الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيديولوجيا التطرف والعنف

كاظم الحسن

2009 / 3 / 22
الارهاب, الحرب والسلام



العنف بغطاء سياسي هو البحث عن المشروعية في عالم السياسة المتقلب، حيث تكثر فيه الدسائس وصراع المصالح، ويحاول كل طرف تغطية أهدافه بقناع المبادئ والأخلاق والتصورات المثالية، وكلما كانت الأفكار متعالية وبعيدة عن الواقع، يكون العبء والضغط على الإنسان مهلكاً، ويصل في بعض الأحيان إلى العمل من أجل تبديل طبائع الإنسان باسم فكرة سياسية تتلبس غطاء دينياً.
ولو نظرنا إلى تاريخ المنطقة العربية الإسلامية لوجدنا أن الدين قد تم تجييره من قبل السياسة، وأصبحت معظم مراحل تاريخ هذه المنطقة تتمثل بالظلم والجور والتعسف، وحتى الفترة القصيرة من زمن التأسيس والتي تعتبر ذهبية، كانت محل اضطراب وتنازع واقتتال وبعدها خيمت على العالم الإسلامي المظاهر الدنيوية في السياسة.
فأصبحت المعارضة تبحث عن عالم مثالي خارج التاريخ يمثل أحلامها في الحرية والعدالة، ولكن عدالتها الخاصة من منظور الطائفة التي اعتنقت هذا المبدأ لكي تسقطه على باقي الطوائف والأديان.
هذه الفجوة بين الدين والسياسة حاولت الحركات التي تسمى الإسلام السياسي، توظيفه من خلال الهوة القائمة بين الدولة والمجتمع وافتقاد المجتمع المدني وانعدام المشاركة السياسية وتوارث المناصب والنفوذ والامتيازات، إضافة إلى الانكسارات السياسية والعسكرية والفشل في مجالات الاقتصاد والتنمية، وقد أدى ذلك إلى النزوع نحو العنف والقوة كأداة لحل المتراكم والمتفاعل من الأزمات والمشاكل التي تفاقمت وتزايدت على نحو غير طبيعي مما أدى إلى انسدادات فكرية ونفسية وروحية ساهمت في دفع العديد من الناس إلى تبني العنف كخيار أخير لتغيير الدولة والمجتمع. إن النظرة المطلقة للتاريخ تجعله خاضعة للأهواء والرغبات والأحلام وتصوره على إنه دائري يمكن استعادة أية نقطة أو طور سياسي أو اجتماعي، إذا خلصت النيات وصدقت النفوس وتعالت الأرواح عما هو مدنس ودنيوي.
هذا التبسيط للتاريخ يعمل على رجم التحولات والتغيرات والتي أصبحت واقع حال، فيصبح إلغاء الآخر ونفيه والقضاء عليه كأنه من الواجبات الدينية لأنهم يعتبرون عصراً جاهلياً ينبغي تغييره على وفق النموذج التأسيسي المختلف عليه.
ولكن للزمن سيره غير المتوقف أو المتباطئ وهو أشبه بالنهر المتحول الذي ليس هو نفسه في كل مرة، كما يقول أحد الفلاسفة. ما زال في النفوس حنين إلى طفولة الجنس البشري وهذا الشيء، حدث في أوروبا عندما شعر الكثير من الناس أن حياة المدينة قد سرقت من الإنسان الوداعة والبراءة.
وتلاصق العنف بعجلة التطور وتزايد حتى أصبح كالسرطان يهدد شعوب الأرض ويفقد العلائق الاجتماعية الدفء الإنساني والروح الحميمة التي تضفي على الوجود المعنى والرمز والاطمئنان، وأصبح الإنسان ترساً صغيراً في ماكنة هائلة تطحنه كل يوم دون أن تعطيه سوى القلق والشك واللاانتماء، بحيث انهارت المقاييس والقيم في عالم عاصف هادر في حركته ومسعاه وصيرورته اللامتناهية بآفاقها المجهولة على عالم من المتناقضات ولأضداد والتي تبدو للعقل إنها غير متسقة مع حركة التاريخ.
ويبدو أن الواقع الاجتماعي في مجتمعنا منفصل عن الفكر ومتباعد عنه، وهذا ما يجعل عملية اختراق الواقع والولوج في طياته والتحكم بأحداثه ورسم آليات عمله، مهمة صعبة ومتعذرة، مثلما أن رصد وضبط وتحليل معطيات المراحل التاريخية منفلتة عن الفاعل التاريخي.
إن ضمور القوى الفكرية والسياسية وتحول الأفكار والرؤى النقدية إلى صوفية ورومانسية تتداعى وتتسرب من خلالها الأوهام والتصورات غير العقلانية والغنوصية والدخول في متاهات ودهاليز اليقين المطلق المتحجر في رؤيا أحادية وشمولية قاصرة عن الفهم والاستيعاب. كل هذه التطورات تؤدي إلى العنف.
إن عدم الاعتراف بالأزمة لا يعني أنها غير موجودة، وبالعكس أن إهمالها وتجاهلها يؤدي إلى تفاقم وتصاعد حدة المشاكل وتحولها إلى قنابل موقوتة قد تهدد الجميع في أية لحظة وتؤدي إلى نتائج مهلكة ومؤلمة للكثير من الناس، وهذا الأمر لا يعيه الآخرون بسبب النرجسية العالية وطغيان الأنا بشكل هستيري، فأصحاب هذه النظرة يعتقدون أنهم يمتلكون الحقائق المطلقة والمنزهة والكاملة عن التاريخ والكون والإنسان.
إن مسيرة الإنسان في سعيه الدائم للحصول على المعرفة، وإقامة الجسور مع الآخر، قد تعثرت واضطربت لأن النظر إلى الطائفة أو العرق أو الدين على إنه محدد نهائي للمعرفة والوجود قاد الإنسان إلى التعامل بعنف وقسوة، بددت الكثير من الآمال والأماني في تحقيق سعادة الإنسان.
ويبدو أن العالم بحاجة إلى وقفة صادقة مع الضمير والنفس من أجل إقامة عالم إنساني رحب يجمع كل الأعراق والأديان والطوائف والمذاهب السياسية من أجل مستقبل أفضل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار