الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كعكة كان اسمها وطن!!

سعد تركي

2009 / 3 / 18
حقوق الانسان


بالأمس حين كنا صغاراً,يروق لنا أن ننشد قصيدة محببة جداً على قلوبنا:
قالوا سماء صافية والنسمات غافية
تهب مثل العافيــة فقلت هذا وطنـي
كنا نرى الوطن أباً عطوفاً وأماً حنوناً وبيتاً كبيراً أوسع من قلب العاشق وأكثر عطاءً من البحر..كان الوطن في مخيلتنا جنة دانية القطوف وحدائق خضراء ليس لها حد ولا لخضرتها فناء..كنا نرى الوطن يداً بيضاء دافئة تمسح رؤوس اليتامى وتربت على ظهور المتعبين وتمسح الدمع عن أعين المساكين..كان الوطن في مخيلتنا حجراً دافئاً نلوذ به من ليالي البرد الطويلة,قبضة تدرء عنا السعالي والطناطل التي تنط في كوابيس الظلام..كان الوطن نهرين من دموع الفرح والبهجة يلتقيان كقلبي عاشقين يسقيان ظمأ ظهيرة صيف قائظ ويغسلان ذنوبنا الصغيرة..يسقيان ظمأ المحب الى قبلة حانية على الخد المعفر بترابه الحبيب..
بالأمس اذ كنا صغاراً كان الوطن كل شيء الا أنه لم يكن (كعكة) أبداً..
حين كبرنا أدركنا أن الوطن صار كعكة تكالبت عليها أفواه المغتصبين والسراق والمارقين وصناع الظلام..أضحى الوطن وردة ذابلة امتصت رحيقها الدبابير الشرهة ولم تستطع أشواكها اللينة درء الأفواه المفغورة لأسراب الغربان والجراد التي التهمت حتى الأعواد اليابسة لجنة كان اسمها أرض السواد.
لم يكن يخطر في بالنا يوماً,ولم يمر في أسوأ كوابيسنا أن من كان وطن من لا وطن له وأباً لكل يتامى العالم وملاذاً آمناً لكل خائف سوف يتشرد أبناؤه تحت عنوانين يهدران بدل نهريه: مهجر ومهاجر..وأن من فتح للعالم نور الحضارة واكتشف الحرف الأول ووضع القانون الأول سيضيع في عماء الجهل وظلام الضغينة والحقد..
قالوا سماء صافية والنسمات غافية
تهب مثل العافيــة فقلت هذا وطنـي
لم يعد ثمة سماء ولا نسمات ولا عافية..لم يتبق من الوطن ثمة شيء الا عويل الارامل وبكاء اليتامى ونواح الثكالى..لم يعد فيه الا قوافل المشردين التائهة في أرضه تبحث عن أحجار تلوذ بها وتسميها بيتاً كي يكون بامكانها أن تطلق على الأرض التي تعيش فوقها اسم الوطن,ذلك أن من لا يمتلك شبراً في أرض وطنه ليس له سماء يمكنه أن يلتحف بها ويعد نجومها ويرنو الى زرقتها الصافية ,ولا يمكن أن يتغنى بحب أرض ويموت في سبيلها ويعاني ألم التغرب عنها..
تضع الحكومة الخطط ويتحدث الاعلام عن المستقبل المشرق للوطن وأبنائه ووعد المرشحون الى الانتخابات التي سبقت وسيتحدث اللاحقون عن حل أزمة السكن وحق المواطن بسكن لائق..لكن لا شيء يلوح في الأفق قريبه وبعيده ,عاجله وآجله..لا نرى في الواقع الا القصور الفارهة للمسؤولين, وجيوبهم التي تزداد تخمة حتى تكاد تنفجر,والا المشاريع التي تقام على كل ارض باستثناء أرض الوطن..لا نرى الا البنوك التي تزداد أرصدتها غنى من أموالنا لتدخل في حساب السارقين والفاسدين.
تحت شعار (عام الحرب على الفساد المالي والاداري) تم القضاء على كل شيء الا الفاسدين والمرتشين والسارقين..حتى لم يعد من الكعكة شيء فات أفواه الجراد والغربان والذئاب العاوية,فلنبحث- أبناء وطني- في مكبات القمامة لعلنا نجد بعض فضلات موائدهم العامرة أو صفيحة فارغة نبني بها مدينة(التنك).

هامش
قد يفسر بعضهم المقال على أنه نوع من حنين الى ما سبق نيسان 2003 وقد يراه آخرون تشاؤماً بالآتي..لقد وقعنا بين ماض تسلطت فيه على رقابنا مجموعة من الجهلة والطغاة والقتلة والمأجورين, وبين حاضر ضاعت فيه السلطة بين أحزاب وكيانات لم تتفق بينها على ما ينفع الوطن وأبنائه ولم تأتلف الا على ستر عيوب بعضها بعضاً يوزعون ثروات البلد بينهم حصصاً كأنه ارث ينبغي عليهم ازالة شيوعه..أما المستقبل فليس الا لحالم شديد التفاؤل يرى فيه امكانية بقاء وطن يحتضن مواطنيه ويمنع عنهم الموت أو الجنون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن


.. نزوح من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان




.. خطاب أمام الأمم المتحدة وتصعيد للقصف على بيروت.. كيف يفسر سل


.. مؤتمر صحفي لوزراء خارجية عرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو أمر بقصف الضاحية الجنوبية قبل بدء خط