الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام والنزعة الانسانية العلمانية

كاظم الحسن

2009 / 3 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



عن كيفية اللحاق بركب الحضارة والتطور والتقدم الى افاق رحبة ومستنيرة،هذا مايحاول المفكرصادق جلال العظم بحثه والاجابه عنه وفي هذا الكتاب ينطلق من سؤال بسيط في الظاهر: هل يمكن بناء مفاهيم عامة مثل حقوق الانسان، حرية الضمير، التسامح الديني، وغير ذلك انطلاقا من تراث خاص؟وعلى الرغم من الموقف الاستشراقي وهنتغتون في كتابه الذائع الصيت (صدام الحضارات) الذي يرى ان التحديات التاريخية للهيمنة الغربية الرأسمالية من جانب الشيوعية والاشتراكية وحركات الطبقة العاملة وحركات العالم الثالث قد انتهت وان علينا البحث عن منابع الخطر والنزاع والتوتر العالمي في نظم المعتقدات والقيم التي لا تلتقي جوهريا ليس فقط مع الليبرالية الرأسمالية بل حتى مع بعضها البعض.

النموذج الانساني

الا ان العظم يجيب عن سؤال، مفاهيم حقوق الانسان ومدى قبولها في المجتمعات الاسلامية جازما: نعم ـ اعتماداً على التاريخ.
ويلاحظ ان النموذج الانساني العلماني اكتسب اليوم مكانة مزدوجة، بوصفه الخير البشري المشترك، والنموذج المعياري الملزم للحكم على القضايا المتعلقة بالانسان.

وعن مسيرة النموذج العلماني والعقبات التي رافقته، يقول العظم: انه لم يتحقق هكذا بالمجان، بل جاء تحققه بطيئاً، مفعماً بالالم، تطلب ظفره عدة قرون، وبثمن باهظ في صورة حروب وثورات وتضحيات وعذابات بشرية كثيرة.

والواقع ان هذه التجربة تفيدنا، في ان اعداء الديمقراطية والنموذج العلماني، ما ان يقعوا ضحية القمع من جانب خصومهم، حتى يلجأوا اول ما يلجأون دفاعا عن انفسهم الى فكرة استقلال القضاء، والى مبادئ حقوق الانسان التي تحظى باعتراف عام، مشددين باسراف على عمومية هذه المبادئ وشموليتها.

ام الاصوليات

يتسأل العظم عن مدى توافق الاسلام مع النموذج العلماني؟
ويظن ان الاجابة لابد ان تكون مركبة، قائمة على التاريخ وان هذا السؤال مطروح على جدول اعمال التاريخ والفكر العربي والاسلامي منذ الربع الاخير من القرن التاسع عشر وان السؤال اتخذ صيغاً وتعابير وسبلا شتى.
ويبين ان الربع الاخير من القرن التاسع عشر شهد بداية حركة عظيمة للاصلاح الليبرالي (الحر) والتأويل الديني المتحرر للحياة والفكر العربي وهي حركة اطلق عليها: اليقظة، النهضة، الانبعاث، الاصلاح الديني، التجربة الليبرالية، الحداثة الاسلامية، العصر الليبرالي للفكر العربي الحديث وما شاكل.

من جهة اخرى استثارت حركة الاصلاح العظيمة هذه، وهو امر طبيعي ومتوقع في الشؤون البشرية والصيرورات التاريخية، رد فعل معاكس اتخذ شكل تيار مضاد للاصلاح وحركة اصولية اسلامية ملازمة له وتبلور رد الفعل هذا لحظة تأسيس حركة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928 وهي ام الاصوليات.

مأزق الانقسام

يطرح العظم هنا مأزق الانقسام بين كتلة الرفض وكتلة القبول، في دار الاسلام، بل غالبا خارج دار الاسلام ايضاً؟
ويثير سؤالاً اخر وهو، هل كان اسلام البساطة، والمساواة، المجرد من المحسنات المضافة، والذي انبعث في مكة والمدينة قبل اربعة عشر قرنا خلت والذي قاده وسير اموره وخلفاءه الاربعة، الذين يعرفون بالخلفاء الراشدين، هل كان اسلام القرآن والرسول، اسلام البساطة ذاك، متوافقا مع النظام الملكي السلالي الوراثي الذي نشأ في تلك الامبراطوريات الكبرى.

ويجيب عن ذلك العظم: كان الاثنان متناشزين تناشزا مطلقاً من الناحية العقائدية اما من الناحية التاريخية فقد اصبح الاثنان متناغمين وقد تحقق التوافق في فترة قصيرة من الزمن على نحو مذهل.
ويضيف حيثما جاء الرفض العقائدي الجامد (كلا العقائدية) في التاريخ الاسلامي مهما كان صوابه في زمانه نصياً وحرفياً، ليصطدم اصطداما مباشراً مع القبول التاريخي لنعم التاريخية.

الاسلام التاريخي

يسوق الباحث العديد من الامثلة، حتى يثبت تاريخية الاسلام وقدرته على التناغم مع البيئات والاوضاع المختلفة حيث نجح الدين الاسلامي في ان يتأصل ويمد جذوره في طيف كامل من المجتمعات المتنوعة وطبق كامل من الثقافات المتعددة، وطبق كامل من اشكال الحياة المختلفة، التي تتراوح من حياة قبائل البدو الرحل، الى حياة البيروقراطيات المركزية، الى الحياة الزراعية ـ الاقطاعية، الى الحياة العمالية التجارية (الحركتلية)الى حياة المجتمع الصناعي الرأسمالي.

ويستنتج الباحث من هذه التكيفات التاريخية الملموسة مرونة الدين الاسلامي، مهما يتوجب اعادة التأويل والمراجعة، على نحو لا نهائي، لكي يستطيع ان يستمر في البقاء والازدهار في ظل هكذا ظروف بالغة التعقيد والتناقض وواسعة الاختلاف وهذا بطبيعة الحال يمنع الاسلام التاريخي مبدئيا من التصالح والتوافق مع امور من قبيل النزعة العلمانية والديمقراطية والحداثة.

وبالطبع فان سير او ارتقاء الاسلام في هذا الاتجاه ام لا انما هو ظرف تاريخي واحتمال اجتماعي ـ ثقافي يتوقف على مايفعله المسلمون الاحياء المتحركون بوصفهم ذواتا تاريخية.

كونية الديمقراطية

وبشأن السجال الدائرة عن حقوق الانسان في العالم العربي، يؤكد على تبلور شبه اجماع في البلدان والمجتمعات العربية الرئيسة، على اهمية وجدوى هذه القيم والممارسات والتدابير مثل ابداء بعض الاحترام للحقوق، وارساء قدر من الحكم الديمقراطي، ووجود مجتمع مدني نشط، ومبدأ المواطنة، وعلمانية الدولة واجهزتها، وحرية العلم والفكر والتعبير للفكاك من الكوابح الحالية للركود والجمود والفساد والتفكك والنزاع الاهلي الذي يخيم على العالم العربي باسره في الوقت الحاضر.

ويوضح انجذاب الحركات اليسارية والدينية، للقيم الليبرالية حيث اخذت تتحشد عموما حولها، اما الوسط العقلاني المتمثل بالطبقات الوسطى فتعتبر نفسها على اي حال الحامل الطبيعي لهذا الاجماع ومطبقته على ارض الواقع بل ان منظمات الاخوان المسلمين التي تمثل اليمين في الطيف السياسي اخذت تتحرك على مضض لكي تجعل نفسها جزءاً صريحاً من هذا الاجماع، وعلى سبيل المثال فأن جماعة الاخوان المسلمين كانت تصر على مدى عقود ان القرآن هو دستورها، وان استعادة الخلافة الاسلامية فرض ديني، وان التطبيق الفوري للشريعة امر لازم، الا انها اخذت تعلن مؤخراً (اذار 2004) مبادرتها الرسمية وبرنامجها الحزبي لاصلاح الدولة والمجتمع والاقتصاد في مصر، رفض فكرة الدولة والحكومة الدينية، والدعوة الى ماتسميه (الحكومة المدنية.

التجربة العلمانية التركية

وعن التجربة العلمانية التركية التي اصبحت محط اعجاب للحركات الدينية في المنطقة بعدما كانت محل ذم وقدح في السابق، يقول العظم: ان تركيا، وهي البلد المسلم الوحيد الذي يتوفر على ايديولوجيا وتقاليد وممارسات علمانية صريحة ومتطورة، وهي ايضا المجتمع الاسلامي الوحيد الذي انتج حزبا سياسيا مسلما ديمقراطيا، قادراً على الوصول الى السلطة من دون نزول كارثة بالكيان السياسي التركي، خلافا لما حصل في اماكن اخرى.
ويرى الباحث، ان العالم العربي وعالم الاسلام هما بحاجة ماسة الان الى نموذج ديمقراطي علماني حر، حرية معقولة، لكي يتبلور ويعمل في مجتمع مسلم وان تركيا في الوقت الحاضر هي التحول المرجح لنمو ونضوج مثل هذا النموذج.

بناء الدولة المدنية

ويشخص الباحث مجموعة من العوامل الواجب اخذها بنظر الاعتبار في حالة بناء دولة مدنية دستورية وهي يتوجب على الطوائف المسلمة ان تسحب صراحة كل قواعد وضوابط الشريعة التي تحكم اهل الذمة في البلاد، وينبغي ان تسحب قانونيا مرة والى الابد.
وكذلك ان تلغي قانون العقوبات الاسلامي القديم الذي ينص على عقوبات الجلد، الرجم حتى الموت، وقطع اليد وغير ذلك من اشكال العقاب الجسدي، وهذا امر ملح تماما، في ضوء النفور الذي تستثيره هذه العقوبات داخل البلاد وخارجها، ومثال ذلك ماقام به نظام صدام وازلامه من اعمال تخالف مبادئ حقوق الانسان مثل سمل العين وقطع الاذن وجدع الانف وبتر اللسان.

ويشدد على ضرورة الابتعاد عما يسمى الاسلام المهووس الذي ينظر الى العالم الخارجي والداخلي باعتباره لايزيد عن مجال حافل بالكفار الملعونين واللامؤمنين والمرتدين، والمشركين، الذين يتوجب التعامل معهم بما يستحقون وهذ يعني وضع حد، مرة والى الابد، للتقسيم التقليدي الضيق الذي يصنف العالم الى دار حرب ودار سلام، دار ايمان ودار كفر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واجهوا الواقع بشجاعة
محمد ( 2009 / 3 / 24 - 21:27 )
اسلام يتوافق مع العلمانية؟! ياالهي ماهذا الهذيان
متى ستقبلون بالواقع المفروض وتخرجون من هذه الدهاليز التي تعيشون في داخلها وتحاولون ان تحشرونا بها
حان الوقت لمواجهة الحقيقة املا في مستقبل افضل
لا تراوغوا


2 - عن تركيا و تعصبها
المعلم الثاني ( 2009 / 3 / 24 - 22:56 )
كتب في المقالة:
(تركيا، وهي البلد المسلم الوحيد الذي يتوفر على ايديولوجيا وتقاليد وممارسات علمانية صريحة ومتطورة)

أذكّر بأن الأتراك استعاضوا عن التعصب الديني بتعصب قومي وشوفينية عمياء ...أبادوا الأرمن ثم اليونانيين (أجبرت دولة أتاتورك مليون ونصف يوناني إلى الهجرة خلال ستة أسابيع !!) ثم أبادوا الأشوريين والآن لم يتبقى أمامهم سوى الأكراد..

تركيا دولة قامت على الغزو واحتلال أراضي الغير فهي أشد سوءا من اسرائيل ...

لا يجرؤ كاتب أو مفكر حر فيها على الكلام...فقد قتل في العام الماضي صحفي أرمني مؤمن بالتعايش مع الترك واليوم يعيش أورهان باموك مهددا من الفاشيين الجدد من جماعة الذئاب الرمادية

اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى