الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يباع الوطن و يهان المواطن

أحمد عصيد

2009 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


بين الحين و الآخر يفاجأ المواطنون المغاربة بأنّ منطقة بكاملها بجبالها و أنهارها و بحيراتها، و التي كانوا ينعمون بالنزهة فيها مع عائلاتهم، قد بيعت لعرب الخليج و تمّ تسييجها و وضع علامات المنع الحمراء و السلاسل عن بعد عند الطرق المؤدية إليها، مع كتابة عبارة "ممر خاص" بخط بارز و وضع كاميرات مراقبة في عدّة مواقع، حتى يعرف الناس بأنّ المكان لم يعد عموميا للشعب بل صار ملكية خاصّة لأجانب. و طبعا يختار الضيوف الخليجيون أجمل المناطق التي تشتمل على مناظر طبيعية خلابة و التي يرتادها الناس لجمالها، ليشتروها و يقتطعوا كل الأراضي الواسعة من حولها بمساحات كبيرة حتى لا يقترب منها الناس، ثم يسيجون كلّ ذلك. و رغم أنّ الضيوف الخليجيين لا يقيمون في تلك المستوطنات بل يأتون إليها بين الحين و الآخر، لإقامة ليالي السمر المعلومة، فإنها رغم ذلك تظلّ مغلقة و ممنوعة على أبناء المغرب طوال السنة و إلى الأبد.
نعم إنّ الضيوف من عرب الخليج أثريا جدّا، لأنّ حظهم شاء أن يكتشف الإنجليز في صحرائهم القاحلة قبل مائة عام المادة الحيوية المحركة لدواليب الحضارة الصناعية الحديثة، و هو ما حولهم من عشائر رعوية إلى عشائر نفطية، ظلّت تتواجد رغم ذلك خارج الحضارة التي يزودونها بوقودها من البترول، غير أنّ ثراء الخليجيين لم يمنع الدول الديمقراطية من وضع قوانين لملكية الأرض و حدودها حماية لمواطنيها و حقوقهم في وطنهم، و لترويض بداوة هؤلاء و إخضاعها لقوانين البلد المضيف، و معنى هذا أنّه إذا كان عرب الخليج أثرياء فإنّ غيرهم في البلدان الديمقراطية أغنياء بكرامتهم قبل كلّ شيء، إذ لا يمكن لدولة ذات سيادة، تحترم نفسها و مواطنيها أن تسمح لحفنة من الأجانب الفاسدين أن يمتلكوا الأرض بدون حدود و لا معايير تحمي حقوق الناس و كرامتهم.
مناسبة هذا الكلام ما حدث يوم الأحد الماضي عندما فوجئ عدد من المواطنين المرفوقين بعائلاتهم و أطفالهم للنزهة في المناطق المجاورة لبحيرة سدّ محمد بن عبد الله بعين عودة، ليجدوا أنفسهم ملزمين بالوقوف عند علامات المنع و العودة أدراجهم، فالبحيرة بكل الأودية المؤدية إليها أصبحت منطقة مسيجة و خاصة و محاطة بكاميرات مراقبة، رغم أن ما يوجد بها بيت مغلق لا يقيم به أحد، و قد ظلّوا يتأملون المشهد بخيبة و ألم، ليغادروا المكان بمرارة و هم يتساءلون عن معنى كونهم مغاربة، لهم وطن يدعى المغرب، و أرض مات من أجلها آلاف الوطنيين منذ فجر التاريخ.
و من تمّ فعلى الذين يتساءلون عن أسباب ضعف "الروح الوطنية المغربية"، و "تدني الشعور بالإنتماء إلى الوطن"، و حلم أغلبية الناس بالمغادرة و الهجرة، و الشعور المزمن بالدونية و احتقار الذات، أن يدركوا بأنّ قيم الوطنية و الإعتزاز بالإنتماء إلى الأرض لا تترسخ في أعماق النفوس إلا بصون الكرامة، و أنّ صون الكرامة لا يكون إلا بوجود دولة الحق و القانون الحامية لحقوق أبنائها من الأفراد و الجماعات، أما الدولة التي يباع فيها كلّ شيء للأجنبي بدون حدود و في غياب أبسط مبادئ الإحترام للناس و للقيم، فمن الصّعب أن تلقى احترام مواطنيها.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر