الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرض مستباحة، وأمة مخدرة

جبريل محمد

2004 / 4 / 4
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


منذ بدأت الفكرة الصهيونية بالتحول إلى مشروع وبرنامج عمل، كانت الأرض هي محور وعماد هذا المشروع، فشعار "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، لم يكن يقصد عمليا سوى السيطرة على الأرض، فيما إذا تمت هذه السيطرة يسهل التعامل مع البشر القائمين عليها، وإن كانوا أصحابها الأصليين، لذا فإن فكرة الاستيلاء على الأرض ظلت في رأس قائمة الأولويات الصهيونية حتى بعد قيام الدولة العبرية، والتي اعتمدت مبدأ التوسع مترافقا مع عمليتين متضادتين هما إجلاء الشعب الأصلي، واستقدام المهاجرين بعد إعدادهم جيداً من خلال غرسهم في علاقة طبيعية ومنتجة مع الأرض، سواء من خلال تشكيل التعاونيات الزراعية (الكيبوتس)، أو من خلال بناء منظمات الشبيبة الزراعية العسكرية "هاشومير هاتزعير، ألناحال...الخ". هذا الأمر خلق قيما للمجتمع المستوطن محورها الاستيلاء على الأرض والتعامل معها كموضوع فعل اجتماعي، وليس مجرد شعار سياسي فارغ. وبالتالي فإن الأرض وموضوعة التنازل عنها من قبل مجمل النخب والقطاعات في المجتمع المستوطن هو أمر صعب، فالاتجاه العام، لا بل القانون التقليدي عند المجتمع المستوطن هو نهب مزيد من الأرض. ولهذا فإن شارون في هذا الجانب يمثل القيم الصهيونية التقليدية، وهو بالتالي مستعد لتطوير مزارعه في النقب، تماما كما هو مستعد لتطوير القدرات العسكرية لجيش الدولة الاستيطانية.
في المقابل، ظلت الأرض في الوعي النخبوي الفلسطيني مجرد شعار، ومجال لممارسة السيادة والحق، معتمدين في ذلك على التراث العريق الذي يربط الفلاح الفلسطيني بأرضه، دون إدراك كبير للمتغيرات الاجتماعية الاقتصادية التي طرأت خلال عقود من الزمن، سواء نتجت هذه التغيرات عن الهجمة الصهيونية المستمرة عن الأرض والتي نتج عنها إجلاء نسبة كبيرة من الفلاحين الفلسطينيين وفي أخصب مواقع فلسطينية في الساحل الممتد على طول البحر المتوسط، وسهل مرج ابن عامر، وتلال الجليل، عدا عن جزء ليس يسير من الأغوار.
هذه الذهنية التي تعاملت مع الأرض كمجال لممارسة السيادة والحقوق اغفلت ولا زالت تغفل جانبا مهما، هو الجانب العملي الممارساتي والبرنامجي للحفاظ على الأرض، من خلال إعادة استزراع الأجيال الجديدة فيما تبقى من أرض. ففي غضون العقود الماضية، لم نجد برنامجا فلسطينيا منهجيا يهتم بمقاومة الاستيطان ومصادرة الأرض يحمل طابعا استراتيجيا حتى في ظل وجود سلطة فلسطينية حاولت بناء دولتها بالقطاعي. ففي ظل هذه السلطة توسع الاستيطان، وتوسعت المستوطنات وفي ظل هذه السلطة لم تعالج موضوعة الأرض بشكل جدي وحقيقي، تماما كما لم يتم ذلك في عهد إشراف منظمة التحرير الفلسطينية على بعض قطاعات العمل المجتمعي في الوطن.
لقد صرفت اللجنة الأردنية الفلسطينية المشتركة، ومؤسسات منظمة التحرير الأموال الطائلة على مجالات هي مهمة، ولكن لم يكن لها محورية الأرض في الصراع، فقد بنت جامعات دون كليات زراعة، وقد طرحت مشاريع إسكان في أطراف المدن الرئيسية دون أن تصل أو تبني منظمات جماهيرية تسعى للضغط آنذاك على الاحتلال لتوسيع الحدود المسموح بها للبناء...الخ.
أما في عهد السلطة الفلسطينية، ورغم تشكل وزارة الزراعة مع أول حكومة، لم تضع هذه الوزارة أي خطة منهجية لحماية الأرض، كما لم تطرح وزارة الإسكان أي مشاريع للتطوير الحضري خارج المدن، ولم تشكل نسبة وزارة الزراعة من الموازنة العامة أكثر من 2% تذهب جميعها مصاريف إدارية، فيما أحجم كل المانحين عن أي دعم حقيقي في المجال الزراعي أو الاسكاني.
أمام هذا الأمر لا غرو أن تظل الأرض الفلسطينية مستباحة للاستيطان والمصادرة، ولا غرو أن تغزو العقلية الاستهلاكية غير المنتجة عقول الشباب والأجيال الجديدة، وتصبح الانفة من العمل الزراعي أمراً عاديا ومقبولا، وتتجة القيم اتجاهات مغلوطة.
ولم تعد الأرض الفلسطينية فقط سداحا مداحا للمغامرين من المستوطنين، بل تعدى الأمر ذلك إلى بلاد عربية طالما رفع الكثير من شرفائها عقيرتهم بالتحذير من تغلغل الصهاينة في بلادهم وعبر شراء الأرض كما يحصل في غور الأردن وبواديه أو كما يحصل الآن في شمال العراق.
لقد باتت الأرض العربية مستباحة أمام عقيدة الاستيلاء الصهيوني على الأرض والأمر ليس مجرد كثبان رملية تسفوها الرياح، إنها محاولات لوضع موطئ قدم في كل بلد عربي ولو بشكل رمزي تمهيداً لإحكام السيطرة عليها.
إننا اليوم وبعد 28 عاما من هبة يوم الأرض، لا نجد سوى تحول هذا اليوم إلى احتفال كرنفالي وإعداد النشرات والتقارير والصور الأرشيفية، دون أي وقفة جدية مع موضوع الاحتفال الكرنفالي، وكيف تتقلص الأرض تحت أقدام أصحابها بالقوة والجبروت.
إن المطلوب وقفة جدية من القوى والفصائل الوطنية، ومن السلطة أيضا، تضع الأرض كمحور للنقاش واستخراج البرامج العملية للحفاظ عليها من خلال إعادة ربط الأجيال الجديدة بها، المطلوب تحويل الشعارات الكبرى، إلى برامج صغيرة وملموسة تتراكم لتخلق ثقافة جديدة تعمق عملية التمسك بالأرض من خلال التفاعل معها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -