشف كل عيوب افريقيا التي لم تعد افريقيا بعد تجربة الاستعمار الذي شوه وعبث بتاريخها وناسها وتراثها بعمق. أما عائلته الافريقية الممتدة فقد اكتشف انها تعيش صراعات وانقسامات وخلافات على الفتات من إرث والده. فالحياة في كينيا كما الحياة في أمريكا ليست وردية بل هي صعبة كل الصعوبة. واكتشف أوباما صحة المثل القائل “من طلع من داره قل مقداره”.

عاد أوباما سريعاً الى وطنه بعد ان أصبحت أمور كثيرة واضحه كل الوضوح في ذهنه بما في ذلك اسمه الغريب. لكن زيارة إفريقيا دفعته نحو الاصرار على تحقيق ما لم يتمكن والده من تحقيقه من أحلام، بما في ذلك معجزة وصول أول أمريكي باسم إفريقي غريب ومضحك الى البيت الأبيض.

تقول تجربة أوباما، إنه لا ينبغي لأحد أن يخجل من اسمه، مهما كان مخجلا، فقد يكون الاسم المضحك في يوم من الايام، الاسم الاكثر شهرة في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اسم الشخص
Maher ( 2009 / 3 / 14 - 17:28 )
متى تصحو البشرية على منح الشخص حريته فى أن يتسمى بالاسم الذى يريده كما سبق وأن منحته الكثير من حقوق الانسان وأبطلت نظام الرق الملعون وطالبت بحقوق المرأة والطفل والمعوق ...الخ، أليس من حق الشخص أن يختار اسما يحبه وهو فى كامل نضجه العقلى عندما يبلغ العشرين أوالأربعين أوأى سن يتعارف البشر أنه بدايه حقيقية للفرد أن يمارس حريته الكاملة التى تبدأ باسمه الشخصى لا بالاسم الذى منحه له أهله والذى قد لايكون راضيا عنه كما فى حالة باراك والملايين مثله من بنى الانسان الذين يفكرون ويكرهون أسمائهم التى لم يكن لهم دخل فى التسمى بها

اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و