الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدباء... أم مهرجون ؟؟؟

حنين عمر

2009 / 3 / 14
الادب والفن


تذكرت هذه الحادثة فجأة الليلة ، و أنا أشرب فنجان شايي المسائي و أقرأ رواية جديدة حملتني ما بينها وبين ذكرياتي القديمة، وهي حادثة وقعت قبل حوالي خمسة أعوام أو أكثر، اذ شاءت لي أقداري التي شاءت لها أقدارها، أن أحضر محاضرة أدبية في مكان ثقافي ما من مدينتي البحرية – العاصمة – وقد تم فيها بمحض صدفة نحوية استضافة مختصة لغوية لتشرح ماهية الأدب للحاضرين ولتتطرق للرواية المعاصرة و تحليلاتها ، تحليلات لم أكن أفهم فيها الشيء الكثير آنذاك.
ولعلي انسحبت من لساني كعادتي و قررت أن أطرح سؤالا ما بغية أن أفهم بعضا من تلك التحليلات الروائية المعقدة التراكيب و المفردات الاكاديمية، و قد كان السؤال البريء - مثلي أيامها – يسائل عن دور الأدب في الفعل الحضاري و هدف الكتابة الروائية. – يبدو وكأنه كان مهما جدا بالنسبة لي لحظتها أن اعرف أبعاد مسرحية الثقافة -
و ردا على سؤالي ، تلقيت صدمة كهربائية ما زلت أذكرها إلى اليوم ، حيث قالت المحاضرة الوقورة ما أدهشني و جمد دمي في عروقي – وكم للهيبارين على الدماء فضائل – و كانت جملة ما جاء في جوابها الفلسفي أن الادب الروائي وجد للتسلية لا لحل مشاكل الناس .
ورغم مرور سنوات طويلة على هاته الحادثة ، إلا أنني ما زلت إلى الآن لم أقتنع برأيها مع احترامي الشديد لمكانتها الأكاديمية، فما جدوى الكتابة إذن إن كان الأديب مهرجا يسلي الناس ببوحه الروحي، وما جدوى الآلاف من الروايات العربية إن كانت لا تقدم شيئا سوى سد فراغ القاريء الذي تعطل جهاز تلفزيونه أو قلبت الريح اتجاه صحنه الهوائي؛ ولو شئنا أن نسلي هذا القاريء على حد تعبيرها لكان من الأسهل أن نهديه شريط فديو لمسرحة هزلية أو أن نروي له بعضا من النكات الشهيرة، أو أن نشتري له لعبة بلايستايشن.

في الواقع، و حسب رأيي المتواضع، أعتقد انه من الصعب الاقتناع بنظرية " الكتابة من أجل التسلية"؛ فلا يمكن أن نضع الأدب في منزلة – مطربة فديو كليب – وهي منزلة قد لا تليق بقيمته ولا بقيمتنا – ان كان لنا في عضر الانحطاط قيمة - ؛ افليس الانسان كلمة ؟، و الكلمة وجدت لتكون حركية فعلية قبل الفعل ذاته، حتى في الميثولوجيات القديمة تتبلور أهمية الكلمة :الكتابة، السرد و الخلق الإبداعي، ناهيك عن الناحية الدينية فقد غيّر الله العالم كله بكلمات في كتاب، كتاب قص فيه أحسن القصص لا ليسلينا إنما ليكون عبرة لأولي الألباب. – وهذا ليس كلامي انه كلام الله وليعترضوا على كلام الله ان استطاعوا –
إن الأدب ليس مؤرخا تاريخيا فحسب، وليس أول عنصر من عناصر الحياة الداخلية للأنا التكويني، وليس أرقى الفنون وأكثرها عمقا فقط، إنما هو ايضا معلم بطريقة أو بأخرى، وتلك هي مهمته الأبدية منذ أول الخليقة إلى آخر الداخلين في ملكوت الفراديس ،حتى إن كان يعمل بعد الظهر محاسبا أو مقاولا أو كناسا أو مهرجا أو بائع نعناع أو مدير ملهى.
اضافة الى أنه من الناحية الأكاديمية، هناك علم كامل يهتم بدراسة الرواية، فهل وضع هذا العلم الذي درسته الناقدة نفسها في الجامعة و درّسته أيضا من أجل تحليل اشكالية صحن "اللب " الذي يتسلى به القراء ؟؟؟ - معادلة غير منطقية -
إن الهدف الحقيقي لأي أدب يكتب، هو احداث تغيير ما، أو تأريخ فكرة ما، أو ترسيخ مباديء معينة في "الغير"، فهو عملية اعادة تشكيل " الأنا " في " الأخر"، و اعادة التشكيل هاته هي المنح المطلق، بحيث يمنح القاريء فكرة قياسية ليخرج من دفة الكتاب السفلى وهو محمل بنظرة معينة موجهة حسب زاوية الكاتب التفكيرية، بعد أن يكون قد دخل من الدفة العليا ويداه في جيبه.

لذا فإن الكتابة بالنسبة لي – وهو رايي على كل حال - وخصوصا الكتابة الروائية، هي التحليق الذي يمنحني مساحة أكبر للإتساع في الفكرة والتفاصيل و السرد، حين لا يسعني إختزال ما بالروح في قصيدة أو قصة أو خاطرة. لذلك حين عدت إلى المنزل بعد تلك المحاضرة يومها شعرت بالخوف من أن اكون مهرجة عملها الوحيد هو تسلية بعض العاطلين عن البكاء، ركضت إلى المرآة ببراءة لأرى إن كان في وجهي شيء من الألوان، ولكنني – حمدا لله- لم أجد في أي رواية لي أثر عربات السيرك وخيامه.

أدباء أم مهرجون ؟؟؟ من شاء أن يكون أديبا فله ذلك... ومن اعجبه القفز فوق الحبل بملابس ملونه فله ذلك...ولكن في النهاية يبقى الحل الذي اقترحته الناقدة في المحاضرة تعليقا على اعتراضي وهو الاعتماد على طبيب نفسي لحل مشاكل النّاس بدل الإعتماد على الأدب، غير مقنع بأي حال من الأحوال، اذ أن هذا المقترح لا يحل سوى مشاكل الطبيب النفساني المادية: يرفع رصيده هو في البنك بينما يخفض رصيد نا نحن و أدبائنا و حضارتنا في بنك التاريخ الإنساني.
فيا أيتها النفس المطمئنة ، برأيي المتواضع مرة أخرى : إن التسلية ليست مهمة الاديب كما يحاول البعض اقناعي منذ سنوات -ولم اقتنع إلى اليوم-...انها مهمة مهرج في السيرك؛ والادب الذي لا يقدم شيئا للناس هو ادب يشبه " ورق الكوتشينة "./ و أنا أحب القراءة كثيرا...لكن لا يرضيني سوى النص " الذي يقش " . وأحب ورق الكوتشينة، لكن لا يرضيني سوى الجوكر .
حنين عمر










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??