الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالة في الحرية الانسانية

وليد حكمت

2009 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لقصة آدم وتفاحة الجنة معنى فلسفي عميق يفسر معنى الحرية ولماذا يختار الإنسان وكيف يقرر مصيره فحين خير آدم بين أن يعيش متنعما نعيما أبديا خالدا مقابل أن يتخلى عن حريته واختياره وبين أن يمارس اختياره وحريته ويدفع ثمن الحرية ، فآثر آدم كما وردت القصة في الكتب السماوية أن يختار حريته ويقرر مصيره بنفسه وأن يقرب الشجرة ويأكل منها فعوقب هو وزوجه بالنزول إلى الأرض والشقاء فيها فتحمل ذلك لأن لا مناص للإنسان في كثير من القرارات المصيرية أن يتجه تلقائيا نحو حريته ويحمي إرادته وهو بذلك يصون شخصيته وخصوصيته ،فكان قدر الإنسان أن يختار ليكون إنسانا حقا، والاختيار الحر هو العنصر الأساسي الذي يفصل الإنسان عن العبودية .

في حياتنا اليومية نواجه كثيرا من المواقف التي تحتاج إلى اتخاذ قرار أو اختيار ولكننا نواجه صعوبة في اتخاذ هذا القرار أو هذا الاختيار نتيجة لقوى خارجية وداخلية تسيطر علينا وتتحكم بنا وتحد من قدراتنا وتقمع حرياتنا وتقيد سلوكاتنا ورغباتنا وتلاحقنا بأفكارها وعيونها وشخوصها وتجبرنا على كثير من الأحيان على أن نتخلى عن قراراتنا وإرادتنا كي ترضى عنا وفي كثير من الأحيان وحتى لو حاولنا إرضاء السلطة الجمعية بأشكالها المتعددة إلا أنها لا ترضى عنا بل تطلب المزيد من قرابين العبودية .

الطفل منذ نشوئه وخلال مراحل نموه والى أن يصير إنسانا بالغا يتدخل في صياغة شخصيته الكثير من العوامل فالأبوان يشكلان الطفل ويحددان كثيرا من سلوكاته ونشاطاته وثقافته ومعتقداته ثم تأتي عوامل أخرى كالمدرسة والمجتمع والحارة والدولة وعوامل كثيرة ومتعددة تسهم بالنصيب الأكبر في تشكيل ثقافته إلى أن يتطور إلى إنسان بالغ صاحب ثقافة واتجاه وسلوك وطبيعة حددتها وصاغتها قوى خارجية في مجملها وتأخذ هذه القوى والسلطات صفة التقديس والهالة الاجتماعية.

في حياتنا اليومية نصطدم بالكثير من العقبات التي تمنعنا من اختيار ما نريده وما نحبه فالمجتمع أو سلطة المجتمع تتحكم بنا فلا نستطيع أن نمارس أي سلوك إلا بعد أن نحسب حساب المجتمع الذي يراقبنا ويتوجه بأنظاره إلينا ويتابع تحركاتنا وسكناتنا أربعا وعشرين ساعة فنصير مترددين في اتخاذ القرار خوفا من انتقاد الآخرين ، فنحجم عن كثير من رغباتنا وهواياتنا وما نرغب بأن نمارسه وتتحطم رغباتنا وآمالنا على صخرة رقابة وقمع المجتمع الذي لا يرحم ثم تأتي سلطة الدولة فهي تحدد سلوكات وأفعال الإنسان وتصنع لها قوالب تحد من الفعل الإنساني وهي بنظر من وضعها تروض الإنسان وتمنع الشر ولذلك فالإنسان يحاصر بآلاف القوانين والتعليمات التي تحدد مساره ونشاطه وتفكيره وتعبيره وحريته وقد تكون هذه القوانين مفيدة للإنسان وقد تكون في كثير من الأحيان قامعة للشعور الإنساني وحرية التفكير والتعبيرو النشاط الإنساني الفطري وتخدم فئات اجتماعية معينة وهي الفئات التي شرعت وقننت تلك القوانين ،فلذلك يشعر الفرد بقوة قمع الدولة ذلك أن الدولة تستخدم وسائل وأجهزة لمعاقبة الإنسان فيما إذا خالف القانون بينما سلطة المجتمع قد تسبب الضيق والمعاناة والعزل والإقصاء والحرب النفسية والنقد اللاذع والتهجم وأحيانا القتل فيما إذا خالفها هذا الإنسان كما تشترك الدولة والمجتمع في صياغة عملية الرقابة والعقوبة ، ثم نأتي لذات الإنسان فهو أيضا يمارس وظيفة الرقابة والقمع والنقد بحق المخالفين له ولرأيه وهو يشارك المجتمع في عملية الرقابة والتسلط وفي نفس الوقت يجلد بسوط المجتمع الذي يتابعه ويراقب تحركاته فهناك إذن علاقة جدلية بين الإنسان والسلطة بشكل عام علاقة استبدادية ورقابية فالإنسان مستبد ومستبد به في نفس الوقت هو ينتقد الآخرين لأنهم يفعلون كذا ويخالفون العادات والتقاليد والقيم المجتمعية وفي نفس الوقت يشعر بأنه مراقب ومحاصر ومعرض للرقابة المجتمعية التي تحد من حرية سلوكه ورأيه ويعيش ذات المعاناة ،الإنسان كثيرا ما يرغب أن يفعل وان يختار تلقائيا وهناك مئات القرارات اليومية التي يتردد في اتخاذها وحسمها ولكنه سرعان ما يحجم عن الكثير منها لأنها تخالف رغبات المجتمع وآرائه وإجماعه، فيعيش هذا الإنسان في حيرة وفي نقص وفي خوف وتردد دائم ويشعر بأنه يعيش لغيره وان المجتمع والسلطة والعشيرة جاثمة فوق صدره يعيش ليحقق رغباته ويمتنع عن محرماتها فتصبح شخصيته قلقة مكبوتة ضعيفة مهزوزة غير مسؤولة ولا تتحمل المسؤولية في أي حال من الأحوال
فلو نظرنا إلى هذا الطفل في بلادنا العربية التي تعيش الاستبداد بامتياز كيف يمر في مختبرات المنع والقمع والترهيب والتخويف، فما أن يشب رجلا حتى يصبح إما ضحية أو جلادا أو ممسوخا ولذلك نجد الشعوب العربية تعيش حالة من الخذلان والخوف والرعب من المسؤول والحاكم وشيخ العشيرة ومدير العمل ومعلم المدرسة فالخوف والرعب وتقديس الأشخاص وعبادتهم والقبول بعبوديتهم مفاهيم تنشأ ويترعرع في الذهنية العربية منذ الولادة وحتى الممات.
ولكن الكثير من البشر يقررون أن يختاروا مصيرهم و يتخذوا قرارهم إذا ما اقتنعوا به ولا يحسبون حساب المجتمع والسلطة بجميع أشكالها فيتخذون طريقهم ويشكلون إرادتهم الحرة ويعززون حريتهم ويؤكدون ذواتهم ويمتلكون زمام المبادرة وهم إن تعرضوا لعقاب السلطة والمجتمع فإنهم يحسون بطعم إنسانيتهم التي تحررت من ربقة العبودية للآخرين فالإنسان يكون إنسانا إذا كان حرا فكلما قرر الإنسان واتخذ قراره بنفسه وضمن قناعاته كلما تأكدت إنسانيته وتعززت حريته ، وقد يداهن الكثيرون غيرهم من خلال تغيير قناعاتهم وأفكارهم وآرائهم وقراراتهم وسلوكاتهم ليرضوا عنهم وليكفوا أنفسهم شر القتال مع السلطة والمجتمع والدولة ولكنهم يعيشون بدون شخصية فيعيشون حالة الانفصام والتناقض النفسي بين ما يرغبون به وبين ما يرغب به الآخرون كما أنهم يعيشون في حالة من النفاق والعذاب النفسي والهواجس المزمنة وقد يلتقي الأحرار مع بعضهم ويصوغون أفكارهم والتزاماتهم دون إكراه أو إجبار أو إلزام بل تكون الإرادة الحرة منطلقهم والحوار وسيلتهم والتفكير طريقتهم واحترام الرأي الآخر شعارهم والديمقراطية منهجهم فهم يسلمون من المجاملات والنفاق الاجتماعي والديكتاتورية وجميع الأمراض المعقدة التي تهلك المجتمع وتعيق تحرير وتفكير الإنسان، ولذلك نجد بأن الشخصية الغربية مرتاحة كثيرا لأنها لا تحسب حساب رضى الآخرين عليها أو سخطهم في كل صغيرة وكبيرة بقدر ما تحسب حساب قناعاتها ومتطلبات حريتها وهي شخصية ناضجة غير متناقضة مفكرة مبدعة تتجه نحو تأكيد ذاتها وإنسانيتها ولا تسهم في قمع ذاتها ولا غيرها إلا في حدود درء الشر عن الإنسان ومنع الاعتداء على خصوصيته وحريته وحياته، فتحرر الشخصية وانعتاقها من سلاسل العبودية والثقافة الاستبدادية والرقابة المجتمعية البوليسية يؤدي بها إلى الإبداع والنجاح والسعادة والتطور وتخليص الذهنية من عقيدة الخوف من الآخرين وإرهابهم واستبدادهم ورقابتهم ضروري لعودة الإنسان إلى طبيعته وإنسانيته الحقة ، فمهمة الإنسان الرئيسة هي تأكيد إنسانيته من خلال تملكه لحريته الحقيقية التي تتعزز وتتأكد باختياره الشخص المحض دون تدخل عوامل خارجية ، ويكون الإنسان في حال نيته ان يتخذ قرارا معينا بين خيارات معينة منها الفشل او النجاح بدرجات مختلفة فلو غامر الإنسان واتخذ قرارا بصدد قضية معينة فربما ينجح فيكون سعيدا وربما يفشل فسيكون أيضا سعيدا لأنه هو صاحب القرار لا غيره ولأن ممارسة الحرية هي بحد ذاتها اكبر نجاح وتبقى التجربة الإنسانية المستمرة منذ ملايين السنين هي الأداة المتميزة التي ترشد الإنسان وتقلل من أخطائه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المثالية
توفيق ( 2009 / 3 / 19 - 15:08 )
الكاتب مثالي التفكير إذ يظن أن الحرية من فطرة الإنسان وهي مخلوقة معه ومطبوعة في الجينات . الأمر ليس كذلك . الحرية ليست رغبة أصيلة في الإنسان في أن يحتفظ بجميع الخيارات متاحة له . فهتلر عندما شن حربه التدميرية على العالم لم يكن يمارس حرية الاختيار بل إن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وفقدانها نصيبها من المستعمرات هو ما فرض الحرب على هتلر . كتب أحدهم مرة يقول أن حرية الإنسان هي بالضبط حرية الإنتاج أي ممارسة فعل الإنتاج بأفضل الشروط المتاحة . لذلك الحيوانات لا تعرف الحرية لأنها لا تنتج . وأخيراً أرجو من الكاتب الكريم أن يتفكر أكثر بمعنى الحرية وهو على قدر المسؤولية . مع وافر الإحترام

اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال