الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أولوية المصالحة الوطنية مابين الإقتصاد والسياسة

محمد قاسم الصالحي

2009 / 3 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ عام 2003 والى اليوم لاتبدو المنطلقات الفكرية للسياسات الإقتصادية التي يسير في ركبها الإقتصاد العراقي على درجة من الوضوح لكي يتم تمييز النظرية المعتمدة من قبل صنّاع القرار الإقتصادي في العراق, وإن الإفتقار للسياسات الإقتصادية الواضحة وإعتماد المخططين بشكل أساسي على الوصفات الجاهزة التي قدمها صندوق النقد الدولي, الى جانب معدلات الإنفاق المتزايدة على الأنشطة الأمنية والعسكرية وبعض وزارات البطالة المقنعة, قد أدى بالنتيجة الى تضييع الفرصة التي وفرتها العائدات النفطية نتيجة أرتفاع أسعار النفط في الفترة المنصرمة وعدم إستغلالها في إصلاح الإنهيار الشامل في الهياكل الإنتاجية للقطاعات المختلفة بل وكالمعتاد, كان التركيز في السنوات الماضية على إصلاح الخلل النسبي في القطاع النفطي الذي يعد أقل القطاعات الإقتصادية تضررا مقارنة بالقطاع الزراعي والصناعي والقطاعات الأخرى. ثم جاءت زيادة النفقات التشغيلية في الموازنة العراقية 2009 على حساب النفقات الإستثمارية مع إستحواذ القطاع النفطي على حصة الأسد من هذه النفقات, لتحكم ببقاء أحادية الجانب كصفة ملازمة للإقتصاد العراقي لتجعل منه إقتصادا إستهلاكيا يقتات على المنتوج الأجنبي. وباتت عبارة (صُنع في العراق) أو ( زُرع في العراق) من الأحلام المؤجلة لحين دخول الرساميل الأجنبية المستثمرة الى البلد وهذا مالايبدو ممكنا على المدى المنظور دون تحقق المناخ الإستثماري وخاصة ذلك المتعلق بنهوض القطاع الخاص العراقي بإتجاهين الأول دعم وحماية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل الدولة العراقية والإتجاه الثاني إستدراج وإستقطاب رؤوس الأموال العراقية التي هربت وغادرت العراق خلال العقود الأخيرة ولازالت تـُشرّع لها القوانين لإستدراجها في إقتصاديات الدول الأخرى.

عدا إمكانية الإستثمار في القطاع النفطي (وهذا ما حصل ويحصل) فإن الحديث عن دخول الإستثمارات الأجنبية الى العراق في القطاعات الأخرى يبدو مستبعدا ً في الظرف الراهن للمشاكل الجمة التي يعاني منها قطاع الإستثمار في العراق, فإذا ماإستثنينا الجانب الأمني والتحسن الكبير الذي طرأ عليه مؤخرا فإن عدم وجود برنامج متكامل لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للقطاع الخاص في الإقتصاد العراقي لايشكل عامل جذب للإستثمارات الأجنبية وكذلك ضعف النظام المصرفي في العراق من حيث قلة رؤوس أموال المصارف وإرتفاع معدل الفوائد المصرفية على القروض المالية ناهيك عن تخلف البنية التحتية وخاصة في مجال الطاقة الكهربائية والطرق والجسور وأمور أخرى متعلقة بقانون الإستثمار العراقي رقم 13 لعام 2006 والتشريعات الملحقة به. لذلك لابد من الإهتمام بالقطاع الخاص العراقي وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة حيث تشير الإحصاءات الى إن مساهمة هذا النوع من المشروعات تشكل مايقارب 90% من إجمالي الشركات في إقتصاديات العالم المختلفة وتساهم بتوفير أكثر من 60% من فرص العمل في تلك الإقتصاديات, لذلك تبرز الضرورة لإنشاء مؤسسة حكومية أي وزارة لدعم وحماية هذه المشاريع أو توسيع عمل الهيئة العامة للإستثمار لتصبح وزارة وكما هو الحال في معظم الدول العربية والأجنبية, لتأخذ على عاتقها تأهيل وإحتضان هذه المشروعات لضمان مساهمتها الفعالة في التنمية الإقتصادية, ومن جهة أخرى رسم السياسات الكفيلة بتشجيع عودة رؤوس الأموال العراقية في الخارج لتشكل عامل جذب فيما بعد لإستقطاب الإستثمارات الأجنبية الى العراق.

هنالك الكثير من القوانين التي من شأنها دعم وحماية القطاع الخاص منها ماهو غير مفعل والآخرى تشريعات قديمة لم يتم تكييفها وفقا للمتغيرات الإقتصادية لكي تنعكس إيجابيا على أداء النشاط الإقتصادي للقطاع الخاص في العراق, فالنظام الضريبي وخاصة الضرائب غير المباشرة ومنها الرسوم الكَمركية أو لِنقـُل ضوابط الإستيراد بشكل عام لازالت غير فعالة في تغذية الموازنة العامة للدولة أو في حماية المنتوج الوطني من عملية الإغراق الذي يتعرض له الإقتصاد العراقي خاصة مع الأزمة العالمية وشحة السيولة النقدية التي أدت الى إلإنخفاض العام لأسعار السلع والمنتجات في جميع الدول. فإن الإفتقار الى السياسات التحجيمية التي تنظم عمليات الإستيراد وتحد من إغراق السوق العراقية بالسلع الأجنبية, إضافة الى نسب الفوائد العالية التي يفرضها البنك المركزي العراقي على القروض المالية للمشاريع الإستثمارية والتي تصل الى أكثر من ثلائة أضعاف معدل الفوائد العالمية, ساهمت في إضعاف القدرة الإنتاجية والتشغيلية للقطاع الخاص في الإقتصاد العراقي وتجميد دوره في عملية التنمية الإقتصادية.

وفي الوقت الذي تصبو فيه الدولة العراقية الى جذب الإستثمارات الأجنبية الى الإقتصاد العراقي لازالت رؤوس الأموال العراقية مستمرة في الهروب الى خارج البلد, منها ماهو في دول الجوار ودول الخليج, والأخرى التي إستوطنت في أوربا وأمريكا ومنذ عقود نتيجة سياسة إقتصاد الحرب والدفاع التي إنتهجها النظام السابق. وقد دأبت معظم دول الجوار العراقي مؤخرا الى سن قوانين إستباقية قد تعيق توجه الإستثمارات الأجنبية الى العراق فيما بعد نتيجة إحتواء وإحتضان إقتصاديات هذه الدول لمعظم رؤوس الأموال العراقية, فقد حصرت مؤخرا تأشيرات دخول العراقيين الى أراضيها بشرائح معينة وفي مقدمتهم رجال الأعمال وحملة بطاقات الغرف التجارية, حيث يسعى الجميع لإستخدام ورقة الإقتصاد العراقي للهروب من الأزمة الإقتصادية العالمية بإقرارهم لجملة من الإعفاءات والإمتيازات للمستثمرين وخاصة الرساميل العراقية النازحة المستهدَفة بالإستقطاب , وقد يؤدي ذلك لاحقا الى تغيير وجهة الإستثمارات الأجنبية المحتملة في العراق الى إقتصاديات هذه الدول. فعلى سبيل المثال لقد تدرج رأس المال العراقي المستثمر في دولة الإمارات من المرتبة الثانية في السنوات السابقة الى المرتبة الأولى حاليا من بين رؤوس الأموال الأجنبية والعربية المستثمرة في الإمارات, أما في الأردن فإن الإستثمارات المالية العراقية تحتل المرتبة الأولى بين الإستثمارات العربية والأجنبية منذ 2005 والى اليوم وفي تصاعد مستمر. وكذلك الحال في سوريا وبقية دول الجوار, كما ويحتل رأس المال العراقي المستثمَر مراتب متفاوتة في إقتصاديات دول العالم الأخرى بما فيها الدول المتقدمة.

ونحن نعيش اليوم أزمة الإقتصاد العالمي والتي تكشف عن عمقها يوما بعد آخر ولم يستطع أحد الى الآن التكهن بآثارها ونتائجها وماسوف تؤول إليه الإمور, تـُثار في العراق وللأسف ومن قبل أعلى المستويات في الدولة أموراً تعد ضرباً من ضروب الترف السياسي وكأن العراق يعيش في كوكب آخر بمعزل عما يدور من حوله.. السؤال الذي يطرح نفسه: من الأَوْلَى بالمصالحة والرعاية والإصلاح هل هو الإقتصاد العراقي (القطاع الخاص في داخل البلد ورؤوس الأموال العراقية التي هربت من العراق) أي المصالحة الإقتصادية, أمْ الطريق الذي تسير فيه الحكومة الآن, وهل يساهم تحقيق ماهم بصدده في إنتشال الإقتصاد من آثار الأزمة, أم يشكل وجودهم (المدعوون للمصالحة) فيما لو عادوا, تعميقاً لآثــار الأزمة الإقتصادية على العراق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاردن اول المستفيدين واخر المستفيدين
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 23 - 07:49 )
هذه الدوله المشبعه حد التخمه بالانتهازيه بكل اشكالها هي المستفيده الوحيده من مصائب العراقيين والامهم فالقاتل الرهابي والفاسد المالي والحرامي يجد الماوى والترحيب فيها اما الرساميل المهربه والاموال المسروقه فهي تنعش اقتصادها القائم على تبييض الاموال والان تضاف الى الاردن دولة الامارات وسوريا

اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة