الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد بين الحكومة المركزية والحكومة الإتحادية

هفال زاخويي

2009 / 3 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت كارثة العراق والمآسي التي مر بها الشعب العراقي منذ قيام الدولة العراقية الحديثة ولحد سقوط النظام الديكتاتوري البعثي تكمن في الدولة شديدة المركزية، اي ان كل شيء باستثناء الهواء الذي نتنفسه هو بيد حكومة شديدة المركزية، واي حكومة شديدة المركزية تكون متطبعة بطابع الثورية الراديكالية التي تكون مستعدة دائماً لإرتكاب الأخطاء القاتلة والشروع في عمليات قمع الشعب والاستهتار بالمقدرات الاقتصادية للبلد والاستخفاف بالعقول والكفاءات أمام رجالات الحكم الثوريين والذين بمقدورهم فعل اي شيء تحت يافطة الشعارات الثورية المقيتة ، وهذا ما حدث في العراق خاصة بعد صعود البعث للحكم بانقلابه التموزي عام 1968 ، فحتى عملية البناء والانتعاش الإقتصادي الذي شهده عقد السبعينيات بعد تأميم النفط كانت شعارات بناء كشك صغير شعارات ثورية ومكرمة من مكرمات مجلس قيادة الثورة ، وكان المركز يتحكم بكل شيء اعتباراً من عود الكبريت وصولاً الى الأنفس البشرية ، فبسهولة اشعال عود الكبريت كان سهلاً أيضاً اعدام نفس بشرية تحت ذرائع الخيانة والعمالة .

العراق الجديد بعد سقوط النظام في التاسع من ابريل 2003 دخل مرحلة التحول وما زال يعيش هذه المرحلة رغم العذابات والمخاضات الشديدة الآلآم فلم نزل نمر بمرحلة التحول الى الديمقراطية التي لن تترسخ في الحقيقة الا من خلال اقتصاد منتعش ورفاه الفرد وبروز الطبقة الوسطى من جديد والتأسيس لصناعات وطنية واحياء الزراعة ، فالديمقراطية المشهودة في العالم المتمدن هي ثمرة من ثمرات اقتصاد السوق ، واستطاع الاقتصاد الحر في نهاية الثمانينيات من دحر المعسكر الاشتراكي برمته والذي كان قد شاخ وغرق هو الآخر في معمعة الشعارات الثورية في وقت كان المواطن في ذلك المعسكر الذي تزعمه الاتحاد السوفييتي السابق يفتقر الى كل ما تطمح اليه نفسه من اولويات الحياة.

في حقيقة الأمر فإن المصطلح الذي يستخدمه دولة رئيس الوزراء نوري المالكي واقصد" الحكومة المركزية" هو في حقيقة الأمر يناقض الديمقراطية وبمقدور الحكومة في بغداد لو تبنت المركزية كنهج للحكم فانها ستدخل العراق من جديد في مرحلة حروب داخلية ومعاناة جديدة بلدنا وشعبنا في غنى عنها ، " المركزية " التي تستخدمها الحكومة في بغداد من خلال تصريحات المسؤولين الثورويين خطيرة للغاية، فالمؤمن بالدولة شديدة المركزية يعني انه مؤمن بالاستبداد وبالتالي مؤمن بالبقاء في الحكم الى ان تصل به الحالة الى حالة الحبيبب بورقيبة المضحكة المبكية.

صحيح ان المعارضات في اي بلد تتطبع بطبائع النظام، وهذه حالة طبيعية علمياً ، لكن بعد ست سنوات من التغيير لابد ان تتغير الطباع وتتغير الرؤى وتتغير التطلعات ، لايمكن من خلال حكومة مركزية بناء دولة ديمقراطية وبناء دولة مؤسسات ، فما زلنا نرى ان المساعدات التي تقدمها الحكومة مثلاً للمهجرين تسمى مكرمات ، غريب ان يمنح –بضم الياء- المواطن مساعدة من المال العام فتسمى مكرمة، وغريب ايضاً ان يتوجه كبار المسؤولين في الدولة بتوزيع الاموال على بعض شيوخ العشائر وبعض مثقفي السلطة فتسمى مكرمات، انها تذكرنا بمكرمات القائد.

نحن في العراق لسنا بحاجة الى قائد ثوري ، ولسنا بحاجة الى حكومة مركزية تستخدم الطائرات والدبابات وشتى انواع الاسلحة ضد مواطنيها، لكنها تخسر على جميع الجبهات الخارجية.
ما هو النقص الذي سيشعر به رئيس الحكومة او اي مسؤول آخر من كون حكومته حكومة اتحادية ، الدولة التي اسقطت نظام صدام حسين الشديد المركزية هي الولايات المتحدة الأميريكية وحكومتها تسمى بالحكومة الاتحادية او الحكومة الفيدرالية ، فهل صمدت المركزية الثورجية صاحبة المليون جندي في وجه الفيدرالية الاتحادية الأميريكية؟

ينبغي بالجميع التفكير في التأسيس لعراق اتحادي جديد ، متحضر، لا مكان للانقلابات فيه ، فالانقلابات هي نتاج المركزية الشديدة، ومن الخطأ الفادح ان يتصور القائمون على حكم العراق انهم بتفكيرهم المركزي سيقدرون على بناء العراق وانتشاله من محنته ... آن الأوان لهجر الفكر الثوري الذي لايحمل بين طياته الا القمع والمزيد من الخراب .

* الثورات والحكومات المركزية لا تنتج الديمقراطيات، بل الرفاه الاقتصادي وتوزيع الثروات بعدالة هو الكفيل بذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البلد رقم واحد في شراء الاسلحة
ismaiel ( 2009 / 3 / 19 - 06:40 )
لمعلوماتكم وحسب الاخبار التي نشرت على بعض المواقع الالكترونية الخبرية قبل فترة تقول الاخبار بان العراق احتلت(ماشاءالله) المرتبة الاولى مابين دول العالم في شراء الاسلحة والاعتدة الحربية خلال السنة الماضية ويامحلى النصر بعون الله وعين الحسود بيه عود كما تقول البغداديون
بقي ان نقول الكثير من المواطنين ما زالت تعاني من مخلفات النظام السابق اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ومازالت الكثير من الملفات الشائكة لم تلقى الاعتناء الكاقي من لدن الحكومة الجديدية ومازالت الخدمات البلدية للمواطن ضعيغا ولكن الاولوية اعطيت للتسليح وتعبة العشائر وكان تجارب الماضي وترسانة الاسلحة للنظام السابق وسياساته وحروبة لا تكقي ليتعض الحكام الجدد الدرس وكان التاريخ يعيد نفسة باسم الدولة القوية او السيادة او الحكومة المركزية منتهكين حقوق المواطن الاساسية في منع مشاركته للخطط والقرار السياسي والتمتع بخيرات بلده كحق مكتسب لا كمكرمة تنتهك بها كرامة الانسان وكان سياسات النظام السابق يعيد نفسة
تحيتي


2 - اشاطرك الرأي
فيصل ( 2009 / 3 / 19 - 08:06 )
جيد وأشاطرك الرأي يا سيد زاخويي وتحليلك دقيق عندما تقول بان المعارضات تتطبع بطبائع النظام...مقالكم مهم للغاية وهو يصلح ان يكون بحثاً مطولاً بدل مقالة مركزة ...أرجو منك اتحافنا بكتاباتك الجميلة


3 - المقالة احادية النظرة
عبد العالي الحراك ( 2009 / 3 / 19 - 09:27 )
تكلمت ايها الاخ العزيز زاخوبي عن مساوىء الحكومة المركزية( شديدة المركزية) ولكن لم تتكلم عن الحكومة الفيدرالية( شديدة الفيدرالية الانعزالية الاناني) الحاجة ماسة الى حكومة وطنية( شديدة الديمقراطية) لا طائفية ولا قومية عشائرية.. فالوجع يأتينا من خاصرتينا الطائفية والقومية.. هناك تحسن في الجانب الوطني لطائفيينا فهل هناك تحسن وطني انساني في قوميينا الاكراد الذين يزدادون تقوقعا وانعزالا؟ الحاجة الى حكومة عراقية ديمقراطية تعرف حقوقها وواجباتها تجاه العراق والعراقيين وحكومة فيدرالية تعرف حدودها الادبية والاخلاقية ثم حقوقها وواجباتها السياسية والادارية قبل حدودها الجغرافية

اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