الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استمرار الانقسام يكرس احتلالا للأبد!

ماجد الشيخ

2009 / 3 / 17
القضية الفلسطينية


مياه كثيرة جرت في نهر الانقسام السياسي الوطني والجغرافي الفلسطيني، ومن المؤسف أن انقساما مُعديا؛ ويكاد يكون نسخة كربونية من حالنا العربي العام، بات يصب الماء في طاحون الاحتلال، وإلا ما معنى اختزال المفاوضات بشأن التّهدئة والأسرى وفتح المعابر، حيث لا يجري التّطرّق للاحتلال، ذاك الذي يهيمن اليوم على كامل مقدرات الوضع الوطني الفلسطيني؛ بل التّحكّم فيه إلى حدّ ما. وكأنّ ما جرى في غزة مؤخرا من حرب دموية وحشية شرسة ضدّ أبناء القطاع، لم تكن إلا مبعثا لعدم الطمأنينة، على وضع وطني فلسطيني يغامر أو يقامر بعض أطرافه، وعبر أهازيجه الانتصارية، والانتظارية من جهة أخرى، بتجاهل ضرورة استعادة الوحدة الوطنيّة على أسس كفاحية، عمادها البرنامج الوطني المستند إلى المشروع الوطني الفلسطيني، وليس إلى أية مشاريع أخرى تقامر بإطلاق دعوات لصراع ديني، يناقض خط الصراع الوطني وجبهته الوطنية العريضة.

على أنّ حرب غزة، وإن أسهمت في جلب اليمين الدّيني والقومي المتطرّف إلى عقر دار الكنيست، وإلى التشكيلة الحكومية الإسرائيلية الموعودة، فلأنّ اجتماع تطرفين متعاديين في وقت واحد على رقعة الصّراع؛ لا يولّد سوى المزيد من التطرّف المتبادل لدى الجانبين، وهنا لا يمكن الحديث عن شراكة سوى شراكة القتل والتّسبّب بالمزيد من القتل والدمار والخراب.

إنّ أيّة مكاسب سياسيّة، لم ولن يفلح أي طرف فئوي بالاستفادة منها، أو استثمارها لتعزيز وضعه السّياسي، على ما تسعى حركة "حماس"، لا سيّما في مواجهة وضع إسرائيلي منفلت، أكدّت عليه وكرّسته انتخابات الكنيست الثامنة عشرة، كما وستؤكّده تركيبة الحكومة الإسرائيلية القادمة؛ أيّا كان أطرافها، فهناك في إسرائيل ضوابط ومعايير مشدّدة على قدرة "الأهداف العليا" في بلورة "إجماع عام"، يقف سدّا منيعا أمام العدو، وبالتالي نجحت وتنجح إسرائيل في مقاربة إدارتها للصّراع مع الآخر دون لجلجة، مهما كانت نتائج مواجهات ذاك الصّراع.

أما على الجانب الفلسطيني، فالوضع معكوس تماما، حيث المكاسب السّياسية الممكنة أو المتحققة؛ نراها تتبدّد الواحدة بعد الأخرى، وذلك بفعل الانقسام السياسي والجغرافي المستمر والمتواصل، رغم الحاجة والضرورة الماسّة للخروج من نفق الانقسامات، واستعادة وحدة وطنية كفاحية على قاعدة برنامج ائتلاف وطني شامل، يجمع الكلّ الوطني في أطره الكفاحيّة، وينظم عقد الجميع في بوتقة الهدف الأوحد: الكفاح ضدّ الاحتلال، وهذا لا يتم إلاّ عبر الوحدة الكفاحية الوطنية في مواجهة سياسات الحصار، والتوافق على التهدئة من أجل فتح المعابر وإعادة إعمار ما هدّمه العدوان والسياسات الإجرامية، ضد المليون ونصف المليون مواطن فلسطيني في قطاع غزّة، وجدوا ويجدون أنفسهم وسط غياب كامل لإدارة سياسية مسؤولة تستجيب لاحتياجاتهم الأساسية والضرورية.

وإذا كان لنتائج الانتخابات الإسرائيليّة أن تسدّد ضربة موجعة لعمليّة المفاوضات، ربما بإيقافها والتّنصّل من مترتباتها القديمة، فإن الحكومة الإسرائيلية القادمة لن تكون مستعدة لاستئنافها من حيث توقفت، لا على المسار الفلسطيني ولا على المسار السوري، فأيديولوجية اليمين القومي والديني المتطرف التي ستكون مركز الثقل في الحكومة التي ستنشأ في إسرائيل في القادم من الأيام، لن تكون معنيّة بمفاوضات يمكن أن تفضي إلى صنع "عملية سلام"، تقود للتخلي عن الجولان، أو بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة لإقامة هيكل لدولة فلسطينية غير مستقلة. وهذا وضع لا تستطيع القيادة الفلسطينية والوضع الوطني الفلسطيني برمّته مواجهته بإدارة منقسمة وإرادة مفتتة ومشتتة.

لقد خلقت نتائج الانتخابات الإسرائيليّة سدّا حاجزا بين مرامي وأهداف الحكومة القادمة، وبين إدارة الرئيس باراك أوباما ونواياها التغييرية في المنطقة. وإذا كانت مهمة جورج ميتشل الأولى وجولة وزيرة الخارجية الأميركية ذات الطابع الاستطلاعي، قد انتهت إلى حدود الاطلاع والاستطلاع، فإن استئناف مهام المبعوثين الأميركيين وغيرهم، لن يفضي إلى تحقيق إنجازات تذكر، هذا إذا لم تتدهور أمور الاحتلال والاستيطان إلى درك أسفل من استئناف الاستيطان، والإصرار على استمرار الاحتلال، وربما حتى احتلال غزة، أو على الأقل بعض المناطق الحدودية المحاذية للمستوطنات والبلدات المجاورة للخط الأخضر، بفعل تواصل عمليات إطلاق الصواريخ، هذا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد ينهي الحصار، ويفتح المعابر، ويحقّق صفقة تبادل الأسرى؛ كمفتتح للبدء بعملية إعادة الإعمار.

هذا الوضع تحديدا، إن لم يدفع الوضع الوطني الفلسطيني، للعمل على تحقيق هدف استعادة ائتلافه الوطني الشامل، فإنه من المؤكّد أن لا الوضع الإقليمي العربي، ولا الوضع الدولي؛ يمكن أن يكون في مقدورهما تقديم ما يمكن اعتباره الحد الأدنى من الحراك الدبلوماسي، أو السياسي القادر على تحريك وضع تفاوضي، أخشى ما نخشاه أنه ربما تحوّل إلى شئ من الماضي، الذي لم يعد بالإمكان استعادته أو استعادة بعض ملامحه المشهدية.

بصراحة.. فإن مربط الفرس في الوضع الراهن، إنما يكمن في قدرة الحركة الوطنية الفلسطينية على بلورة ائتلاف وطني شامل، في إطار المرجعية الوطنية الموحدة (م.ت.ف.)، والاتفاق على ميثاق وطني يكرّس برنامجا سياسيا وتنظيميا، يكون في مقدوره إعادة تفعيل وتطوير المؤسسات الوطنيّة كافة، وتجسيد ولو الحد الأدنى من ديمقراطيّة الانتخابات داخلها، بما يؤمن الفصل السياسي والقانوني بين المواقع والمؤسسات القيادية الهامة، وتواصل العمل وفق منهجية المشروع الوطني، لا "المشروعات البديلة" الأخرى، القاصرة عن الدفاع عن الهدف أو مجموع الأهداف الوطنية في إطار المشروع الوطني التاريخي للشعب الفلسطيني.

إن مهمة الاتفاق الوطني الفلسطيني، هو أنه الإطار الوحيد القادر على بلورة موقف عربي ودولي موحد نسبيا، في مواجهة وضع إسرائيلي في نزوعه نحو التطرف، سيسقط الكثير من جدران بُنيت دون أساسات مكينة، في ظل انقسام وطني وسياسي وجغرافي فلسطيني داخلي، وعربي إقليمي، مساند وداعم لاتجاهات التفكيك والتفتيت التي ابتلي بها الفكر السياسي العربي، في ظل هيمنة الطوائفيات المتمذهبة، واستبداديات الممانعات الوقتية التي عرفت كيف توظّف أوضاعا منفلتة لمصالحها الأنانية الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن