الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الرأسمالية.. وأزمة اليسار!!

حسن شعبان

2009 / 3 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


فى مقاله المنشور بجريدة "البديل" الاثنين 2 مارس 2009 كتب د. شريف حتاتة تحت عنوان "اليسار وأزمة الرأسمالية.. تساؤلات مرة":
" لا أحد يعلم إلى أين تقودنا الأزمة الاقتصادية الحالية التى نتجت عن السباق المحموم نحو مضاعفة الأرباح الذى انساقت فيه الرأسمالية المالية منذ فرضت هيمنتها على الاقتصاد العالمى" ويتساءل:
هل المطلوب الآن أن نكتفى بالفرجة على الرأسمالية وهى تعانى من تقلصاتها؟
ويجيب:
إن مصلحة الشعوب فى المرحلة الحالية هى أن تحول دون أن يحدث الكساد، ودون أن ينهار النظام الرأسمالى القائم الآن، بل أن تساهم فى إنقاذه..".
في موضع آخر يكتب " الرأسمالية تلهو، تتوحش، تقيم القصور.... تصنع البؤس الاقتصادي والاجتماعي، والثقافي، وتفرض القمع السياسي... ثم تطالب الشعوب بإنقاذها، وتقتطع من لحم وعرق حياة الرجال والنساء والأطفال في سبيل ذلك.
إذا ما تأملت هذه الفقرات بما تحمله من تناقضات ستكتشف أنها قابلة للحل ببساطة إذا ما أضفت في نهايات تساؤلاته وإجاباته علامات تعجب. وستدرك أن المحتوى سيغدو مختلفا وأكثر تماسكا. ولأننا لا نظن أن د. شريف حتاتة قد نسيها في غمرة انشغاله بتطوير تساؤلاته المرة، سنتعامل مع غيابها باعتباره أمرا مقصودا.
وسيدفعنا هذا لمراجعة البديهيات، وأولها إدراك أن "الأزمة من صنع الرأسمالية وتكمن فى طبيعتها"
فمنذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أصبحت المنافسة الحرة فى ذمة التاريخ فالمنافسة أدت إلى تركز وتمركز الانتاج والرأسمال وهذا التركز الهائل عند مرحلة من مراحل تطوره أدى إلى الاحتكار، وتشكلت الاتحادات الجبارة للرأسماليين، ولم تعد البنوك تقوم بدور الوساطة فى الدفع ولكنها قامت بتجميع العائدات النقدية بشتى أنواعها ووضعتها تحت تصرف طبقة الرأسماليين، وأصبحت الاحتكارات هى القائد فى الحياة الاقتصادية بأكملها وانتقلت الرأسمالية إلى مرحلة أعلى من مراحل تطورها وأصبحت أكثر توحشا وطفيلية، وهيمنت على السوق العالمية، وألحقت بلاد الجنوب بالسوق الرأسمالية وفرضت عليها التخلف والتبعية. ولأن أزمة النظام الرأسمالى تكمن فى جوهره وطبيعته؛ التناقض بين الطبيعة الاجتماعية للانتاج والملكية الفردية لوسائل الانتاج، سيكون من الواجب البحث عن طريقة لإزاحة هذا النظام الاستغلالى والعمل على أن يحل محله نظاما اقتصاديا واجتماعيا جديدا يحول دون الاستغلال والنهب ويعيد توزيع الثروة.
هذا ما يدركه أيضا د. شريف حتاته "اليسار طوال عمره معارض .. للرأسمالية الاحتكارية الكبرى، معارض للشركات العابرة للأوطان وسياساتها، يسعى إلي التقليل من غلوائها، إلي كبح استغلالها، وإلي أن تنتقل إما عن طريق ثورة شعبية وفقا لرأي البعض، أو عن طريق التطور الديمقراطي الجماهيري في المجتمع وفقا لأغلب تياراته، إلي نظام ديمقراطي حقيقي ينتقل في المستقبل البعيد إلي نظام اشتراكي بدلا من نظام يفرض مصالح أقلية ضئيلة على مصالح الأغلبية الساحقة من الكادحين من الناس".
