الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاومة الفلسطينية إلى أين ؟

محمد أيوب

2009 / 3 / 20
القضية الفلسطينية


نظمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة اليوم 18/3/2009م ندوة بعنوان: المقاومة الفلسطينية إلى أبن؟ وذلك إحياء لذكرى استشهاد جيفارا غزة " الرفيق محمد الأسود" الذي استشهد في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وقد حفزني ذلك لكتابة بعض الملاحظات السريعة قبل التوجه لحضور الندوة، كما سجلت بعض الملاحظات بعد سماعي لما تم طرحه في الندوة، وقد عرضت هذه الملاحظات بشكل سريع بعد أن عقدت العزم على التطرق إلى الموضوع بشكل موسع في مقال خاص.
والحقيقة أن معظم الفصائل الفلسطينية جعلت المقاومة هدفا لذاتها، مع أن أبسط القواعد النضالية تقرر أن المقاومة وسيلة لتحقيق هدف إستراتيجي رئيس، وأهداف تكتيكية مرحلية بحيث نقوم بعد تحقيق أي هدف مرحلي بمراجعة شاملة لأدائها واستخلاص العبر لتصحيح المسار إذا دعت الضرورة لذلك، أما أن نعتقد أننا معصومون من الأخطاء فهذا هو الخطأ بعينه وهذه هي الطامة الكبرى، والأغرب من ذلك أننا نحمل مفهوما قاصرا ومحدودا للمقاومة بحيث أصبحنا نعتقد أن المقاومة تقتصر على الكفاح المسلح، وبذلك أعطينا الفرصة لإسرائيل لكي تقوم بقمعنا وتدمير بنيتنا التحتية بذريعة محاربة الإرهاب، متناسية " أقصد إسرائيل" أن المقاومة بكل أشكالها حق مشروع لكل شعب تتعرض أرضه للاحتلال، وقد كفلت الشرائع الدولية حق مقاومة الاحتلال لكل الشعوب المحتلة، ولكن على الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أن تدرس بوعي أي أشكال المقاومة التي تتلاءم مع ظروفها بحيث تستطيع تحقيق إنجازات أكبر بخسائر أقل، وتجربة غاندي في الهند مثال على ذلك فقد اختار طريق المقاومة السلمية ومقاطعة المنتجات البريطانية والاعتماد على المنتجات المحلية.
إن من واجب أي شعب يريد مقاومة الاحتلال أن يمتلك رؤية واضحة ومحددة وإطارا مشتركا يتفق عليه الجميع دون استثناء، لأن غياب الرؤية الموحدة والإطار المشترك يفرغ المقاومة من مضامينها الإنسانية ويضعفها ويجعل حصادها أقل بكثير من التضحيات التي يتم بذلها في المسيرة النضالية للشعب أي شعب، وتجربة فيتنام تعطينا مثالا ساطعا على ذلك، فقد كانت جبهة تحرير فيتنام الجنوبية تتكون من أربعة وأربعين حزبا لم نسمع عن أي حزب منها، لم نكن نعرف سوى جبهة تحرير فيتنام وذراعها العسكري الفيتكونغ.
وعلى أي فصيل أو مجموعة فصائل أن تدرك أنه لا قيمة لها ولا قيمة لمقاومتها ما لم تشارك الجماهير العريضة في هذه المقاومة من خلال التدرج في عملية إشراك هذه الجماهير في أشكال المقاومة التي تناسب القطاعات الجماهيرية المتنوعة، لأنه لا يوجد شكل ثابت أو محدد للمقاومة ولأن المقاومة ليست حكرا على تنظيم معين، وليس من حق أي تنظيم أن يدعي أنه وحده هو الذي يمتلك الحقيقة كل الحقيقة، علينا أن ندرك أننا باعتبارنا أفرادا أو تنظيمات أن أي فصيل يملك جزءا من الحقيقة وأن الآخرين يمتلكون أجزاء أخرى من هذه الحقيقة، وبتفاعل هذه الأجزاء وليس جمعها في عملية حسابية جامدة نستطيع أن نصنع رؤيتنا المشتركة لواقعنا وبالتالي معرفة كيفية التعامل مع هذا الواقع دو أن نقع في منزلق الارتجال ودون أن نرتكب خطأ تضخيم قدراتنا أو رفع شعارات وأهداف لا نستطيع تحقيقها ضمن المعطيات العربية والعالمية.
من واجب المقاومة أن تفكر في نتاج عملها بمنطق الربح والخسارة، الربح الذي يتم إنجازه لصالح الشعب والقضية وليس لصالح الحزب أو تحالف أحزاب معينة، ومن واجب المقاومة أن تدرك أن نضالها يتكون من حلقات متداخلة أشبه بحلقات شركة التعاون للبترول دون إهمال أية حلقة أو دائرة من دوائر النضال، في فلسطين يجب على فصائل المقاومة تمتين الجبهة الداخلية قبل التفكير في منح هذه المقاومة بعدا دينيا إسلاميا، إن اعتماد البعد الإسلامي بعدا وحيدا تستند إليه المقاومة يشكل قفزة في الهواء قد تسبب لنا الكسور حين نرتطم بأرض الواقع مرة ثانية، وبعد أن نمتلك الرؤية الموحدة والبرنامج المشترك يمكننا أن نفكر في البعد العربي الذي يشكل عمقا وكنزا إستراتيجيا لنا، هذا البعد يتعطش لرؤية مقاومة فاعلة حتى يلتف حولها ولا يرغب في أن يرى الصراعات البغيضة التي تباعد بين الإخوة وتمزق الإرادة الموحدة للتحرر من الاحتلال، البعد العربي هو الجدار الأقوى الذي يمكننا أن نستند إليه في كفاحنا لتحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة، بعد ذلك يأتي البعد الإسلامي الذي يشكل عمقا إستراتيجيا للبعدين الفلسطيني والعربي، كما يشكل حلقة وصل مع البعد العالمي والإنساني.
أما عن بدايات المقاومة الفلسطينية فإنها تعود إلى منتصف الخمسينات، فقد قاد الشهيد مصطفى حافظ مجموعات الفدائيين الفلسطينيين التي تشكلت برعاية حكومة مصر الناصرية التي فجرت الوعي القومي العربي، وقد نادى عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة بضرورة الاهتمام بالبعد العربي والبعد الأفريقي والبعد العالمي والإنساني( دول عدم الانحياز)، وقد استمرت مجموعات الفدائيين بشن غاراتها داخل إسرائيل مما أدى إلى اغتيال الشهيد مصطفى حافظ بواسطة طرد ملغوم، كما كانت أعمال الفدائيين أحد أسباب احتلال غزة ومشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، وقد شارك الشهيد جول جمال في التصدي لهذا العدوان بتفجير المدمرة الفرنسية جان دارك.
وفي سنة 1964 انطلقت أول مجموعة من منظمة أبطال العودة الذراع العسكري لحركة القوميين العرب في الضفة الغربية في أول عملية فدائية داخل إسرائيل حيث استشهد اثنان من المجموعة أحدهم محمود الهيب وجرح وأسر سكران سكران الذي أفرج عنه في صفقة تبادل الأسرى سنة 1985، وفي 2/11/1964 قام خالد أبو عيشة بعملية فدائية في ذكرى وعد بلفور، وقد قامت الحكومة الأردنية بضرب تلك البادرة قبل أن تنمو وتتجذر.
وفي الفاتح من يناير انطلقت حركة فتح في أولى عملياتها الفدائية في داخل إسرائيل وتوالت العمليات إلى أن وقعت حرب حزيران التي لا مجال هنا للخوض في أسبابها وما نتج عنها من تدمير لجيوش ثلاث دول عربية، مما أدى إلى تعاظم دور المقاومة واقتناع الفلسطينيين بأن عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في مقاومة الاحتلال، وقد انطلقت أولى عمليات مقاومة الاحتلال من غزة، حيث قام الذراع العسكري لحركة القوميين العرب، التنظيم الأكبر في ذلك الوقت، والمعروف باسم طلائع المقاومة الشعبية بعدة عمليات إلى أن تحولت الحركة إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11/12/1967م، ولما اتسعت العمليات قامت قوات الاحتلال بتوجيه ضربة قوية للذراع العسكري للحركة وتم اعتقال حوالي 90 عنصرا وكادرا من كوادر العمل العسكري للحركة ولقوات التحرير الشعبية في قطاع غزة التي تحالفت مع الحركة.
كان الخطأ القاتل الذي وقع فيه من تصدوا لمقاومة الاحتلال أنهم اعتبروا الكفاح المسلح شكلا وحيدا من أشكال النضال، ولذا كانت أية عملية اعتقال تؤدي إلى الإرباك وعرقلة المقاومة لأن الجهاز السياسي الذي يشكل الرافد الأساسي للأذرع العسكرية والذي يقوم بتهيئة الجماهير للانخراط في العمل العسكري أو على الأقل تشكيل غطاء واقي يحمي المناضلين، هذا الخطأ الذي وقعت فيه جميع الفصائل العاملة على الساحة في غزة في ذلك الوقت أدى بالضرورة إلى إهمال جبهات نضال مهمة وضرورية، ومن هذه الجبهات على سبيل المثال لا الحصر:
1 – الجبهة السياسية: حيث يقوم التنظيم السياسي بتوعية الجماهير من خلال البيانات والمنشورات وكافة الوسائل الممكنة والمتاحة للتواصل مع الجماهير بحيث تصبح هذه الجماهير احتياطيا واعيا يرفد حركة المقاومة بالمزيد من المناضلين المسلحين بالوعي والذي يعرفون لماذا وكيف يناضلون، والذين يعرفون أساليب التحقيق المتبعة في السجون وكيفية مراوغة المحققين وتضليلهم.
2 – الجبهة الفكرية: أهملت التنظيمات هذه الجبهة بعد انشغالها بالعمل العسكري بسبب عدم وضوح الرؤيا، فقد كانت حركة القوميين العرب مدرسة تخرج منها معظم الكوادر الفكرية في الوطن، كما كان للحزب الشيوعي الفلسطيني في غزة دور مهم في تربية كوادره فكريا، وساهم في بناء الجبهة الوطنية لمقاومة الاحتلال والمقاومة المسلحة على الرغم من قناعة الحزب بعدم نضج الظروف لقيام عمل مسلح ناجح، أما التنظيمات الأخرى فلم تهتم بالتربية الفكرية لعناصرها وفضلت الاعتماد على التعبئة العاطفية فقط.
3 – الجبهة الاقتصادية: لم تفكر التنظيمات الفلسطينية المختلفة في أهمية خوض المعركة على هذه الجبهة، مع أنه كان من الممكن تحقيق الكثير من الإنجازات في هذا المجال مثل مقاطعة منتجات الاحتلال واعتماد سياسة زراعية تغنينا عن استيراد الخضروات والفواكه من إسرائيل، كما كان من الممكن بناء قاعدة صناعية قدر المستطاع لتصنيع المنتجات الزراعية مثل الزيوت والعصائر ( عصائر الحمضيات والطماطم) وتعليب السردين وصناعة الملابس وغيرها مما لا مجال للتطرق إليه لأنه من مسئولية المختصين في المجال الاقتصادي.
كما كان من واجب التنظيمات أن تعمل من أجل توفير فرص عمل للعمال في داخل المناطق المحتلة بدلا من محاولة منعهم من العمل في إسرائيل بالقوة، فقد ساهم العمال الفلسطينيون في بناء الاقتصاد الإسرائيلي في مجال الصناعة والإسكان وحتى في بناء المستوطنات.
4 – الجبهة الإعلامية: تعاني هذه الجبهة من قصور واضح لأننا لا ندرك أهمية تسويق قضيتنا بطريقة تقنع العالم بحقنا المشروع بدلا من أن نظهر في صورة المخربين والإرهابيين كما تصف إسرائيل الفلسطينيين، ولعل الانتفاضة التي اندلعت عام 1987م أكسبتنا تعاطف العالم ولكننا خسرنا هذا التعاطف حينما تحولت الانتفاضة إلى العمل المسلح وتم ارتكاب أعمال قتل بشعة تقشعر لها الأبدان باسم المقاومة من خلال عناصر ربما كانت مدسوسة على فصائل المقاومة.
وما زلنا نعاني من قصور كبير في المجال الإعلامي حيث تتفرغ الفضائيات والإذاعات الفلسطينية للشتم والتشويه والتخوين متناسية أن واجبنا الإعلامي الأساسي هو مواجهة ترسانة إسرائيل الإعلامية بأساليب علمية غير مرتجلة، وأنه من الضروري تشكيل لجنة إعلامية عليا تدير معركتنا الإعلامية بما يخدم قضيتنا على كافة المستويات وفي المجالات المختلفة.
5 - الجبهة الاجتماعية والجبهة النفسية: حيث كان من الضروري رعاية أسر الشهداء والأسرى بما يحفظ لهم حياة كريمة دون تمييز حسب الانتماء الحزبي بحيث لا يتحول شعبنا إلى مجموعات من المتسولين، كما يجب تقديم الرعاية النفسية لضحايا العنف الإسرائيلي أو حتى الفلسطيني من خلال حملات الإرشاد النفسي، وكان من الممكن توفير ذلك برعاية عربية ودولية وبمساعدة وكالة الغوث.
وبعد أوسلو وقعت الفصائل في تناقض مع نفسها ، فهي لم تتخلص من عقلية العمل السري والانتقال إلى العمل العلني، ولم تحاول حركة فتح الفصل بين السلطة وبين الحركة مما جعل المواطنين يحملون حركة فتح مسئولية أخطاء السلطة، كما لم تحاول حركة فتح الفصل بين نواتها العسكرية الصلبة وبين العمل في السلطة مما أدى إلى كشف عناصرها المناضلة وسهل على إسرائيل بتصفية العناصر المهمة جسديا والتخلص منها، وقد وقعت حماس في الخطأ نفسه عندما قفزت إلى السلطة بعد انتخابات 2006م وبعد استيلائها بالقوة على السلطة في غزة مما أدى إلى الزج بكافة عناصرها في العمل العلني المكشوف وهذا بدوره مكن إسرائيل من تصفية عناصر مهمة من النواة الصلبة للحركة.
وأخيرا فإن من يعتقد أن المقاومة الفلسطينية ستتلاشى هو مخطئ بكل المقاييس، قد تضعف المقاومة ولكنها لن تموت ما دام هناك شعب يؤمن بحقه في وطنه، قد تتغير أشكال النضال، وقد تتعدد هذه الأشكال وتتنوع بناء على تنامي وعي الشعب الفلسطيني، ومهما طال الزمن فإن صاحب الحق سينتصر، هكذا يقول التاريخ وهكذا تحدثنا الحقائق الراسخة عبر الزمن.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن