الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تخريب إيديولوجي

أمين شمس الدين

2009 / 3 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


تخريب إيديولوجي *

نور الدين نوخاجييف
المفوض لمنظمة حقوق الإنسان في جمهورية الشيشان

يلاحظ في الآونة الأخيرة انصباب وسائل إعلام روسيا الاتحادية المرئية، عبر شاشات محطات التلفزيون على عرض أفلام "بويفيكي"- المقاتلون، نشاهد خلالها أبناءنا الطيبون، بملامحهم السلافية، يحاربون من أجل الحقّ ضد قوى الشرّ والعدوان. ويقوم بتمثيل أدوار هذه القوى أشخاص شرقيو المظهر، وبالتحديد من القوميات القوقازية.
إن هذا الإنتاج "الفني" لا ينقل إلينا حَرافَة المضامين وتنوعها، بقدر ما ينقل إنتاجا ساذجا، شبيها بالميلودراما الهندية. وبطل الفيلم الرئيس يكون بالضرورة قد حضر "المواقع الساخنة" – في الشيشان. وعن طريق "معرفته" و"إلمامه" بالأوضاع فيها، يحاول المخرجون أن يثبتوا للمشاهد بأن الجنوبيين، والشيشان بالخصوص، هم أعداء الروس، المتعطشون للدماء.
وبأنهم إجمالاً غرباء على كل ما يمت بالإنسانية بصلة. إن هذا يذكِّرنا بما قاله أحد العلماء عن مثل هذا الظرف بالذات، حين قال: "الظلام المنسوب إلى العدو- ليس إلا الظلام الذاتي الذي لا رغبة في الاعتراف به".
بعض "أساتذة" السينماتوغرافية في روسيا، يقومون وبدون أية مهارة بمحاولات لتقليد تجارب الغير في هذا المضمار، وفي حالتنا هذه- تقليد الأفلام الأمريكية "المقاتلون". فهم لا يقومون بتقصّي الموضوع المقلَّد على الشكل الصحيح. فالمؤلفون السينمائيون الأمريكان، في مثل هذا النوع من الأفلام يتبعون أساليب غير مدوّنة، ولكنها تدخل بشكل إلزامي ضمن القواعد الأخلاقية والأدبية. وأبسط ما فيها، أن يقوم بتمثيل "الخيّرين" و "الأشرار" أبطال بيض الملامح أو سودها على السواء، وبتمثيل تناسبي. إن الموضوع العام في الأفلام الأمريكية- مقاتلون، لا يُهِين الإنسان من حيث انتمائه العرقي، ولا يشتمه من حيث انتمائه القومي أو معتقده الديني.
أما المؤلفون السينمائيون في روسيا الاتحادية فَيَفصِلون أبطال الفيلم في مثل هذا النوع من الأفلام بشكل واضح وفاضح حسب الخواص والصفات المذكورة، إلى صنفين: "الذين ضدنا" و "الذين معَنا". إنهم يتناسون بشكل متعمَّد، بأن أولئك "الذين ضدنا" هم مواطنو روسيا الاتحادية. وهم يغرسون في أذهان مواطني روسيا فكرة وجوب التخلص من أولئك "الذين ضدنا" أو الغرباء. أوَ ليس هذا بالذات بمثابة دَق إسفين بين الشعوب؟! وطريق مباشر نحو انشقاق دولة روسيا الاتحادية متعدِّدة القوميات؟!
إن المخططات المُعلَنة وغير المعلَنة، والموجّهة لهدم روسيا، كانت ولا تزال وستبقى حتماً قائمة بالأساس على إشعال روح العداوة القومية والدينية في بلادنا. لهذا يبقى واضعو مثل هذه الأفلام شُركاء في التآمر على تحقيق مثل هذه المآرب الخطيرة، سواء كان ذلك بعلم أو بدون علم منهم.
نعرف جميعاً الدور الهام الذي يلعبه الإعلام المرئي في عقول الناس وأذهانهم. إن الأفلام المذكورة أعلاه تدفع نحو خلق أمزجة من الهَلَع المَرَضي في المجتمع. وتغرس في وعي ومفاهيم الناس صورا لأعداء من نفس الشعب، ولكنهم ينتمون إلى قوميات ومعتقدات دينية أخرى. ببساطة تَنمُّ هذه الأفلام عن الجهل المطبق لواضعيها بثقافة الشعوب القوقازية. ليس هذا فحسب، وإنما أيضاً عن عدم الاهتمام بدراستها وفهمها. إن هذا المرض المسمّى بالشوفينية ليس إلاّ "الملاذ الأخير للأشرار أو الأرذال".
كل ذلك لم يكن لَيَستدعي منا القلق، لو أن "أعمال" بعض مخرجي الأفلام في روسيا الاتحادية بقيت ضمن نطاق محدود من الناس. إلا أن الأمر يكمن في أن هذه الأعمال تُبَثُّ من خلال أهم قنوات التلفزيون الحكومية! وإلا كيف تطلبون منا فهم ذلك؟! أهو إفلاس وبطلان الاحتراف المهني المرتبط باللامسؤولية؛ أم هي سياسة مُدرَكة يمكن تصنيفها تحت مفهوم "تخريب إيديولوجي" بالنسبة لمسائل الدولة التي تصب في السياسة القومية؟ هذه ليست أسئلة عابرة أو خاملة، بل أسئلة تنتظر إجابات وافية عليها.
وهكذا، وعلى أعتاب عيد يوم جيش روسيا "المدافع عن الوطن"، تقوم وسائل الإعلام التلفزيونية الروسية ببث أفلام عن الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية)، إضافة إلى ذلك قامت ببث أفلام "فوينا" (الحرب)، غروزوفييه فوروتا" (بوابات الرعد).. وغيرها، وكلها تُظهِر الشعب الشيشاني بأكمله كعدو روسيا اللّدود، الذي لا يمكن إصلاحه. ولم تتطرق هذه الأفلام ولا حتى بإشارة طفيفة إلى آلاف من أبناء الشيشان، الذين قدموا مهجهم وأرواحهم (خلال الحرب الشيشانية- الروسية الأخيرة) وهم يصدّون الإرهاب عن البلاد، أولئك الأبطال الذين زُيِّنت صدورهم بأوسمة البطولة، من ضمنها أوسمة "بطل روسيا". أستطيع أن أؤكد على أنه لا من سهو أو نسيان هنا، بل أن الأمر متعَمَّد ومقصود. ليس هذا فحسب، بل أن وقت بث هذه الأفلام تم اختياره بعناية أيضاً، ففي مثل هذا الوقت تم تهجير الشعب الشيشاني إلى مجاهل سيبيريا، حتى يظن المشاهدون وبشكل قاطع، بأن شيشان اليوم هم مثلهم مثل الألمان الفاشست في الحرب العالمية الثانية، هم أيضاً أعداء روسيا الاتحادية.
لا ندري حتى لماذا تناست قنوات التلفزيون الروسية الحكومية التذكير بيوم 23 شباط، يوم نفي الشعب الشيشاني عن بكرة أبيه، وما عاناه من مرض وبرد وجوع، وفقد نصف عدده. لقد تناسوا أن يُعربوا عن رأفتهم أو حزنهم، أو عن أبسط مشاعر المواساة الإنسانية لضحايا تلك المأساة الفظيعة في تاريخ البشرية. هل هذا التناسي من قبل المسؤولين في التلفزيون الحكومي يا تُرى سببه عدم إثارة موضوع النفي مرات ومرات، والتذكير به من حين إلى آخر؟!
إن بلدنا، روسيا الاتحادية، والمتوفرة فيها جميع أنواع المصادر المادية والبشرية الضرورية، يتمتع بكل الفرص من أجل أن تصبح في القرن الواحد والعشرين مركزا لاستقطاب شعوب كثيرة. واليوم لا يكفي الاستحواذ على صواريخ نووية وعلى أفضل أنواع البنادق الرشاشة- الكلاشنيكوف.
قال أحد الفلاسفة القدامى: "كل شيء يجري، وكل شيء يتبدل". هذا المنطق الكوني يخضع له العالَم المادي وغير المادي. فالشعوب والدول تتغير وتتطور. فإذا تمتع معشر أحد الأقوام البشرية ببصيرة وحكمة تمكنانه من توجيه تلك العملية (التحول العالمي) نحو التكامل الإنساني، فهذا يعني أنه اتخذ الشكل الإبداعي والخلاّق. وعكس ذلك ستكون هناك عمليات هدم وتدمير حتمية.
وإذا طبقنا هذه المعايير على روسيا الاتحادية، فستتطلب هذه البديهية تناغما وتناسقا في العلاقات بين الشعوب المختلفة. وذلك هو الأساس الذي لا بد منه من أجل تطوير روسيا في عالمنا المعاصر. أما الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فليست سوى نتيجة إرساء مثل هذا الأساس. ولأجل تحقيق ذلك تلزم فكرة تصورية، تقوم على أساسها إيديولوجيا وأفرع مستقلة للسلطة. وللأسف الشديد، لم تستطع روسيا الجديدة أن تبني مثل هذا الهرم خلال 15-18 سنة. وعلى العموم، هل يا ترى أصبحت روسيا جديدة؟
الطبيعة، كما هو معلوم، لا تتقبل فراغات. وإذا كانت دولتنا ومجتمعنا لا يستطيعان وضع أبسط القيم الإنسانية العامة والمفهومة والجذابة لكل المواطنين، والدفاع عنها، فستبدأ القومية العادية باحتلال مكانهما. وهذا هو عين ما يجري اليوم. والأمثلة على ذلك كثيرة. واليوم يتعاظم خطر القومية والشوفينية بشكل مضاعف، مع تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية. إن مجال العمل في العلاقات بين القوميات يتطلب إتباع سياسة دقيقة ومتوازنة. ولهذا السبب لا يمكن توكيل هذه المهمة لأولئك الذين لا يعترفون بأن كل مواطن وكل شعب من شعوب روسيا- هي قيم متساوية المقاييس.
-----------------------------------------------------------------------------------------
* ترجمة: د. أمين شمس الدين/ عن الموقع الرسمي للحكومة الشيشانية WWW.CHECHNYATODAY.COM
(www.dasiamin.maktoobblog.com)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية


.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل




.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا


.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا




.. Ctقتيلان وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة ميس الجبل