ولأن د. شريف حتاتة لم يكن جازما في تحديد مع أي النهجين هو، ترك لنا أن نستنتج أنه مع "أغلب تياراته" أي أنه مع التغيير عن طريق التطور الديمقراطي الجماهيري.. إلخ، ولأن هذا أيضا طرح قديم قدم الأممية الثانية سيكون علينا أن نحاول استنتاج مصدر المرارة في تساؤلاته.
والمعادلة بسيطة "نحن جميعا شعوب كادحة ورأسماليون ليس لنا مصلحة في انهيار الرأسمالية"، لماذا؟!! لأن الكادحين سيتحملون العبء الأكبر للمصائب التي ستشمل جميع بلدان الأرض. جميل.. مع أن د. شريف يدرك أن التحول الاشتراكي لن يكون إلا في المستقبل البعيد بما يعني أن اليسار حينما يقود عملية التغيير مجبر وفق خياره على أن يتعامل على الأقل في المستقبل القريب ضمن شروط الانتاج الرأسمالي محاولا إدخال تعديلات في طريقة سريان الرأسمالية واتجاهاتها وفي النظم التي تعمل في إطارها. هذا يعني أن ما هو مطروح على اليسار الآن وفق نهج أغلب تياراته ليس إلا تأكيدا على أن يقوم اليسار بفرضه المدرسي، أن يتصدى للدور الذي أوكله لنفسه. أين المرارة إذن فيما يطرحه د. شريف حتاتة؟!!
المرارة قادمة دون شك. وهي كامنة في التساؤل الذي يطرحه د. شريف حتاتة "هل معنى هذا أنه ليس من الشرط أن يكون كل تحرك جماهيري كل اعتصام أو إضراب مفيدين ومحقق لمصالح المشاركين فيهم؟ هل يمكن التفكير في تعاون مع قوى لم يكن في ذهن اليسار أن يتعاون معها من قبل بما في ذلك السلطة أحيانا أو أجزاء منها أو مع رأسماليين كبار في بعض مواقفهم؟"
هنا مصدر المرارة المفارق في حقيقة الأمر إذ أن اليسار مطالب بالتخلي عن استخدام قواعده الشعبية في الضغط على النظام المأزوم من أجل إعادة صياغة تحالافاته. بطريقة أخرى على اليسار أن يتخلى عن مالا يملك من أجل إنقاذ ما لا يطيق!! ستبدو تلك الفقرة في نظر البعض عبقة برائحة الدجماطيقية والمواقف سابقة التجهيز. غير أننا لا نخشى من نيران صديقة كما لا يخشاها د. شريف حتاتة كما قال في نهاية مقاله فبعد سنين طويلة في اليسار ومع هذه المرحلة من العمر لم يعد هذا يهم. فما يهم حقا أننا كيسار ولأول مرة منذ زمن بعيد نملك المقدمات والنتائج. ندرك أن الرأسمالية قد قامت بدورها في تقدم البشرية شاكرين لها ذلك، وأنها قد أصبحت عبء يثقل كاهلنا عاملين على إزاحته... ندرك أن الاشتراكية علمية وأن آفتها تكمن في النزعات الإنسانية التي تعمينا عن تحليل صحيح – جدلي- لواقعنا نحن، وأن آفتها الأعظم تكمن في موقع المثقف في مجتمعنا. هذه المرة دعونا نتخلى عن الحديث بصيغة الجمع فما من يسار يمكن الحديث نيابة عنه، لذلك أنا كيساري مدرك أنه إذا ما كان ثمة يسار فإن عليه كي لا يكون دجماطيقيا إعادة النظر في صلاحية المفاهيم التي يستخدمها كمفهوم الجماهير، فضلا عن التطور الديمقراطي، وأن يسعى لا إلي خلق مجابهة ذات حدين وإنما إلي خلق بؤر مقاومة يمكن إذا ما حالفها الحظ أن تغير بنية المجتمع الرأسمالي، فهذا هو الهدف في نهاية المطاف.
أن ما يسميه د.شريف حتاتة أزمة الرأسمالية هي في الحقيقة مرضها العضال وما يحدث ليس إلا مظاهر مآلها التاريخي بحكم بنيتها. أما الأزمة التي يجب أن نتصدى جميعا لها هي أزمة اليسار المصري المتمثلة في الآتي:
• التقطع وعدم التواصل بين الأجيال.
• غياب ثقافة الاختلاف والحوار الديمقراطى - ونرجو أن يكون هذا التعليق جزءا من ممارسة هذا الحق- واحترام رأى الأغلبية وحق الأقلية فى الاختلاف والتعبير عن هذا الخلاف. وما نسعى إلي تأكيده أن غياب هذه الممارسة قد كان عاملا أساسيا في حالة التشرزم والانقسام التي عانى منها اليسار على مدار السنوات الماضية.
• إلتباس الموقف الفكرى والسياسى، نظرا لغياب استقلاليته وارتهانه بقرارات الحزب الشيوعي السوفيتي، والأمثلة عديدة؛ ففى نهاية الأربعينيات وأوائل الخمسينيات تبنى اليسار المصرى قرار التقسيم وأخذ يروج له ويدافع عنه فقط لأن الحزب الشيوعى السوفييتى يرى ذلك والمؤسف أن الموقف من الصراع العربى-الصهيونى مازال ملتبسا حتى الآن.
وفى مطلع الستينيات من القرن العشرين كان اليسار المصرى قد تخلى عن مشروعه الاشتراكى وتبنى فكرة التطور اللارأسمالى وتبنى المشروع الناصرى وتخلى عن تنظيمه المستقل بحل الحزب والانخراط فى تنظيم السلطة، وما يطرحه د. شريف حتاتة استمرار لهذا النهج.
نعم يجب أن يكون لليسار دور ولكن دوره هذا يجب أن يكون مع جماهير الشعب المصري المنهوب والمسلوبة إرادته ولن يتحقق هذا الدور إلا إذا كان اليسار راغبا وقادرا وساعيا إلي:
• وحدة اليسار حول شعار محدد وواضح – الاشتراكية- وإعادة الثقة في هذا الشعار وممارسة أوسع أشكال الدعاية حوله وابتكار الوسائط الضرورية واللازمة لكي يصل هذا الشعار لمن يعبر عنهم.
• امتلاك مشروع اشتراكي وترجمته إلي برنامج سياسي يلبى آمال الشعب المصري، لا كاستجابة لازمة الرأسمالية ولكن لتلبية المطالب المشروعه في العمل والسكن والصحة والتعليم. ولا يمكن أن يتحقق ذلك عبر التحالف مع السلطة وكبار الرأسماليين.
• امتلاك رؤية استراتيجية تحدد جوهر الصراع في عصرنا الراهن في العالم وفي بلدنا دون التباس وتحدد بدقة من هم الأعداء الحقيقيون الذين يتوجب محاربتهم وهزيمتهم.
• الخروج من أطر النخب البرجوازية المثقفة والارتباط الحقيقي بالجمهور الذي تستهدفه تلك النخب بخطابها.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ازمة الراسالية قديمة
aissaoui ( 2009 / 3 / 19 - 10:43 )
هل اصبح قدرنا نحن اليساريين ان ننتظر حتى تظهر ازمة النظام الرأسمالي فنقوم بتذكير العالم بصحة نبوءة الرواد الكبار والمنظرين الاوائل للنظام للاقتصاد السياسي في شقيه الاشتراكي و الرأسمالي .
أما حان الوقت لكي تقوم التيارات التي تدعي اليسارية بالعمل على تزويد تنظيماتها بالوسائل الفكرية والتنظيمية الضرورية لتأهيل نفسها بصفة مستمرة كما هو الحال بالنسبة للاحزاب المدعمة للنظام الرأسمالي و المخسوبة علي التيارات اليمينية

اخر الافلام

.. حادث مفاجئ جعله رئيساً مؤقتاً لإيران.. من هو محمد مخبر؟ | ال


.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني في تبريز| الأخبار




.. نتانياهو -يرفض باشمئزاز- طلب مدعي الجنائية الدولية إصدار مذك


.. مقتل الرئيس الإيراني: هل تتغيّر علاقات طهران بدول الخليج وال




.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس -إبادة جماعية- نحن نرفض ذلك