الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبار حميد ونان الشطري مازلت حيا

فرات المحسن

2009 / 3 / 14
الادب والفن


تصفحت مطبوع شهداء الحزب الشيوعي في طبعته الثانية.سبرت السطور أتلمس مفردات الشهادة في عيون هذا الجمع الذي ضمته دفتي الكتاب.
أحصيتهم 658 شهيدا في سجل مفتوح، وغيرهم ينتظر العد في كتب أخرى.
غابت وكبت أرواحهم النضرة بعد أن مزقت أجسادهم مخالب الضباع بهمجية ووحشية.
بحثت بين العيون،بثثت وجدي وناديت، أين أنتم أيها البواسل..يا صفوة الأخيار.
أين أنتم فالحياة يسع فرحها الجميع..
ما وجدت غير الوجع ورجع أصوات مكبوتة تلوك ألمها بين أضلعي.
إيه أيها العالم المترامي السعة..ما الذي تحمله سيماك الماكرة الملوثة.
غرر هؤلاء الشباب تنبلج كوة يخرج منها صراخ صاخب ينفث دما قانيا.
ازائي.. خلفي ...أمامي تدور أرواحهم مثل ضباب كثيف يلفني هذه اللحظة
فأصاب بلوثة ملعونة تبحث عن سبب الموت المجاني العابث في هذا العراق النازف أبدا.

أبدية إغفاءاتهم المقدسة السرمدية توقظ الفزع في صدري وكأنها تناديني رغم بكمها..
لا وسادة معطرة وليس هناك شرشف مطرز، سوى التراب تتلحفه أجسادهم.
عيونهم يقضة، وصرخات ألمهم تسمع كدوي طبول..
إيه أيها العالم الوحشي، لِمَّ لم تدعهم ينشدون مزاميرهم وأشعارهم في بوادي السندس وعند منعطفات الأنهر والوديان وأزقة المدن والقرى الصاخبة أو المنسية.
لِمَ لم تمنحهم فرصة، أو حتى فسحة فرح أخرى.

تلمست طريقي بين لوعة ألمهم وكانت عيونهم تترقبني.
جلهم في ريعان شبابه..بعضهم لم يكمل ثمالة الصبا..
بينما كان الموت يقترب منهم مثل سرب عقبان كواسر كانت أرواحهم تصون حيائها بوحدتها الموحشة.
أنه الهول الذي يغرس نصله ليقوض وينهار معه كل شيء.
ولكن أصواتهم ..أصواتهم ما زالت تدوي بالصمت.. تصرخ ملء الحناجر...ونظل ننصت لها لتترسب في الروح فجيعة أبدية..فجيعة تتلوى فينا كجمر متقد.
وبعد أن تهدأ الروح في غيبوبتها ويخمد معها والى الأبد كل شيء..
يخرج السؤال الملحاح ..
لماذا....؟.
أكون ناياتهم كانت تعزف ألحانا ساحرة مبهرة .....
أم أن قلوبهم المجلجلة بالفرح والأمل لا تستهوي شياطينك....
آه أيها العالم الملوث بالحقد والدناءات..لم تجب بعد..ولن تجيب السؤال..فكبره لا يحتمله زمنك الداعر المخادع..


مازال مثلما كان صعبا بالنسبة ليَّ نسيان تلك العيون ومروج من ابتسامات وقفشات وصحبة أماسي فاتنة ندية..
صعب عليَّ أن أنسى جنون صاخب يبث صبوة شبابه، يضمخها بمودات وخصومات ودموع وضحكات وأغان ما كنا لنسمع فيها غير شقشقات قلوبنا الطرية الطافحة بالأعاجيب والسكرى بنشوة السعادة..
ما ادخرته هو كل هذا وذاك وصور رجراجة مزركشة أقتنصها واحتضنها وأدعها تتدلى أمامي مضيئة متوهجة برونقها الطلسمي..
أسمع أصواتهم تناديني وأردد معهم قصائد مضمخة بشذا المحبة ووجع الناس.
أعرف البعض وأجهل الكثير ولكن حشدهم اقرب ليَّ من نبض القلب..
عيونهم جميعا تطالعني وبدت أمامي كبحر هائج يموج في خاطري فتذكرت صاحبي الشطري الوديع جبار.
إيه جبار حميد ونان الشطري. يا ندى الأيام وشقاوتها، يا أبراج الأحلام وقلاعها المهشمات.

ما تعرفت عليه ولم يعرفني بنفسه، ولكنه قدمَ ليَّ في مساء مسرف الأنوار، بؤرة فرح تشع منها عطور ضحكات ونبوغ.كان ريفيا نبيلا خرج من بطائح مدينة الشطرة مطرزا بسعد شطئانها وغدرانها.كان متقدا بحيوية الناس وبساطتهم وقرنفلات حمر تحيك له أناشيده الشذية.
جسده الناحل قد من صخر أسمر غامق كسواد عينيه الفاحمتين.تسربلت أصابعه بأعشاب الغراف وكانت تمور بماء البدعة الدافق.في تلك المدينة المزروعة بين نهرين وغابات قصب وأهوار، نمى ذاك الفتى مثل غرين سومري. جسد متصالب وروح عامرة وطيب خاطر ومودة وكفاف... مشت قدماه لتمسكان أرض مدينة أخرى.
جاء مدينة الحرية في بغداد يحمل عبق مساءات أزقة الشطرة ونسائم بساتينها البليلة.متماسك يحمل كتابا وحزمة من أسئلة جوالة مثل ناياته الطليقة حين يترنح الرأس ثملا من نشوة تترقب إطلالات الأمل المتوهج في الأفق المجهول.
كان كالمسحور بلوثات وأعاجيب مدينتنا وكانت في مجمرة حنجرته ألغاز يطلقها أسراب فراشات تتراقص قصائد.
جعبته تلملم قصائد من جمال ومحبة تتألق بنثارات ثورية مبهجة.عرف كيف يناغم كلماته حين يطلق شرر الحب ولوعته ليخالطه بدوي وهجير شيوعيته.
كان صانع نمانم وعناقيد مذهبة كان يمكن لها أن تحيله كوكبا أخر في سماء الشعر ...ولكن..
ذهب الشاعر بفراشاته الملونة عبر البوادي ..حلم أنها الأرض التي تسع في يوما ما نثارات أشعاره..ولكنه تاه في البعيد عند حواف حراب صدئات.
مثلما نحن ما كان يدري ، أننا سوف ندس أسمه وصورته في صفحة ورق صقيل دون أن ندعه يمكث في بقعة أرض معروفة نتردد عليها احتفاء بذكراه، كلما هزنا الحنين والحزن المضنّ.
ولكن أين هي تلك الأرض والزمن نزع عنه دثار العفة وتاهت حواشيه بين أخاديد أرض بور، طغاتها القساة يحرثوها ويعدون لنا القبور دون شواهد.

كان يحمل نبؤته بصحبة أمل فصار في ضحى صيف قائظ قربانا لأمله.
ياه ..أيها الشطري جبار كم كنت صلبا وكم كنت شفافا رقيقا ووفيا.
آه أيها الشطري ...أفلا عافتك الضباع لتنشد قصائدك المبهجات.

الآن وكل يوم وأنت في خاطري.كلما تذوقت شرابا، كلما تجولت في الحدائق ..كلما جلست على تخت عتيق... كلما تذكرت مدينتي.. تذكرت وجهك الباسم بحزنه المفرط...
أَتذكر يا صاحبي علامة الاختبار أم تراك نسيتها.أخالك لن تنساها أبدا.. دعها تمرح بزهو في قصائدك...وأنا أعدك ..ما نسيتها أبدا طالما أنت لست ببعيد..

*لون تنفع بالبواجي عليك
أشكَ صدري أبدال الزيج وأدلع


مطلع من قصيدة في رثاء صديق، كتبها الشاعر الشهيد جبار حميد الشطري الذي أعدم عام 1981 من قبل ضباع البعث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انهم يشقوا طريق الحريه والمستقبل لكل الاجيال
عزيز الملا ( 2009 / 3 / 13 - 23:15 )
كلمات مؤثره ومرثيه يستحق كاتبها الثناء والوقوف له اجلالا واحتراما وتقديرا
كلمات يستحقها الشهداء الذين وهبو انفسهم للوطن والانسان
تطريز بهي لعمق التضحيه التي ابدوها في سبيل اعلاء اسم حزبهم
انهم يرفرفون فوق المقرات كحمام السلام
وهاماتهم منتصبه في موانئ ام قصر وفوق جبال كردستان
المجد والخلود لكل شهداء الحزب الشيوعي العراقي
ودمت كاتبا رصينا مع مودتي وامتناني

اخر الافلام

.. طلاب الثانوية يدخلون اللجان .. تليفزيون اليوم السابع ينقل أج


.. ا?قوى مراجعة نهاي?ية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية الع




.. السجن 3 سنوات للفنان محمد غنيم في اتهامه بتهديد طليقته


.. إعلان صادم لمحبي الفنانة السورية كندة علوش و-ولاد رزق 3- يحط




.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -