الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة على أوراق النار

خيري حمدان

2009 / 3 / 23
الادب والفن



الكتابة في العالم العربي مهنة خطرة، قد يدفع الكاتب والمبدع حياته ثمنا لممارستها، وقد يضطرّ إلى سهر الليالي لابتلاع الشتائم التي لا تحصى والتعليقات الرخيصة من حملة الأقلام المدفوعة الثمن. لم تعد السلطة في العالم العربي قادرة على تحمل وجهة نظر ترفض تقديسها والتسبيح بحمدها ليل نهار.

التفكير محاولة انتحار وخروج عن المألوف في عالم لم يعد يهتم بالكتاب ولم يعد يخصص من وقته الثمين للقراءة أو المطالعة. كلّ شيءٍ أصبح تاريخاً في عالمنا العربي إلا التاريخ، فقد امتطى حصاناً مهجّناً وانطلق هائما على وجهه، ربما أصبنا بعمى الجهات. كيف ندرك ذاتنا ونحن لا نشاهد في المرآة سوى فحولتنا المصطنعة، ولا نتوانى لحظة عن فتل شواربنا، معلنين بأننا قد امتلكنا نهاراً يعود لغيرنا؟ المصيبة أنّنا لا ندرك هذا الواقع، ونناطح الريح كثور هائج، كلّما ازداد جموحاً اقتربت ساعة النهاية، حين يغرز الفارس نصل سيفه في مقتله حتى المقبض، تمرّ لحظات يراقب خلالها الثور ساعة الموت المطلقة، غير قادر على الانطلاق نحو غريمه الرشيق، ثم ينهار مرّة واحدة، منتظراً تقديم الولاء بأذنه، يقتطفها الفارس على عجل، هدية للفناء، وتأتي الخيول لجرّ كتلة اللحم الهائلة، لتلقمها للأفران والنيران.

أحاول الكتابة على أوراقٍ من نار، فإذا كانت كلماتي قادرة على الصمود فليكن، وإلا فلتحرقها النيران قرباناً لتاريخ أجدادي. لم أعد أقرأ قصص سندباد البِحار، لأن سندباد العرب، حجز مقعداً على بارجة عسكرية باتجاه واحد، نحو مسارح الترف ليقصّ مغامراته، وسط دهشة الأطفال، وغمز الحسناوات الشقراوات. لم يعد السندباد الأسمر قادراً على العودة، لأنه بات يخشى تهم التحريض على الإرهاب الفكري، ومحاولة الانقلاب على سلطة البلاط، بات السندباد يخشى وسامته وسحره. ماذا سيحدث إذا أغرمت به إحدى الأميرات، وطالبت بامتلاك جسده هدية عيد ميلادها؟ هو الذي عاش ملكاً للريح وحارساً للغابات وسيدا للبحار.

أكتب على أوراقٍ من نار .. أكتب على الرصيف والتراب وفوق الماء. لأنني أشعر بيتمي وحيرتي وكأني اقتطعت من أسفل جذع شجرة. إحساس لم يفتأ يراودني منذ أن قُتِلَ المواطن العربي في ذاتي، ورحت أحسب ألف حساب من العودة إلى ذلك الجذع .. هل ستتذكرني التربة. وهل سأكون أنا مجدداً وسط هذا العدم المتكاثر بالعربية.

على أوراق النار أكتب ما يشبه القصّ والخيال، لعلّي أحرق ظلّي البائس تحت جدار القمع والخوف من الكلمة المجنّحة. دعونا نفتح أفواهنا دون الحاجة للجلوس عند طبيب الأسنان، ونصرخ في وجه الرياح العاتية .. لن نركع، لكننا يا حبيبتي نركع، وإلا قصمت الريح قوس قزحنا .. أبدو مسافر نحو البدايات، وعيون أمّي لا تصدّق بأنّ الشيب قصف شعر رأسي، وبانت الدوائر السوداء حول عيني واضحة من كثرة التحديق في هياكل الكلمات الهالكة.

أوراق النار ترفض الانصياع للريح العاتية، وتتآكل بالرغم من ندائي، يا كلّ القصائد التي أفلتت من قلمي لا تهربي بعيداً .. دعيني ألامس طرف ثوبك، ياقتك، الوردة الحمراء القابعة في جيبك الأنيق، شهوتك العارمة، عيناك الذابلة، وسقوطك آخر النهار احتجاجاً على زمن الصمت .. أحبّك بكلّ اللغات الممكنة، وحتى بالعربية!

النار تأكل أصابعي ..
النار تأكل أصابعي ..
دعيني أحترق في زمن الطوفان ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر


.. حكاية بكاء أحمد السبكي بعد نجاح ابنه كريم السبكي في فيلم #شق




.. خناقة الدخان.. مشهد حصري من فيلم #شقو ??


.. وفاة والدة الفنانة يسرا اللوزي وتشييع جثمانها من مسجد عمر مك




.. يا ترى فيلم #شقو هيتعمل منه جزء تاني؟ ??