الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيديولوجيا الناعمة

سالم العوكلي

2009 / 3 / 23
ملف- دور الفضائيات العربية في تسويق الإعلام وبناء الوعي و توجيه الرأي العام


يزداد في الفترة الأخيرة تعلقي بالتلفزيون ولا أنكر متعة هذا التعلق الذي كثيراً ما يجعلني ممتناً لأنني شهدت هذا العصر ، لكن هذه المتعة لا تخلو من هاجس شك تجاه هذا الدفق التقني، ونوع من الاسترابة تجاه تظاهره بالحياد والاختلاف ، زاعماً أن هذا التنوع الشكلي يغطي على تسويق فكرة مهيمنة ومدفونة تحت هذا التعدد الهائل للقنوات ، وكانت العديد من الأسئلة المقلقة تنكد على هذا التعلق الممتع ، وصادف أن قرأت كتاب "التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول" للمفكر وعالم الاجتماع بيير بورديو ، الذي يتوجه بنقد بنيوي تجاه تركيبة هذه الأداة الإعلامية التي غدت مسيطرة على الأذهان ، مستنداً على بحث مضني لآليات وخطاب العديد من شبكات الإرسال المرئي العالمية التي لا تنفك تعمل عبر الليل والنهار وبطرق مستحدثة وخلابة على صياغة رأي عالمي عام تجاه فكرة موحدة تتجه بأكملها لأخلاقيات السوق والتبرير ، حيث هذا البازار العالمي الكبير المشرع لتجميل كل البضائع وتسويقها من المشروبات إلى الجسد البشري ، وضجيج المعلومات الذي لا يعطي معلومة ، والبرامج الوثائقية التي أغلبها يعيد إخراج الخطاب الاستشراقي التقليدي عبر بنية بصرية مبتكرة ، وحيث الحوارات التي يتهافت عليها الأكاديميون والسياسيون والمثقفون ، إذ يقول بورديو في كتابه المذكور : "أصبحت شاشة التلفزيون اليوم نوعاً من مرآة نرجس .. مكاناً لاستعراض حب الذات" وهي حوارات تختزل عادة مواضيع شائكة ومركبة في بلاتوهات معدة للعرض، يقوم بها أفراد يظهر أنهم مختلفون ولكن بطريقة مصطنعة ، من شانها أن تجذب العدد الأكثر من محبي الإثارة ، لأن ما يسيطر في الواقع على مالكي هذه الشركات الإعلامية الكبرى هو قياس الأوديمات التي تعني مقياس نسبة الإقبال التي تتمتع بها القنوات ، ويغدو اللهاث والسرعة عوامل مهمة للسباق على المشاهد والتشويش عليه في الوقت نفسه ، يمكننا أن نلمس ذلك في بعض البرامج الأمريكية التي تعتمد على سَوْق الأخبار المثيرة بطريقة متواترة وسريعة، بالشكل الذي لا يعطيك فرصة للتفكير بها أو التقاط الأنفاس، وتلحق هذه السرعة حتى بندوات الحوار ، لتطرح مشكلة أساسية في عصرنا، وهي العلاقة بين التفكير والسرعة، حيث يتساءل بورديو : "هل يمكن التفكير أثناء اللهاث؟" وهو ما يظهر عملياً في برامج المسابقات التي يسمونها "ثقافية أو فكرية" ، والتفكير السريع آلية مبتكرة أوجدتها التقنيات العسكرية الحديثة التي تسعى لإرباك الطرف المقابل ، وبالتالي فأن هذا الجهاز يمكن اختصاره في حالة شاملة من الترويج بجميع أنواعه ، ترويج ثقافة النظام المسيطر ودافعي ثمن الإعلانات التي يخدمها صحفيون يتوهمون أنهم يعملون باستقلالية تامة، بينما هم الوسيط المعد بإتقان للتواصل المخطط له بين هذا النظام المتعدد اللغات أو الأيديولوجيا الناعمة وبين المجال الذي يشكل فضاءً اجتماعياً مشيداً ، ووسط هذا الصخب المنظم تغيب محاولات عدة للخروج عن هذا النظام لكنها تقف عاجزة أمام سلطة الأوديمات التي يتحكم بها مدى الإثارة ومعرفة أقصر الطرق إلى الغرائز الإنسانية ، الشأن الذي حول التلفزيون من أداة رائعة للديمقراطية إلى أداة للقمع الرمزي ، أداة للتلاعب الأكثر روعة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت