الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث الفلوجة...وإعادة الأعمار الأجتماعي

أبو مسلم الحيدر

2004 / 4 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كنت أعمل في إحدى المؤسسات الخدمية الأجتماعية وفي مدينة يسكنها عدد من العوائل العراقية، وفجأة تم إستدعائي لتقييم حادثة يعتبرونها في أمريكا جريمة يعاقب عليها القانون. الحادثة :
الطفل كان يلعب بالقرب من أبيه الذي كان يعد لعائلته اللحم المشوي على الفحم في حديقة المنزل. وفجأة قفز الطفل خلف كرته فأصطدم بموقد(منقلة بالعراقي) الفحم وسقطت منها جمرة وصارت تحت قدم الطفل.
حادثة بسيطة ولم تؤثر كثيراً على الطفل حيث قام الوالد والوالدة بغسل قدم الطفل بالماء البارد ووضعوا عليها معجون الطماطة لتبريدها وإنتهى الأمر. في اليوم التالي، كان الطفل في المدرسة وعرفت معلمة الصف بما حدث بالأمس. دقائق وإذا بالمدرسة تستقبل عددا من رجال شرطة المدينة وأخصائيي دائرة حماية الطفل في الولاية. أخذوا الطفل وأخاه (معه في نفس المدرسة) الى دائرة حماية الطفل الحكومية.
لماذا؟.... الأبوين غير قادرين على توفير التربية والعناية الملائمة وذلك لأن هذه العائلة لم تكن مهتمة كفاية بالطفل ولم يتم نقله الى المشفى لتلقي العلاج اللازم للحرق االذي أصاب قدمه.صدمة كبيرة لتلك العائلة.
أَذِن القاضي لي بالتحدث الى الحضور وكان منهم ممثل الأدعاء العام ومحامي دائرة حقوق الطفل والباحثة الأجتماعية والباحث النفساني (وكلهم كانوا حضوراً في قاعة المحكمة). وبدأتُ :
إن الأب لم يكن ينظر الى حادثة كهذه على إنها حادثة تستحق الأهتمام والذهاب بولده إلى المشفى لمعالجته لأن هذا الأب وهذه الأم كانوا يشاهدون وعلى الطبيعة رؤوساً تتطاير في الهواء وأجساداً تلتهمها النيران وأخرى متفحمة بفعل الأسلحة الكيمياوية كل ربع ساعة في التلفزيون العراقي (الذي لم يكن مسموحاً للعراقي بمشاهدة غيره) أثناء الحرب العراقية الأيرانية في برنامج "صور من المعركة"، ولمدة ثمان سنوات مستمرة ثم جائت بعدها حرب إحتلال الكويت ثم حرب تحرير الكويت حيث ألاف الجثث متناثرة في كل مكان فضلا عن عمليات الأغتيال في الشوارع والقتل الجملة والمفرد والتعذيب بكل الوسائل المعروفة والغير المعروفة وإرهاب رجالات الحزب والثورة والأمن والأستخبارات والمخابرات والأتحادات والنقابات والشرطة والجيش وغيرها من الأجهزة القمعية خصوصاً وإن الأب كان معتقلا لفترة من الزمن في إحدى زنزانات صدام وذاق من التعذيب ما ذاق ثم القتل العفلقي والقصف الصدامي للمدن العراقية بعد أن زحفت جيوش(العروبة والأسلام) لأبادة الألآف بعد إنتفاضة شعبان-آذار1991والهروب من الموت بأعجوبة.
أبعد كل هذا تكون لسعة نار خفيفة في القدم موضوعاً يستدعي الذهاب الى طبيب مختص!!؟
وتفهم الجميع، وقرر القاضي عودة الأطفال الى أبويهم شرط دخول الأبوين دورة لتعلم كيفية العناية بالطفل ومعالجتهم من آثار تجربتهم في بلد الرعب الذي يفوق الخيال (العراق).

أحداث الفلوجة المرعبة والتي أظهرت للعالم وعلى شاشات الفضائيات وبالصورة والصوت ما أنتجته مدرسة البعث العروبية وكيف أستثمرته مدرسة السلفيين والمتطرفين. أحداث مرعبة ولكن العراقيون جميعاً عايشوها زمناًً طويلا.
المشهد مألوف. مشهد الموت أصبح مشهداً يومياً وكأنه شيئاً طبيعياً في زمن البعث الذي كان فيه كل عراقي مشروعاً للموت وفي كل لحظة.
هل إن ما حدث في الفلوجة في الأول من نيسان عام 2004 مع أربعة من المدنيين الغيرعراقيين كان حادثا منفرداً؟
كلا فهذا كان قد حصل في الموصل قبل أشهر قلائل مع إثنين من الأمريكان حيث تم تمزيقهما أرباً أربا حينما علقت سيارتهما في زحام سير في وسط المدينة وهوأيضاً تكرار لصورة حدثت في النجف الأشرف في العاشر من نيسان عام 2003 مع عراقيين ثلاثة (وكان ثلاثتهم ينتسبون الى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم) وسيحدث مرة أخرى وفي مدن أخرى كما يلوح بذلك كثيرون.
إنها عمليات بشعة بعيدة عن الأنسانية، ولكنها حصلت وستحصل مرات ومرات وستكون عمليات القتل والسحل في الشوارع مسألة طبيعية في المجتمع العراقي كما حصل في مجتمعات أخرى مثل رواندا وغيرها من الدول الأفريقية ما لم نفعل شيئأً، خصوصاً وإننا نشاهد ونسمع من يعتبرها عمليات بطولية ويشجع على القيام بها ومن أفواه من يسمون أنفسهم برجال دين أوسياسة أو إعلام، كما وإننا نرى ونسمع من يستشهد بها ويحذر على القيام بمثلها في أماكن أخرى إذا لم يُستجاب لمطالبهم والتي غالباً ما تكون غير منطقية ولا عقلانية.

من الواقعة التي ذكرتها آنفاً يمكننا أن نستنتج ما نحن بحاجة له لأعادة بناء مجتمعنا، والتي يجب أن تكون أولى مهام إعادة الأعمار، إعادة إعمار المجتمع العراقي. والتي قد تكون بـ:

1- التوعية بأهمية وضرورة الرقابة الأجتماعية من قبل جميع العراقيين الغيارى والراغبين بالتخلص من أدران الماضي الأجرامي العفلقي ومن وساوس الشيطان الأرهابي السلفي.
2- بناء قوة وطنية حقيقية لحفظ الأمن الأجتماعي والعمل الجاد على منع المجرمين من التسلل الى هذه القوة تحت ذريعة ما أصبح يسمى بـ (المصالحة الوطنية) أو إعادة تأهيل البعثيين المجرمين أو عودة ضباط الشرطة والجيش السابقين الى مناصبهم. وهذا بالنتيجة يعني تطبيق قانون "إجتثاث البعث" بصيغة فعالة حيث يجب إحتجازهم وإدخالهم دورات إصلاحية (بإشراف متخصصين) طويلة الأمد تتناسب مع أفعالهم الأجرامية والمدد الزمنية التي قضوها في مدرسة الأجرام والأرهاب.
3- على مجلس الحكم إصدار قوانين جدية لحماية المجتمع من إشاعة الفتنة بأسم الدين أو القومية أو المذهبية أوبإسم الدفاع عن الحقوق المدنية ووضع عقوبات رادعة وفعالة لمثل هكذا تجاوزات. عدم إهمال المتجاوزين على القانون أو الأسائة للمجتمع ومحاسبتهم وفق القوانين.
4- الشفافية في عمل مجلس الحكم والوزارات والأجهزة الحكومية بل وحتى الفعاليات والأنشطة الأجتماعية والسياسية وتحديد المقصرين ومحاسبتهم بما يتناسب وتقصيرهم.
5- التنسيق مع الفعاليات السياسية والأجتماعية والدينية والعلمية ووسائل الأعلام والمدارس والمعاهد والجامعات على نشر ثقافة مسؤولية الأمن الأجتماعي وكذلك وضع الضوابط القانونية لمنع المتطرفين من هذه الفعاليات من ممارسة عمليات التخريب الأجتماعي قولا أو فعلا.
6- طلب المعونة من المؤسسات والهيئات الدولية المتخصصة لفتح مراكز إجتماعية ونفسية لعلاج آثار حقبة البعث المجرم على نفوس أبناء العراق وسلوكياتهم.

إن الأسراع في عملية تطهير المجتمع العراقي من أعداء إعادة بنائه وهيكلته بطريقة إنسانية واعية (ولا أعني بالتطهير هنا هو الأجتثاث أوالإنهاء للأفراد بل للأفكار السوداوية الضلامية وإصلاح الأفراد بالتثقيف وبقوة القانون) وفرض العقوبات الرادعة على المجرمين بحق المجتمع هو الطريق الأمثل إذا ما تزامن مع عملية توعية مكثفة تقوم بها أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الغير الحكومية بمساعدة المؤسسات والمنظمات الدولية.

وأنا هنا أوجه الدعوة الى مجلس الحكم وكافة الفعاليات الوطنية والدينية لتشكيل هيئة حكومية وشعبية عالية المستوى لأعادة إعمار المجتمع العراقي وإعطائها أهمية إستثنائية وتوفيرالأموال اللازمة لقيامها بمهامها والأستفادة من الخبرات والتخصصات الوطنية والدولية لأنجاح مهمتها.

إن المطالبة بإشاعة روح الديمقراطية، أو وضع دستور يخدم تطلعات أبناء الشعب، أو إجراء إنتخابات، أو إصلاح الحالة الاقتصادية، أو توفير العمل، أو توفير الماء والكهرباء، أو الحرية السياسية، أو حرية العبادة، أو إشاعة مباديء إحترام حقوق الأنسان، أو ....الخ من المطالبات سوف تكون عقيمة وغير واقعية من دون العمل الجاد على إزالة آثار سنوات طويلة جداً من القهر والأرهاب والأجرام على نفسية الفرد العراقي وعلى تفكيره .
دعوة أرجو أن يساهم فيها كل من يعتقد بأهميتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الرياض.. إلى أين وصل مسار التطبيع بين إسرائيل والس


.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين يرفضون إخلاء خيمهم في جامعة كولومبيا




.. واشنطن تحذر من -مذبحة- وشيكة في مدينة الفاشر السودانية


.. مصر: -خليها تعفن-.. حملة لمقاطعة شراء الأسماك في بور سعيد




.. مصر متفائلة وتنتظر الرد على النسخة المعدلة لاقتراح الهدنة في