الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الديمقراطي 3

طلال احمد سعيد

2009 / 3 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التعريف البسيط للديمقراطية هي انها حكم الشعب ، وانها تقف ضد التسلط السياسي والاستبداد ،والسؤال الذي يدور في العراق منذ الاطاحة بسلطة البعث ، هل ان الشعب العراقي هو الحاكم الفعلي في العراق الان ؟؟ .
عندما سقط النظام السابق اتجهت الانظار حول اقامة نظام ديمقراطي وفق النمط الغربي وعلى انقاض النظام البائد ، والنظام الديمقراطي الجديد لابد ان يقيمه افراد يؤمنون به ويمارسونه على مختلف الاصعدة . قوات الاحتلال الاميركيه التي ادخلت العراق تحت عباءتها مجموعه من الاحزاب الدينيه والقومية التي كانت تمثل جزء من المعارضة في الخارج ، وقد تم تسليم مقاليد الحكم الى تلك الاحزاب ضمن تشكيلة مجلس الحكم الذي اقيم في شهر تموز 2003 ، والذي كان نقطة البداية السيئة حيث اسس وفقا لمباديء المحاصصة الطائفية والقومية ، ذلك المبدأ الذي طبق وظل مطبقا حتى الان في كل مرافق الدولة ومؤسساتها بطريقة متقنه ومحسوبة يصعب التخلص منها .
من حيث المبدأ يمكن ان نقرر بأن الفكر الديمقراطي في العراق يمر بمخاض عسير نتيجة سيطرة الاسلام السياسي والنظام العشائري والتعصب القومي الشوفيني . الاسلام السياسي يحمل فكرا تقسيميا في بلد متعدد الاديان والمذاهب مثل العراق ، وهو يؤدي بالنتيجة الى المزيد من التشظي في الهوية العراقية ، وبذلك فهو نقيض اكيد للفكر الديمقراطي . وبعين الوقت فأن النظام العشائري الذي يجري وضعه في المقدمة الان هو نظام متخلف لايعرف معنى الديمقراطية لانه يؤمن بسيطرة شخص على امه ، ويؤمن كذلك بأنتقال السلطة الابوية عن طريق الوراثة . يقف الى جانب ذلك المخاطر الشاخصة بسبب التعصب القومي الشوفيني الذي يمارسه اقليم كردستان كل تلك الظواهر انما هي تعطيل للمسيرة الديمقراطية .
تعثر العملية السياسية وهشاشة المسيرة الديمقراطية في العراق يمثلان خطرا محدقا في البلاد ، قد يؤدي الى ظهور حالة جديدة من الاستبداد السياسي والمعروف ان الاستبداد السياسي يقف حائلا دون صعود ابناء البلد والارتقاء الى مراكز مهمة في القيادة والحكم على عكس الديمقراطية التي تفسح المجال لكل ابناء البلد المتميزين بأرتقاء السلم الى اعلى المراتب وان هؤلاء المتميزين هم بالضرورة من يجب ان يمسك مراكز القيادة والسلطة .
ان اهم شروط النظام الديمقراطي هي مسألة التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع الحرة ، وقد عمل الاميركان منذ اللحظة الاولى على تفعيل هذه العملية ، وذلك بقصد نقل البلاد الى اسلوب الحكم الديمقراطي ، وبناءا على ذلك فقد اجريت انتخابات عديدة منذ العام 2004 حتى الان كانت اهمها انتخابات المجلس النيابي الي تمت في العام 2005 . هذه الانتخابات جرت في ظروف غاية في التعقيد وفي ضل تعاظم موجات الارهاب وقد انتخب مجلس يتألف من 275 نائبا حسب نصوص الدستور الجديد ، وولادة المجلس النيابي الاخير هو اول تشوية للديمقراطية في البلاد وذلك بسبب قيام الناخبين بالتصويت على نواب لايعرفون حتى اسماءهم ، وحصل ذلك بسبب القوائم المغلقة التي تحمل اسم القائمة ولااحد يعرف محتوياتها ، وكانت نتيجة ذلك مجيء مجلس نيابي تسوده الفوضى ، ويعاني الانقسامات في كافة مفاصله ، وقد عجز هذا المجلس عن اصدار تشريع واحد لمصلحة ابناء الشعب العراقي ، وعلى العكس من ذلك فقد نجح في اقرار رواتب ومخصصات ومزايا خيالية للنواب انفسهم عبر جلسات سرية لم يعلن عنها . وقد تقرر اخيرا ان يتمتع عضو البرلمان بكافة الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها الوزير في كل المجالات المادية والمعنوية ، وهذا يعني ان في العراق الان اكثر من 300 وزير وبهذه المناسبة لابد ان نشير بأن تقاعد السيد رئيس مجلس النواب السابق الدكتور محمود المشهداني يبلغ 40 الف $ شهريا وهو يفوق راتب رئيس جمهورية الولايات المتحدة الاميركية الحالي .
في الوقت الذي يعاني العراق من مشاكل اقتصادية ومالية كبيرة مثل مشكلة البطالة والفقر والتشرد المنتشر في عموم البلاد يقوم مجلس النواب عبر جلسة سرية بتعديل قانون المجلس رقم 50 لسنه 2007 مما يتيح لاعضاءه وافراد اسرهم الحصول على جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة (وليس خلال فترة العمل البرلماني ) ، يضاف الى ذلك فأنهم منحوا لانفسهم حق الحصول على ارض سكنيه في مدينه بغداد لاتقل مساحتها عن 600 متر مربع مع سيارة مدرعه .
لو وضعنا في تصورنا مسألة مهمة وهي كمية المبالغ التي سيتسلمها النواب والوزراء وكبار موظفي الدولة ومستشاريها عند التقاعد وبعد عقد او عقدين فأن تلك المبالغ سوف تشكل ارقاما فلكية ترهق ميزانيه الدولة وتفرز طبقة برجوازية كبيرة مترهلة طفيلية تعيش على حساب الشعب وتستقطع نسبة لايستهان بها من الميزانيه العامة على حساب الطبقات الفقيرة والمستضعفه . فضلا عن ذلك سيكون لدينا جيشا من حاملي جواز السفر الدبلوماسية والمستحوذين على امتيازات لايعرف احد مداها وحجمها وعند ذاك سيضطر العراق الى تشيد مطارات خاصة بهم حيث سيكونون من الركاب المعروفين (vip)
التشويه الثاني للديمقراطية جرى ضمن انتخابات مجالس المحافظات التي جرت اخيرا بموجب قوائم مغلقة سميت مجازا بالمفتوحة التي لم تكن مفتوحة الا ان الفرق بينها وبين انتخابات البرلمان هو نشر اسماء المرشحين وهي بلا شك خطوة الى الامام . وفي انتخابات مجالس المحافظات هذه جرى ماراثون (طش الدولارات) على نطاق واسع وكذلك وزعت المدافيء والبطانيات (الانتخابات جرت في الشتاء) وهي عملية كشف عنها الكثير من المرشحين انفسهم ، وكان القصد منها شراء اصوات الناخبين والتاثير على ارادة الناخب . صحيح انه جرى تفتيت بعض الكتل السياسية الشيعيه مثل الائتلاف الموحد وكتل سنيه اخرى غير ان القوائم والاشخاص الفائزة بقيت محصورة في نطاق التيارات اللاسلامية ، ولكن بأسماء اخرى توحي بانهم من طينه جديدة ، وقد خسر العلمانين والتقدميون كل شي ، وساهمت المفوضية غير المستقلة للانتخابات في ابعادهم عن الفوز بعد اجراء حسابات معقدة ادت الى ضمان الفوز لقوائم معروفة مقررة مسبقا .
الديمقراطية ليست مجرد شعارات انما هي بحاجة الى ديمقراطيين يؤمنون بها فكرا وممارسة ، وهي بحاجة كذلك الى ارض صالحة تنمو بها ضمن شعب يمتلك الوعي السياسي للدفاع عن المباديء والمثل . والديمقراطية لايمكن ان تنبت في مناخات التردي الاقتصادي وفي مجتمع تشكل فيه البطالة ويشكل فيه الفقر ارقاما قياسية . والديمقراطية لايمكن ان تنبت في مجتمع عندما تكتسي هوية المواطن طابعا طائفيا بسبب سيطرة الاحزاب الاسلامية على السلطة سواء كانت من هذا المذهب او ذاك .
ان اقامة الدولة المدنيه وتراجع الدين السياسي هو اول درجات السلم للخلاص من الوضع الحالي والتوجه نحو البناء الديمقراطي الحقيقي .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب