الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارهاب الاقتصاد

محمد سعيد العضب

2009 / 3 / 18
العولمة وتطورات العالم المعاصر


صورت الكاتبة فيفان فوستر في كتابها الموسوم ارهاب الاقتصاد (1) الصادر باللغة الفرنسية والمترجم الي الالمانية لوحة دراماتكية لعالمنا المعاصر, كما قدمت مرافعة فكرية غاضبةمستندة علي القرائن والادلة لدحض تصورات عالم الاعمال وحسابات مؤسساتة الفاعلة التي استخفت بالانسان واحتقرت كينونتة, حينما قامت بتدمير امكنة العمل, وما نجم عنة من تزايد في معدلات البطالة وتكوين جيوش مهمشة عاطلةعن العمل , مع ذلك ظل قادة الغرب في التبشير بامكانيات توفيرامكنة عمل جديدة , وزرع امال واهية لعالم جديد . طرحت الكاتبة سؤالا حقا... حول مدي امكانية استمرار العمل في تحديد عمليات التوزيع الاجتماعي؟ و هل سيستمر يشكل مصدرا لتوجية مقومات البقاء والديمومة للبشرية؟". عبر الاجابة علي مثل هذة التساؤلات حاولت رسم خطوط ونقاط ملتهبة, كما شخصت سمات ساطعة لقضايا الفوضي الاجتماعية المتعاظمة التى تسود عالمنا المعاصر الناجمة اساسا عن العولمة, وما نتج عنها من مشكلات خطيرة وتعميق ليس فقط الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة ,بل اتساع الهوة بين شرائح الفقراء والاغنياء في كافة بلدان العالم في الشمال والجنوب او في الغرب او الشرق .. فالبطالة الجماهيرية اليوم تعتبر احد اهم مشكلات عالمنا المعاصر الملتهبة وتحولت الي معاناة اجتماعية شاملة التي ستطبع افاق تطور مستقبل البشرية . علاوة علي ذلك اخذت الكاتبة تطالب , بضرورة استشفاف وتطوير مداخل ومرتكزات فكرية رديكالية جديدة, لتفسير واستيعاب العولمة الراسمالية المتوحشة .انها حتما محاولةجادة اعتمدت منهج التوصيف في التحليل السياسي الاجتماعي الاقتصادي ببعدة الانساني
****************
تعيش البشرية اليوم وضمات كذبة كبري وحيلة ماهرة: شبح عالم محطم غائب نتج عن سياسات فوضوية وتلفيقات قادة السياسة,بكل ما جلبتة من هدر في ارواح ملايين البشر اوتدمير افاق مستقبل البشرية المشرق. وظل الجميع يحاول التمسك بتلابيبةو تجاهل ضمورة وتلاشية. مع ذلك استمرت الجماهير بايمانها بمفردة العمل, كما ظلت تحاول التمسك والتشبذ بة, باعتبارة من المحرمات المقدسة التي يجب عدم المساس بها, رغم التغيرات الحاصلةفي طبيعتة, او انحرافة عن شكلة الحقيقي ,وابتعادة كليا عن كونة قاعدة ومصدر هام للتطور الحضاري خصوصا في الغرب الذي يتحكم بالعالم برمتة لغاية يومنا هذا. علاوة علي ذلك لم يجري عبر التاريخ تشكيك في جذور العمل ودورة في ازدهار الحضارات او اهتزت حقيقة وجودة او ضروراتة.
فالسوال المطروح : هل سيظل العمل يحدد كافة عمليات التوزيع الاجتماعي و بقاء وديمومة الحيا ة الانسانية ؟ ففي حين اعتبرت سابقا تشابكات وترابطات عملية العمل, وما ينجم عنها من علاقات , ليس فقط حتمية وضرورية كالدورة الدموية في جسم الانسان, بل شكلت قوة دفع ومحركا اساسيا للحياة الانسانية وعبر كافة المراحل الزمنية, نري العمل اليوم تحول الي كيان اجوف من دون جوهر. بالتالي اصبحت كافة التصورات والادعاءات حول ما يطلق علية سياسات العمل والبطالة واهية ,كما تحول النضال والكفاح من اجلهما وهما حقيقيا شبيها بصراع دونكيشوت مع الطاحونة الهوائية. مع ذلك ظلت ا سئلة ظاهرة قائمة معلقة حول عملية العمل دون اجابات صحيحة.
يتعرض الجميع اليوم باستمرار لفاجعة وكارثة كبري , كما تسود العالم حالة شوؤم ,حينما تم السكوت او تجاهل اوضاع البشرية البائسة التي اخذت تزداد سوءا ليس فقط من خلال تلاشي واندثار مفردات- كالمصير المشترك والتضامن الاجتماعي-,بل عبر تعميق و تعزيز صورة واديولوجية "الانا" وعقيدة الفردية الخانقة ,التي اخذت تروج ادعاءات واهية حول امكانيات الفرد الخارقة, وانة بمحض ارادتة المطلقة يستطيع توجية مسارات حياتة من ناحية ,و تحديد افاق مصيرة من ناحية اخري .كلة بعيدا عن حاجتة الي ارتباط وثيق مع الاخرين اوتعزيز تواصلة وعلاقاتة الاجتماعية . انها بلاشك , تساؤلات عقيمة مقلقة, ظلت تشكل ستارا واقيا, تحمي الجميع من موجات الخوف الرهيبة الزاحفة ... خوف رهيب: خوف من انهيار عالم , امتزجت فية المفاهيم والحقائق بالاكاذيب والاوهام والخداع والدجل ... عالم امكن فية تبريرواسناد الاكاذيب والحيل واعتبارها حقائق ثابتة .... عالم يظل فية الانسان يطرح مثل هذة الالغاز والفوازير ......عالم ظل يطوقنا من كل جانب ,واستمر الجميع يعتقد بالانتماء الية والشعور بة, سواء حقق الفرد منة منافع , او بقي يعاني تحت ظلالة الويلات والمصائب والثبور .عالم سحقت اخر حطام اثارة ...في حين استمر الجميع يبذل جهود جبارةو بحماس مشهود, ليس فقط تجاهل اخطائة وسد فجوات ثقوبة المتزايدة, بل السعي حثيثا في اصلاح نظامة العتيق المدمر . لماذا هذة المصيدة التي اوقعت البشرية ذاتها في شركاها ...مصيدة الحديث عن ازمة عابرة تمر بها, يمكن في النهاية تجاوزها والتغلب عليها؟ متي يتعمق وعينا العام ؟متي يتم ادراك ما يحصل, بانة ليس ازمة-كما يتم تصويرها – بل نتعرض منذ زمن قريب لتغيرات جوهرية عنيفة طالت وعصفت مراكز واطراف مجمل الحضارة البشرية, ولم تختصر علي امة اوبلد معين. تعيش البشرية الان مرحلة تاريخية جديدة دون ان يتاح لها , ليس فقط فرصة التكيف معها,بل علي الاقل الاقنتاع برحيل حقبة تاريخية ماضية.. من هنا ظل الجميع يرفض اقرار حقيقة رحيل عهد غابر,واستمرالجميع في تحنيطة كانة لايزال حيا , والايمان بخلودة والاستمرار في اداء طقوس لدينامكية غابت وولت . ما جدوي هذة الاسقاطات المستمرةلعالم افتراضي وهمي ومشكلات اجتماعيةزائفة ؟.علية تكمن المشكلة الوحيدةالحقيقة اليوم ... في وهم وجود مشكلة التي تجاوزها الواقع الفعلي, وحولها الي قاعدة حياتية في فترة انتقالية لعهد جديد تعيشةا البشرية. مع ذلك ظل الجميع يرفض الاعتراف بها او الاقرار بحدوث هذة الانعطافة اوحتي وجودها . بالتاكيد واستنادا لهذة الرؤيا قمنا بتعليب شيئا كنا نطلق علية العمل, ونفضي ونرسم علية نقوش مزيفة, بالتالي تحول الي اسطورة ...او في حقيقة الامر اسطورة رفيعة مطلقة, اريد منها استمرار تفعيل وتحريك النشاط في القطاع العام او الخاص من ناحية ,او الايمان بانة- العمل - لايزال يشكل قوة دفع ومحرك لعجلات المجتمع عموما.. هكذا وبقنوط استمر الجميع في اداء علاقات تواصل ومبادلات مشتركة وممارسة طقوس وعادات متجذرة لرعاية العمل والاحتفاء بقدسيتةبلا نهاية, التي يمكن مقارنتها او تشبيها بحد كبير مع طقوس اللقاءات العائلية الشكلية بالمناسبات ,من اجل استعادة مشاهد عذبةاو مراجعة معايشة ذكريات ماضي جميل , او علي الاقل البحث عن اثر قواسم مشتركة,. بعدما تفككت العائلة , وغاب عنها اواصر المحبة والتضامن العريقة, وشاعت بينها حالات التنافر والنزاع والخزي والعار. من هنا يمكن ايضا الحديث عن منشأ مشترك او عن ارتباط عضوي وثيق بين الظاهرتين ,حينما اصبحت اولويات اجندة الجميع هي الكوارث او المخاطر او استيعاب الهزائم , بدلا من الاهتمام والتركيز علي المحيط الاجتماعي والعلاقات الانسانية السامية والبيئة . حالياتجري ليس فقط محاولات حثيثة لتجريب التطبيب, وكتب العقاقير العتيقة, وعمليات جراحية قصيرية, ونقل دم من كافة الاشكال والانماط ,بل تصاعدت ايضا الخطابات البلاغية الرنانة المستلهمة من ذخيرة الاطناب اللغوي, وتعوذيات روحانية وجماليات فاتنة وقيثارات قديمة لدعوات الاصلاح او تحسن الاوضاع التي جمعيها استهدفت في الحقيقة تضليل الجماهيروابقاءها عاجزة او قاصرة لاخذ زمام الامور بايدها, خصوصا حينما ظل الفرد صاغيا علي انغام هذة الخطابات الموثوقة, او ربما شاكرا لتمكنة المحافظة علي هدوءة و ابعادة من فزع فراغ قاتل , .
فخلف هذة الاقنعة وحفلات التنكر ...ووراء كافة الحيل والمرواغات الرسمية والحكومية وادعاءات قادة الاقتصاد الكوني في تحسين الاوضاع- التي اتضحت سلفا محدودية تاثيراتها الايجابية - تم طمر ودفن مشهد المعاناة البشرية, او حجبها عن الانظار عبر التاريخ الفعلي .... انها معاناة ... جماهير ضحية معذبة ومهمشة , يعجز الفرد بمفردة ازالتها من عالمة الخاص.. ففي كل بقاع الارض يجري الحديث الان عن مشكلة البطالة.بعد ما فقد المفهوم معناة الحقيقي وتمت سرقة دلالاتة او ما يميزة حيث اصبح يعبر عن ظاهرة متميزة جديدة ,لم يجري ليس فقط تجاهلها, بل اخفق في تعريفها او تحديد معالمها .فالبطالة ليس فقط شوؤما بذاتة,بل ما تولدة من معاناة حقة .علية يتطلب توسيع مفهوم البطالة ليشمل كافة ابعاد معاناة وبؤس واذلال وترهل العاطلون وغيرها من خصائص وسمات ترتبط بنتائج البطالة المستديمة لسنوات طويلة, وما يصاحب ذلك من تهميش وابعاد حقيقي عن المجتمع بكل تبعاتة الاجتماعية والنفسية. علية يجب ان يصبح المفهوم الجديد شاملا , وان ينظم اشياء غيرملموسة,كما اشير اليها سابقا . رغم ذلك ظلل المفهوم – البطالة - نافد وساري المفعول لتحديد الوضع الشرعي والقانوني للبطالة لاغير . تجاهلا لكافة الحقائق والحثييات, تجري ايضامحاولة تحويل الانتباة الي مسارات وقضايااخري بعيدة عن الواقع الميداني المعاش من خلال ترويج العودة الي مسارات حياة مقبولة من ناحية, او ادعاءات امكانية توفير فرص عمل جديدة( علي شكل اعمال وقتية بمستويات اجور منخفضة ) من ناحية اخري . انها وعود خادعة , ان تحققت سوف لا تشكلهذة الامكنة الجديدة الا نسبة متواضعة, بل مضحكمةمقارنة مع اعداد الملايين العاطلين عن العمل المبعدة لسنوات طويلة او ربما لعقود . كيف حال و اوضاع هذة الملايين والمجتمع ؟ وما هي سمات سوق العمل الان ؟
ففي حين تجري تسلية الجمهورعبر وسائل الترفيهة المتنوعة , ظلت ملايين البشر – ربما يطلق عليها جزافا بشرا – تحتفظ بحقوق قليلة ..حق الفقرو الاملاق الاتي , او حق ضياع السكن والماؤي, وفقدان الاحترام الاجتماعي, اضافة لكينونة مهتزة محبطة غير امنة, واهانات مستمرة, كلة يتجاوز مشاعر الاحباط و الاذلال. ففي حين كان الفرد يتصور انة السيد المتحكم بمصيرة , والمتصرف بارادتة, نراة قد تحول اليوم الي رقما احصائيا مسلوب الارادة وتتحكم بمصيرة ومستقبلة قوي جبارة شديدة المراس .فمن خلال استنساخ صورة الماضي الزائل, افترض ايجاد حلول واحكام قاطعة بخصوص العاطلين..علاوة علي ذلك فقد تجاهلت النخب المسيطرة حتي الحديث عن ظاهرة البطالة الجديدة التي تحولت الي سمة ثابتة و مميزة للعصر الحديث , مما تعاظم قلق ومخاوف الراي العام والجمهورحولها . فالعاطل اليوم ليس فقط كينونة ابعدت عن العملية الاقتصادية, بل تحول الي جزءا وعنصرا حاسما من ظاهرة انهيار شاملة , يمكن وصفها بفيضان جارف او اعصار عارم, استهدف الجميع , واصبح من المستحيل تطويقة اوالتصدي له او مقاومتة . فالعاطل عن العمل تحول اليوم, بل اصبح ضحية منطق كوني ,اخذ يروج او يطالب بالغاء امكنة العمل برمتها .
ففي ما يبدو ظاهريا , ان الاقتصاد و السياسية الاجتماعية, يستندان علي علاقات متبادلة بنيت وبررت من خلال العمل, تلاشت هذة الحقيقة الان, كما ادي الاختلاف والتباين المتولد بين السياسة الاجتماعية والاقتصاد وغياب التلاحم والتزاوج بينهما الي اثار وتبعات قاسية ومريرة تجلت اهمها و ضحيتها الاولي - شرائح واسعة عاطلة عن العمل و التشغيل. مع كلة استمر الحكم عليها بموجب معايير زمنا غابرا ... وقت فترة التشغيل الكامل(وفرة وفائض العمل والتشغيل) . هذا وتصاعدت جهود الخداع والاحتيال لتسويف سرقة امكنة العمل ,كلة من اجل تحريك و ايقاظ الشعور بالذنب عند جماهير العاطلين , كما جرت محاولات تسكين وتهدئةمتعاظمة عبر وعود كاذبة وتنبؤات مضللة واعلانات خادعة في امكانات انتعاش وازدهار مرتقب لفرص عمل جديدة من ناحية, أ و عودة الاوضاع الي حالتها الطبيعية السابقة بعد تواري الهزة الوقتية التي تعرضت لها دورة الرواج الاقتصادي من الناحية الاخري . هكذا تجلت النتيجة الصارمة في طوابير جماعات باحثة عن عمل وتشغيل او الهاء, التي همشت او حشرت في باحات واقبية علي اطراف المجتمع . لكن من سخرية القدر , ان الشريحة المهمشة الاولي هذة , التي اصبحت الان تشكل المحدد او المعيار الحاكم للعصر الحاضر, نراها دفعت قصرا ليس فقط الي تبني تصورات واحكام المتسلطون عليها حول عدم منفعتها واهميتها للمجتمع ,بل ا اصبحت هي ايضا تؤمن بهذة الاتهامات, حينما ظلت تشكك بذاتها و تطرح تساؤلات منها : لماذا نعاني من هذا القصوروالعجز؟ لماذا هذا الميل المتزايد والرغبة في الفشل والاخفاق ؟ لماذا توجد عند البعض رغبات شريرة واخطاء قادت الي الوضع السيئ هذا؟ . هذا وظل الاستهجان يلاحقها , وتعمقت عندها حالة تانيب ضمير وملامة ذاتية, وتوبيخ نفس عن مثل هذة الحياة البائسة التي تعيشها ورضوخها لتهديات الفقر والاملاق .. بالنتيجة لكل ذلك توكد لديها حقيقة مسوؤليتها وضرورة دفعها بمفردها ثمن تردي اوضاعها وبؤسها, وكل ما لحق بها من ذل وهوان .علية حكمت علي ذاتها بذنب وجرم مشهود لعمل لم تقترفة, بل هي ضحيتة . علية اذعنت واستسلمت الي حتمية اعتمادها علي اعانات ومساعدات خارجيةمهما كانت ضئيلة او تافهة. فالاتهامات(سواءذاتية او خارجية) تستند علي تصورات عتيقة لم يستطع احدا في السابق تبريرها, في حين انتفخت هذة التصورات وازدهرت الان وتحولت الي كذبة محضة سخيفة. علاوة علي كلة خلقت هذة الافتراءات والاكاذيب ,بل فجرت عند العاطلين شعور بالحطة والتفاهةوالخزي والعار, مما عمق الرضوخ والاذعان والاستعباد الشديد. عموما تحولت الهزيمة المذلة و الاستسلام المشين الي امرا واقعا, قد لايمكن مقاومتة او التصدي الية , مما عاظم بالتالي شعور الخزي والعار. علية تولد استمرارية الاذلال والاهانة كما تخلق الشللية والضعف في المجتمع, بل ربما تتجذر, وتصل اعماقها الي تجريد الفرد من انسانيتة وتحولة الي غنيمة سهلة الاصطياد من ناحية, والي قبر روح العزيمة والقوة والحركة والنشاط من ناحية اخري . فظاهرة العار والخزي السائدة بين جماهير العاطلين في يومنا المعاصر تعتبر كما يبدو قيم تابتة ومستقرة كالمعاناة الناجمة عنها , حيث كلاهما كان من المفروض او ربما يجب تداولهما في اسواق البورصات العالمية( العنصر الهام والعامل الحاسم والقاعدة الاساسية في خلق وتوليد الارياح) .علية يجب عدم الدهشة والانبهار من كافة محاولات الاصلاح والتحسينات الغريزية غير الواعية التي تهدف ترميم اواعادة بناء( اوربما تعليب)النظام الفاشل ,او تلك التي قد تسمح الي اعتماد اجراءات ترقيعات مزيفة للمحافظة علية وبعث الحياة فية عن طريق الاستمرار في ممارسة الخداع والظلم , او من اجل ضبط التماسك الاجتماعي او الحفاظ علي احلام التكافل والتواصل الاجتماعي و تحاشي الحروب الاهلية وحياة الغاب .
رغم تصاعد هجمات التحديات الداخلية ,ظلت جموع البشر تعيش في باحات اجتماعية..في امكنة فوضوية معرضة ذاتيا وباستمرار الي المزيد من الدمار والتخريب .كما اصبح وا ضحا ذلك الاقصاء المتعمد والابعاد الحقيقي للجماهير من منافع العولمة الجارية او تلك المحتملة في المنظور القريب والبعيد , او من افاق تطورها او تحركها المستقبلي . مع ذلك استمرت جهود جبارة تبذل لتجاهل الابعاد و التهميش هذا ,وبنفس الوقت تم دفع الجماهير نحو مسالك مختلفة و اداء مهمات جديدة او ضرورات مختلفة اخري , باستثاء معارضة او رفض النظام المترهل والمنحل, او ضرورة الوعي والادراك بالانحرافات الحاصلة. بذات الوقت بدت البشرية تعيش مرحلة تاريخية جديدة, قد لا تنسجم او تتناغمم بالضرورة مع تطلعات الجميع.كما استمر في تجاهل حقيقة التعارض والتناقض الجدلي والموضوعي بين اقتصاد السوق الذي اصبح يتحكم بمقدرات العالم باجمعة من ناحية , وبين مصالح سكان عالم سجين. ,كما استمرت جموع كبيرة منة , تعمل المستحيل في انكار هذا التمزق ,ا والعمل بوعي اوغير وعي في تبرير التزاوج بينهما او في ابقاء هذا التمزق والمحافظة علي التناقض, خصوصا عندما حاول القادة والاستراتجيون للنظام الجديد والمتحكمون بة(لم يخولو شرعيا بذلك )و بمساعدة الطبقة السياسية, الاستمرار في القاء الخطب الرنانة التي لاتزال تنسجم وتتناغم مع نمط تفكير العامة من ناحية , واضفاء الراحة والسكون في صفوفها التي استكانت في نوم عميق او عبر مسيرها في منامها , وعدم اقلاق رقادها المستديم . فخلال استمرار سادة الاقتصاد في تدمير ما تبقي من خرائب واستغلال فضلات العهد الماضي المدمر,حاولت النخبة المتحكمة التي تعيش اسوار كونها الجزئي في منع اقتراب او وصول زملاءقدامي الي رحاب عالمهم الجديد – المعولم-خصوصا , عند تمسك الشلة القديمة بالعمل او اضفاء قيمةظاهرية علية, اواعتبارة مفتاح الحياة .حيث يمكن عندئذ ايجاد اجابات عن تسؤلات قديمة معلقةحول عولمتها , كما قد يفتح رحاب تطور مغاير, بل ربما قد يشكل تهديدا خطرا داهما لعولمتها المسيطر عليهامن نخبة كونية رائدة .رغم كافة الافاق الرحبة هذة, واجهت بل اصطدمت بحالة لامبالاة كونية, كما لم تحرز اهتماما ملحوظا و واسعا ,مما ادي الي الاستمرار في الانحدار نحو الاسوء .... .وهي البداية.
بالطبع وجدت دائما اوقات عصيبة وفقر مدقع... اوقات خوف وقلق وصعوبات ,لكنها جمعيا لم ترقي الي مصاف تهديات اصوليات وطرق الحاضر المبتكرة والجافة الجديدة التي تتعرض اليها البشرية الان......لقد كانت دائما قسوة اجتماعية, لكنها ارتطمت بقيود, حينما ظل العمل البشري المنجز يشكل ضرورة ديمومة وبقاء للنخب المتسلطة واصحاب السلطة والقوة ... اليوم تعيش البشرية العكس, حيث تحول العمل البشري بعد تحطيم القيود الي عبأ علي النخبة الحاكمة. هل يمكن فهم واستيعاب دلالة او معني ذلك ؟ هل كانت البشرية يوما مهددة بالفناء كما يبدو الان ؟
فمهما كان تاريخ البربرية عبر القرون مخيفا,كانت هناك دائما ضمانات موءكدة: حيث ظل العمل يسير الكواكب وعمليات الانتاج وتحقيق الارباح.فجميعها نظم وبني اسناد .الان ولاول تحطمت علاقةتوازن القوي, واصبحت الان ولاول مرة الجماهيرالعاملة غير ضرورية للنخبة الكونية المتحكمة سواءا ماديا او اقتصاديا .كما توقف الانسان يشكل منفعة عامة, واصبح يقيم فقط ليس عبر انسانيتة, بل من خلال الارتباط بما يقدمة من منافع للاقتصاد الذاتي.
هنا تكمن المخاطر , وهي اخطار واقعية بلا قيد او شرط . صحيح كانت الشروط الانسانية في الماضي ا سوء من الوقت الحاضر, خصوصا في المجتمعات التي فيها شرائح واسعةتابعة او خاضعة, او عندما شكل فيها الخضوع والتبعيةضرورة بقاء وديمومة . اليوم ليس كذلك ..ففي ظل الديمقراطية , وفي زمن تزايد خبرات الانسان مع الرعب والوحشية والاشمئزازمن ناحية , وتوافر الادوات والامكانيات في الكشف او التحري عن العلاقات والترابطات الاجتماعية من ناحية اخري, فلابد ان يتم بعناد شديد رفض كل ماهو غير ضروري , اي رفض حقيقة مرة: تحول الانسان الي عنصر غير مفيد او نافع للاقتصاد الحر,.لانة توقف ان يكون مصدرا او ينبوعا متدفقا للربح المحتمل, بالتالي لابد ان تتوقف كينونتة. فالاهانةالعميقة المستمرة,والعقوبات المزعجة المفروضة,
العنف والاستبداد من ناحية,السلبية والاستسلام اتجاة المحن والبلايامن ناحية اخري ,كلها علامات بداية الضياع
والانحراف .اليوم , و حينما اصبحت الجماهير المظلومةغير ضرورية, استمرت تشكل خطرا محدقا علي مخططات اولئك الذين يمارسون تعذيبها وقهرها. فهذة تهديات الخطر سواء في المنظور القصير والبعيدا و تم الوعي بها او تم تم تجاهلها نجمت من استمرار الادعاء في العيش او ممارسة ديناميكية اقتصادية يشكل العمل فيها قاعدة واساس , وان الحاصل مجرد نتيجة طارئة وحتمية لدورة الرواج الاقتصادي العادية التي تتسم بالمزاجية والتقلب . فالحقيقة ان غياب العمل تحول الي نظام سري غير معلوم, كما ابتعد الباحثون وربما المجتمع برمتة عن خطابات الحكومة وعن النواب . علية لماذا الاصرار علي مفهموم فقد دلالتة , او ربما غاب ؟ لماذا لايتم التكيف مع متطلبات العولمة والتعلم والتدريب علي كيفية التحرر منها بدلا من الاستمرار في تحمل اعباءها او مجاراتها؟
لماذا لايتم البحث عن طريقةلاعادة التوزيع وتقويم مستلزمات البقاء والديمومة؟ لماذا لا يبحث عن طريقة عمل ليست بالضرورة قائمة علي المكافاة والاجور والرواتب؟ لماذا لايبحث عن دلالات ومعاني جديدة لتسيير الحياة وتشغيل مجمل البشرية عوضا عن تشغيل او الهاء مجموع سكان العالم من قبل حفنة متحكمة؟
في هذا الاثناء تبين عدم امكانية الاجابة عن هذة التساؤلات, بل ربما تحقيق دلالاتها لجملة من الاسباب والقرائن نوجز منها الاتي:
اولا : ان حجم المشروع اعلاة والصعوبات التي تغلفة يتشابهة مع حالة الانسلاخ والتغير.فمن مصلحة القوي الاقتصادية الفاعلة اخفاء الاقنعة ووضع كافة اصناف المكياج علي صيرورة العمل , حيث تم دائماليس فقط تجنب تحمل المسوؤلية عن الاضطهاد الذي مارستة, بل عمدت التضليل والخداع في احتمال توفر العمل في المنظور القريب وان غيابة حاليا مجردمرحلة طارئة كما يمكن توفيرة علي شكل اعمال وقتية. انةحقا احتيال وخداع,استهدف منة التاثير علي الجماهير و توظيف سلبياتها, عندما تم حشرها في مازق و كماشة ورحمة القوي المسيطرة عليها التي عمقت ادعاتهاو اتهاماتها بخصوص ترهل العاطلين وعدم رغبتهم في مواصلة العمل للاستفادة من الاعانات والمساعدات والضمانات الاجتماعية , وهي بالتالي سبب بؤسها . هذا وتعمقت خصائل مثل الخوف والذل والاهانة بعد حبس الفئات العاطلة وشرائح واسعة من السكان في قوالب فكرية عتيقة متقادمة ومخربة.
ثانيا الخوف والرعب من حضارة مزعجة جديدة( بالتاكيد يعرفها ايضا قادة الاقتصاد المتوحش) بعد ازاحة الحضارة القديمة باسلوب متطرف,كما تصاعت دعوات ترويج وتشجيع ما يطلق علية الاندماج المتبادل والسعي في امتلاك سجايا وميول ونزعات ضرورية مطلوبةلمقتضيات الاوضاع الجديدة ,حتي ان تطلب ذلك تغيير الطبيعة البشريةو الاحساس والمشاعر , الثقافة واشكال التفكير والتصرف والتوزيع,كلة من اجل تعميق و تعزيز عملية الانسلاخ والتغيير والانتقال الي مرحلة تاريخية جديدة.. هذا ويبدو واضحا بشكل لايمكن تصديقة ان الجماهيرعموما والعاطلون خصوصا, رضيت بمحض ارادتها ليس فقط في ابعادها عن عملية عن عملية
التخطيط الاقتصادي المعولم,بل اخذت في التوكيد المستمر علي ان ضعفها الاجتماعي وشلليتها ,ما هو الا نتجية حتمية, وانة قدرها يجب عليها ان تتحمل المسوؤلية الكاملة, وعليها ان تدفع الثمن الغالي. هذا وتعاظم الترويض والاستسلام من خلال هجمة اكتشاف غريب مرعب مخيب الامال ... وهو ان القيمة الحقيقة التي كانت دائما تنسب للانسان, قد اختزلت الان في الريع او العائد الاقتصادي الذي يحققة.فهذة الحقيقة سلبت من الجماهير حقوقها الاخري التي تم اختزالها علي تلك الحقوق المرتبطة بعملها او اداءها . بالطبع في حالات الريبة والشك قد سلب منها ايضا حق الحياة. من هنا يطرح سوالا حقا هل توجد قوي مضادة لهذة الاوضاع خصوصا بعد فتحت الابواب علي مصراعيها امام البربرية واللصوص ,عصابات النهب والسرقة والاحتيال بقفازات مخملية؟..... انها فقط البداية....
فالمسالة الان تتجاوز حالة ندب او مناحة او انكار الحاضر, او دعوة لشطب العولمة او رفض التطور التكنلوجي , فهذة جمعيعا, حقائق كان من الممكن ان تاخذ مسارات اخري لتشمل منافعها جماعات اعم , وان لاتختزل منافعها علي قلة قوي دينامكية, بل العكس من كلة, يستلزم ولاجل خلق صورة واضحة للعولمة وبكل ما يرتبط بها من ابعاد سلبية اوايجابية لسكان البشرية جمعاء, ان يصار انهاء الحلقة المغلقة والمفزعة- الاستعمار- والدخول في حوار ومناقشات فكرية حول قضايا العولمة والتطور التكنلوجي وابعادهما علي البشرية وتطور مستقبلها من ناحية, وتحليل كافة العمليات المعقدة الشائكة المرتبطة بها من الناحية الاخري ..

لقد اعدت دراسات سياسية اقتصادية شاملة حاولت معالجة هذة الحقائق , لكنها اعتبرت عناصر تهديد للنظام القائم بل تم الادعاء بانها استهدفت اجراءات قاسية تؤدي الي تدهور الاوضاع اكثر فاكثر, علية لابد من ان تترك الامور تاخذ مسيرتها وانسيابيتا المعهودة. ان خلاصة جملة التقارير والتحليلات كشفت بوضوح تام لايحمل في طياتة تناقض او تسويف مفادها , بان الطبقة او النخبة المسيطرة علي العالم ( العولمة) قد اختزلت الحداثة علي جموع نخبها في العالم الاول والثاني والثالث كل حسب نصيبة , كما ان مفعول اثار العولمة ينحصر علي اقتصاد السوق الحر ولاعبية الكبار,وان جميع القرارات السياسية والاقتصادية هي حكرا علي القيادات العليا في هرم العولمة . .جميع الاخرون يجب استمرار حياتهم علي منوالة , بموجب مشهد تاريخي يتجلي في استمرارنافذية ومفعولية النظام المعولم القائم المسيطرمن ناحية وان لاتلعب الماساة الحاضرة دورا هاما, ولايكون للانسان البشرفية حصة من الناحية الاخري. -----------------------------------------------------------------------
الترجمة المعروضة مقتطفات من الكتاب الموسوم ارهاب الاقتصاد الصادربالنسخة الالمانية وبعنوان : DerTerror der Oekonomie
Viviane Forrester
Der Spiegel- Besseller
Verlag Goldmann
Bottom of Form
ترجمة د. محمد سعيد العضب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جمال نزال: وجود السلطة في غزة رهن بحل شامل يتضمن انسحاب إسرا


.. نهضة بركان يستقبل الزمالك في مهمة رد الاعتبار | #هجمة_مرتدة




.. جامعة سيول تضم صوتها للحراك الطلابي العالمي المتضامن مع فلسط


.. استشهاد رضيع وأمه جراء قصف إسرائيلي على منزل بمدينة غزة




.. مراسل الجزيرة: مستوطنون إسرائيليون يحرقون منزلا لعائلة الدوا