الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور البوليفي الجديد..على خطى الثورة الفنزويلية

فنزويلا الاشتراكية

2009 / 3 / 22
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"ها نحن نبدأ ببوليفيا جديدة، ها نحن نبدأ بالبلوغ إلى مساواة حقيقية، الدولة المستعمرة تنتهي الآن، الاستعمار الداخلي والاستعمار الخارجي ينتهيان الآن، أخواتي وإخواني، الليبرالية الجديدة تنتهي الآن أيضاً." كان يتحدث الرئيس البوليفي إيفو موراليس عندما قال هذه العبارات أمام حشد هائل من الجمهور، عن عهد جديد تبدأ به بوليفيا مع دستورها الذي نصره الإنسان البوليفي في استفتاء شعبي تم في 25 كانون الثاني 2009.
61,97% هي نسبة التأييد الشعبي لدستور بوليفيا الجديدة الذي أعلنت عنه حركة التحول نحو الاشتراكية سعيا لتحقيق شرعية لمشروعها الإنساني تكون فقط شرعية يمنحها الشعب البوليفي. فعندما انتخبت المنظمة الرئيس موراليس رئيسا لها في 12 كانون الثاني قال أمام 5000 شخص "شكراً لثقتكم بنا، لن ننس الشعب أبدا، لن نتوقف عن النضال أبدا، ولكن على أي حال، أنتم كلكم هنا لكي تصححوني."

كتب جزءا من الدستور الجديد ليولا غوزمان، وهو مناصر للرئيس موراليس و مقاتل ممن كانوا جنبا إلى جنب مع تشي جيفارا. وعلى الرغم من تضمنه أبسط الحقوق الإنسانية، كان "الدستور الجديد" محورا لنقاش وخلاف حاد في بوليفيا بسكانها ال9 ملايين خلال الفترة الأخيرة لتتكشف بذلك سمة لا إنسانية يحملها معارضو هذا المشروع البديهي بالنسبة لأي حالة ديمقراطية. فالمساواة والديمقراطية ومجانية الرعاية الصحية وحقوق العمال هي أدنى متطلبات يمكن للإنسان المواطن أن يطالب بها وبالتالي أن يختار تشريعا يضمنها له في حالة من التخبط تمر بها بلاده. وعندما قال الرئيس موراليس قبل نتيجة الاستفتاء بنحو أسبوعين "نحن على يقين بأنه ستتم المصادقة على الدستور" كان مراهنا على نصرة الإنسان البوليفي لدستور يشرع له إنسانيته.

ولكن مهما كانت هذه الحقوق بسيطة، يجب ألا نتسرع بإلقاء نظرة دونية على شعب يصادق عليها لأول مرة، فالديمقراطية لا تقاس بالأسبقية. وإذا كانت أكثر الدول تقدما وديمقراطية تتغنى بأنها قد مرت على نقطة تحولها منذ زمن طويل، فلتقيس هذه الدول الفترة التي واصلت فيها النضال قبل أن تحقق تغييرا. وهنا لنا أن نقيس ونقارن ديمقراطيات البلاد لأن الديمقراطية تكون تلك المتغلغلة في الإنسان وما فيه من قوة إرادة قادرة على انتزاع أي حقوق مسلوبة. فالمقياس بين ما حققته شعوب كثيرة في مئات السنين وما حققته بوليفيا في أقل من 3 سنوات هو مقياس الديمقراطية الحقيقي الذي يظهر مدى تقدم بوليفيا بفضل ثورية شعبها.

هذا دون أن نشير إلى أن دستور التحول نحو الاشتراكية الجديد قد فاق الكثير من دساتير العالم تقدما وديمقراطية وضمن لفئات عديدة في المجتمع حقوق لم تتحقق حتى الآن في تلك التي تدعي أنها معاقل للديمقراطية. فبينما تتخبط أكبر رؤوس أموال في العالم نتيجة للأزمة الرأسمالية العالمية وما يعيشه موظفوها من طرد وفقدان لأعمالهم، يمنح الدستور البوليفي الجديد حقا يضمن لعمال أي مؤسسة تعلن إفلاسها أو تطرد عمالها بشكل تعسفي بأن يتملكوها وأن يحولوها إلى شركات عمومية واجتماعية وذلك بدعم الدولة.
هذا بالإضافة إلى عدد من القوانين التي تضمن حقوق العمال بشكل متكامل من حيث الرواتب وظروف العمل والاحترام المتبادل بين العامل ورب العمل.
علاوة على ذلك، من أبرز ما تضمنه الدستور الجديد من حقوق هو حق السكان الأصليين (62% من الشعب البوليفي) الذين عانوا لسنوات طويلة تهميشا واستغلالا يفوق الحدود. فالدستور يضمن لهم مساواة مع السكان الآخرين الذين ينحدرون من أصول أوروبية. فلهم حق بالتمثيل الإجباري في السلطات وباعتماد لغتهم لغة رسمية ثانية بالبلاد إلى جانب الإسبانية وباسترجاع الحكم الذاتي على أراضيهم التي كانت قد سلبت منهم وحق الولاية عليها.

وفقا للدستور الجديد، تتولى الدولة مسؤوليات كبيرة تجاه الشعب بالتساوي بتأمين الصحة والتعليم وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة مجانا. بالإضافة إلى توفير المسكن والمشرب والملبس والخدمات الثانوية كالاتصال وغيرها بشكل سهل لأبناء الشعب بالتساوي. من جهة أخرى، يمنح الدستور الحكومة حق السيطرة على المصادر الإستراتيجية في الدولة لكي تحوله للصالح العام.

أما الجانب الاجتماعي، فقد نصرته بوليفيا عبر إنجاح الدستور لحقوق المرأة والإنسان من خلال نظام مساواة متكامل يضمن عدم التفرقة بناء على الجنس في أي حال من الأحوال وفي كافة ميادين الحياة. كما لم تغفل البيئة والطبيعة عبر قانون يجبر المصانع على احترام بيئة البلاد لما لها من أهمية خاصة بالإضافة إلى أهميتها في المحافظة على مصادر البلاد الطبيعية.

عسكرياً، سن الدستور انطلاقا من احترامه للإنسان ومعاداة للحروب والنزاعات والطرق العسكرية للتعامل مع القضايا المختلفة. ومن هنا ترفض بوليفيا وفق دستورها الجديد وجود أي قوات أجنبية على أرضها للانخراط في نزاع مسلح ضد أو مع أي طرف من الأطراف.

وأخيراً، يمنح الدستور الرئيس موراليس حق الترشح لولاية أخرى.

وقد يبدو غريبا أن نجد معارضين لهذه الحقوق الإنسانية في بوليفيا، إلا أنه أمر طبيعي أن تتكشف حقيقة نوايا هذه الفئات ومعاداتها للإنسانية في مطالبها. كما يتكشف هدفها الرئيسي كجزء لا يتجزأ من قوى خارجية كبرى تسعى إلى إحباط أي محاولة تغيير في بلاد قد تستغلها أشد استغلال. فعلى الرغم من ضمانه لحق المعارضين بمواصلة السيطرة في حكمهم على ولايات معينة في بوليفيا ضمانا لديمقراطية النظام، فلم تستجب هذه الفئات لنداء الرئيس موراليس للحوار. قال الرئيس "من الصعب أن نفهم موقفهم، كانوا يدافعون عن حقوقهم بالحكم الإقليمي والآن يضيعون فرصتهم بتحقيق ذلك؟ إن نواياهم الحقيقية هي مواجهة الحكومة وهزيمتها."
وقد وصلت هذه النوايا إلى مراحل أوضح من المتوقع، فقبل الاستفتاء بقليل أعلنت الحكومة البوليفية عن إبطال مؤامرة لقتل الرئيس إيفو موراليس. فالرئيس الذي لا يؤمن بأقوى من شعبيته ومحبة البوليفيين له، يعتاد على زيارة المناطق الشعبية والقرى بلا حراسة مشددة، ومن هنا حاول المعارضون شراء أحد فلاحي هذه المناطق بإقناعه أن الرئيس قد تخلى عن مشروعه الاجتماعي الذي أوصله للحكم وحمل هذا الفلاح على قتل الرئيس إلا أن محاولتهم باءت بالفشل والتحقيق لا يزال جارٍ.

يرى بعض المحللين أن مفاهيم الدستور البوليفي الجديد عامة جدا إلى حد يجبرنا على ربط ضمان مصداقيته بمدى وكيفية تطبيقه على أرض الواقع لاحقاً، صحيح وبلا شك أن القادم سيتحدث بنفسه عن هذه الزاوية من القضية إلا أننا بذات الوقت نتحدث عن مشروع تتبناه حكومة بدأت مسبقا بثورة اجتماعية غيرت الكثير في خريطة الدولة الداخلية. ويمكننا بذلك أن نستخلص تحليلا آخرا من حاضر مستمر بدلا من التنبؤ بطبيعة مستقبل يتجلى بوضوح أمامنا اليوم.

فلكي نكون عادلين، سنذكر القليل من إنجازات بوليفيا بقيادة الرئيس إيفو موراليس. فبعض الأمور التي قد تبدو حلماً في أماكن أخرى في العالم أصبحت حقيقة في بوليفيا وفي ظل ثورتها المستمرة.

أولاً، شرعت الحكومة منذ فترة بتطبيق مبادرة توفير فرص العمل والتي حققت نجاحا ملموسا وصل إلى حد توفير 500 وظيفة في 3 ولايات مختلفة مع انطلاقته. وتعمل هذه المبادرة من خلال قيام المواطنين العاطلين عن العمل بتسجيل أسمائهم في مكتب خاص لهذه الخدمة ويتكفل هذا المكتب بتوفير وظيفة مناسبة للشخص الطالب للعمل.

ثانياً، تعيين مراقب عام من قبل الحكومة ليتولى مسؤولية القضاء على الفساد وملاحقة أولئك المتورطين بقضايا فساد. وقد كلف الرئيس موراليس المراقب غابريال هرباس بشمول الجميع في مراقباته بدء من الرئيس وانتهاء بأبسط رئيس بلدية. وقد دعا الرئيس المواطنين للمساهمة في القضاء على الفساد من خلال تقديم شكوى ضد أي عملية غير قانونية أو مشبوهة. وقد نجح هذا العمل أيضا إذ قام هرباس بسحب ولاية من أحد المسؤولين لثبوت ممارسته عمليات فساد.

ثالثاً، أوصت الحكومة بمراجعة شاملة لأدائها في العام 2008 وإعداد تقرير بهذا الخصوص لكي تبنى عليه إستراتيجية العام 2009.

رابعاً، إصدار صحيفة "التغيير" التابعة للدولة لنقل الأخبار المحلية بمصداقية بعد ثبات احتكار الإعلام المحلي من قبل المعارضة وتجييره لصالحها من خلال نشر الإشاعات والأكاذيب والتشكيك بالمنجزات دون أي أدلة.

خامساً، قيام الدولة بدعم أسعار المحروقات والأغذية الأساسية بغض النظر عن الأسعار العالمية لكي تبقى هذه الأسعار ضمن مستوى معيشة المواطن البسيط.

سادساً، مواصلة برامج التأميم التي كانت الدولة قد بدأت بتطبيقها سابقاً والتي بموجبها تصبح الخدمات الأساسية في الدولة مسيرة لخدمة الشعب وبالتساوي.

سابعاً، في قطاع البناء قامت الحكومة ببناء أكبر جسر في بوليفيا بالتعاون مع كوريا الجنوبية وهو الجسر الذي ساعد على ربط مدينتي بيلاس وبيلون وبالتالي تحريك التجارة بينهما. وبشهادة سكان المدينتين فقد ساعد الجسر على تسهيل حركة المواصلات بين المدينتين وحفز اقتصادهما.

ثامناً، في قطاع التشريعات، سن مجلس النواب البوليفي، الذي يحتل أعضاء حركة التحول نحو الاشتراكية معظم مقاعده، سن قانونا لمحاربة الفساد بأثر رجعي بمعنى أن يعاقب حتى أولئك الذين ارتكبوا الفساد قبل سن القانون. إلا أن القانون موقف منذ ال2006 في مجلس الأعيان الذي أغلب أعضائه من المعارضين، لخوف الكثير من مرتكبي الفساد من المعارضين من تطبيق مثل هذا القانون الذي سيشكل لا فقط نهاية لفسادهم بل أيضاً عقابا لما ارتكبوه سابقا من فساد. الأعيان في هذا القانون يتبعون أسلوب المماطلة إذ أن المواطنين أنفسهم قد طالبوا بالقانون ولا يمكن للمعارضة أن تجد حجة لرده في ظل التأييد الشعبي لمحاربة الفساد.

هذه فقط بعض الإنجازات التي قد تمت سابقا في عهد الرئيس موراليس قبل حتى المصادقة على الدستور الجديد الذي من المفترض أن يكون الركن التشريعي القانوني لمواصلة تحقيق المزيد من الإنجازات وإطلاق العنان لحركة التحول نحو الاشتراكية لتطبيق مشروع الإصلاح بلا توقف الذي تحمله إلى الشعب البوليفي.

إذاً، كما قال الرئيس موراليس، ها هي بوليفيا الجديدة. نجحت بوليفيا وبدأت عهدها الجديد سائرة على خطى الثورة الدائمة التي تنتشر في أمريكا اللاتينية. فبعد نجاح عمليات التغيير الدستوري في الإكوادور وفنزويلا، ها هي بوليفيا تحقق نصر الإنسان بشعبية ذات مصداقية غير مشكوك بها، إذ كان الاستفتاء الشعبي مراقبا من جهات دولية مختلفة أكدت ديمقراطية ومصداقية العملية التي جرى في ظلها.

بعد الإكوادور وفنزويلا، تحتفظ بوليفيا بمعطياتها الخاصة وظروفها الخاصة التي عبرت من خلالها إلى هذا التغير الثوري. فقد كانت الظروف المحيطة بخطى الثورة البوليفية مختلفة على عدة أصعدة عن تلك التي جرت في الإكوادور وفنزويلا. ولم تشهد الأخيرتان حجم الصراع الذي شهدته بوليفيا لكي تحقق ما وصلت إليه اليوم. وهذا يعني أنه ورغم أن هذه الثورات هي جزء من كل، فإن الممارسات الثورية التي تنتمي لاشتراكية القرن الواحد والعشرين "تتسم بالمرونة وتبتعد عن التقليد والتبعية."

لقد نال الدستور البوليفي نصره المشروع، وقام بتشريع التغيير والإصلاح الاجتماعي الذي سيتحقق بالثورة البوليفية، تلك المتصلة بالثورة الاشتراكية في أمريكا اللاتينية. المواطن البوليفي خوان كارلوس الذي صوّت لصالح بوليفيا الجديدة، لخّص العهد الجديد الذي تقبل عليه بوليفيا بأبسط العبارات قائلاً "أنا أؤيد الحكومة والدستور الجديد لأنه يختلف عن الدساتير السابقة. فالآن لدينا تغيير لجميع البوليفيين وليس فقط للأغنياء منهم."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز


.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال




.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه


.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين




.. ليفربول يؤكد تعيين الهولندي آرني سلوت مدربا جديدا له